بحث متقدم
الزيارة
8001
محدثة عن: 2007/08/21
خلاصة السؤال
ماهی الجنة التی سکنها آدم (ع)؟
السؤال
ماهی الجنة التی سکنها آدم (ع)؟
الجواب الإجمالي

اختلفت کلمة المفسرین فی هذه القضیة الى عدة اقوال و نظریات :

فذهب البعض الى انها بستان و جنة من جنان الارض.

و ذهب الفریق الآخر الى ان جنة آدم تقع فی السماء السابعة لا فی الارض، و استدل على ذلک بکلمة الهبوط التی وردت فی الآیة.

و ذهب فریق ثالث الى ان جنة آدم هی نفس الجنة الموعودة.

اما الرأی الرابع فیرى انها لیست جنة من جنان الارض و لا هی الجنة الموعودة بل هی الجنة البرزخیة التی تقع ما بین الدنیا والآخرة، و نحن نرى ان هذه النظریة تجمع بین الآیات و الروایات المختلفة فی هذا الباب و انها موافقة للخصائص و الاوصاف المطروحة فی المتون الدینیة.

الجواب التفصيلي

جاء فی القرآن الکریم قوله تعالى :«و قلنا یا آدم اسکن انت وزوجک الجنة»[1]

و الجنة: الحدیقة، و هی بستان ذات شجر و نزهة، و جمعه جنات،[2]‏ و « جنات عدن» التی وردت فی القرآن تعنی الحدائق او البساتین دائمة السکن، جنات إقامة و خلد،[3] وبما ان البستان یکون مغطى عادة بالاشجار من هنا اطلق علیه لفظ الجنة.

والجنة هی افضل مکان فی العالم طیب ماؤها وهواءها و دائمة النعمة ومزینة یدخلها الصالحون بعد الموت فیخلدون فیها.[4]

اما بالنسبة الى الجنة التی اخرج منها آدم(ع) بعد ان وسوس له الشیطان فقد اختلفت کلمة المفسرین على عدة اقول:

فذهب بعضهم الى انها جنة من جنان الارض و انها بستان من بساتین الدنیا، و قد دعموا رأیهم هذا بمجموعة من الادلة منها:

1. لو کانت جنة آدم هی الجنة الاخرویة فهذه الجنة لا مجال للشیطان لدخولها و الوسوسة فیها فلا یتعرض آدم لتلک الوساوس، و بما انه تعرض للوسوسة اذا هی لیست الجنة الاخرویة.

2. ان من یدخل جنة الخلد لایخرج منها بصریح قوله تعالى: «وما هم منها بمخرجین».[5]

3. ان ابلیس لما تمرد على الامر الالهی بالسجود لآدم (ع) وقع موقع اللعن و الغضب الالهی و من الواضح ان من یقع موقع اللعن و الغضب الالهی لا سبیل له لدخول جنة الخلد.

4. من المسلّم به ان الله تعالى خلق آدم فی الارض و لا یوجد عندنا دلیل على ان آدم (ع) قد انتقل من الارض الى السماء.[6] و بالنتیجة ان الجنة التی اخرج منها آدم لم تکن سماویة او جنة الخلد.

و فی بعض الروایات الواردة عن طریق أهل البیت (ع) تصریح بهذا المعنى کالروایة الواردة عن الامام الصادق (ع) حیث سئل عن جنة آدم (ع) فاجاب قائلا:

«جنة آدم من جنان الدنیا، تطلع فیها الشمس و القمر، و لو کانت من جنان الخلد ما خرج منها أبدا»[7].

و ذهب فریق آخر من المفسرین الى انها نفس الجنة الاخرویة داعمین کلامهم بالدلیل التالی: قال الفخر الرازی: ان هذه الجنة هی دار الثواب و الدلیل علیه أن الألف و اللام فی لفظ الجنة لا یفیدان العموم لأن سکنى جمیع الجنان محال، فلابد من صرفها إلى المعهود السابق و الجنة التی هی المعهودة المعلومة بین المسلمین هی دار الثواب، فوجب صرف اللفظ إلیها.[8]

و یظهر من کلام الامام امیرالمؤمنین (ع) انه یؤید هذا الرأی حیث قال فی نهج البلاغة:

«فاغتره عدوه نفاسة علیه بدار المقام و مرافقة الابرار».[9] فدار المقام هی نفس « دار الخلد» وهی الدار التی یسکنها المؤمن دائما و هی جنة الخلد التی یسکنها الصالحون و المحسنون.

ثم یضیف أمیر المؤمنین (ع) قائلا: «و وعده المرد الى جنته»[10] ای ان الله تعالى وعد آدم (ع) انه سیعیده الى جنته مرة أخرى، و ظاهر کلامه (ع) ان الله سبحانه سیعید آدم (ع) الى نفس المکان الذی اخرج منه اوّلاً، و من المعلوم ان المکان الذی یرجع الیه آدم (ع) فی نهایة المطاف هی جنة الخلد.

اما اصحاب الرأی الثالث فقد ذهبوا الى: أن تلک الجنة کانت فی السماء السابعة و الدلیل علیه قوله تعالى: «اهْبِطُوا مِنْها» [11]، ثم إن الإهباط الأوّل کان من السماء السابعة إلى السماء الأولى، و الإهباط الثانی کان من السماء إلى الأرض.[12]

النظریة الاخرى حول هذا الموضوع و التی نرى انها النظریة المناسبة هی کون جنة آدم (ع) هی جنة برزخیة، فقد جمعت تلک النظریة بین الآیات و الروایات المختلفة، و کان الدلیل الذی استندوا الیه هو:

اوّلا: ان الالف و اللام فی لفظ «الجنة» هی للعهد لا للجنس و لا للاستغراق.

ثانیا:ان المراد من جنة آدم لا هی الجنة الاخرویة ولاهی جنة من جنان الدنیا، بل هی جنة بین الدنیا والآخرة؛ یعنی انها تحمل من جهة بعض صفات و احکام الجنة الاخرویة کالنشاط الدائم و خلوها من التعب و النصب و الآلام و الجوع و العطش و الحر و البرد، و من جهة اخرى تحمل بعض صفات جنان الدنیا من قبیل عدم المصونیة من الشیطان و وساوسه، و ذلک لان الشیطان و ان کان ممنوعاً علیه دخول جنة الخلد الاّ انه غیر ممنوع من دخول الجنان المثالیة و البرزخیة.[13]

و الجدیر بالذکر انه و طبقا لهذه النظریة یمکن توجیه الروایة الواردة عن الامام الصادق (ع) و کذلک یمکن توجیه الادلة التی ساقها اصحاب النظریة القائلة بان جنة آدم جنة ارضیة بالنحو التالی:

الف: ان لفظ الدنیا لایرادف کلمة الارض، و ان الموجود السماوی الذی لایکون فی الارض و ان هبط الى الارض فانه مصداق للموجود الدنیوی، من هنا یکون مصطلح الموجود الدنیوی شاملا للکائن السماوی ایضا، فما ورد فی الروایة من التعبیر بان «جنة آدم من جنان الدنیا» یراد به الدنیا التی هی فی مقابل القیامة الکبرى و التی تشمل البرزخ أیضا.

ب: ان طلوع الشمس و القمر الملازم لحدوث ظاهرة اللیل و النهار یمکن الوقوع فی غیر القیامة الکبرى؛ یعنی ان الموجود الذی هو لیس من نوع القیامة الکبرى و انه من النوع البرزخی یمکن ان تحدث فیه ظاهرة اللیل و النهار.

ج: صحیح ان خروج آدم (ع) من الجنة المعهودة یکشف عن کون تلک الجنة لیست هی جنة الخلد التی تقع فی القیامة الکبرى، و لکنه لایدل فی نفس الوقت على کون تلک الجنة من جنان الارض المادیة، کما ان الخروج من البرزخ امر معقول و غیر مناف للقرآن.

د: ان الموجود البرزخی یمکن تقسیمة الى البرزخ النزولی و البرزخ الصعودی. فاذا کانت جنة آدم هی الجنة البرزخیة فهذا لایعنی حصر البرزخ بکونه المرحلة التی تقع ما بعد الموت و قیام القیامة الکبرى.[14]

ه: ان الحیاة فی جنة و بستان من بساتین الدنیا لایعد مقاماً سامیاً حتى یتصور الهبوط و السقوط منه.

و: ان الاوصاف التی ذکرت للجنة من قبیل خلوها من المتاعب الداخلیة کالجوع و العطش و المتاعب الخارجیة کالحر والبرد لا ینسجم مع الجنة الدنیویة.[15]

و اما جواب النظریة القائلة بان جنة آدم (ع) هی نفس الجنة الاخرویة فیمکن رده بالنحو التالی:

اوّلا: ان جنة القیامة لیست من سنخ عالم المادة، بل هی من سنخ عالم المثال بل اسمى منه، و ان آدم (ع) مخلوق مادی خلق من تراب و انه من عالم المادة، فلا تناسب بین عالم المادة و عالم المثال حتى یتمکن آدم (ع) من العیش فی جنة الخلد ببدنه المادی، فان جنة القیامة فوق عالم المادة و ان الانسان ینتقل الیها بعد التکامل و الانتقال من عالم الطبیعة[16].

ثانیا: ان الجنة الاخرویة هی جنة الخلد و ان من یدخلها لا یخرج منها.

ثالثا: ان الجنة الاخرویة لیست محلا للمعصیة و التمرد و انها حسب التعبیر القرآنی لیس بدار لغو،قال تعالى: «لا لغو فیها و لا تأثیم»[17].

ان هذه النظریة لا تتنافى مع کلام الامام امیر المؤمنین (ع) و ذلک لان الوعد بالعودة الى مکانه«و وعده المرد الى جنته» قد یراد به الجنة البرزخیة التی یطویها الانسان فی سیره النزولی و یعبرها فی سیره الصعودی قبل جنة اللقاء الاخرویة.



[1] البقرة،35.

[2] لسان‏العرب، ج 13، ص92 .

[3] مجمع البیان، ج5، ص 76.

[4] معین، محمد، فرهنگ معین"معجم معین"ج1،مصطلح الجنة.

[5] الحجر، 48.

[6] تفسیر الفخر الرازی، ج3، ص3.

[7] تفسیر نور الثقلین، ج1، ص62.

[8] تفسیر الفخر الرازی، ج3، ص3.

[9] نهج البلاغة،الخطبة الاولى.

[10] المصدر.

[11] البقرة، 38.

[12] تفسیر الفخر الرازی، ج3، ص3.

[13] جوادی آملی، عبد الله، تفسیر تسنیم، ج3، ص331-332.

[14] جوادی آملی، عبد الله، تفسیر تسنیم، ج3، ص356-357. راجع نفس المصدر ص 332- 333، للاطلاع على کیفیة دخول آدم (ع) ببدنه الطبیعى الى الجنة البرزخیة.

[15] لمزید الاطلاع على هذا الموضوع انظر: تفسیر المیزان، ج1، تفسیر الآیة، و تفسیر القرآن الکریم، الملا صدرا، ج3، ص80-84، تسنیم ،ج3، ص339-357.

[16] طرحت فی بیان المعاد الجسمانی- و الذی یظهر من مجموعة من المتون الدینیة- مجموعة من النظریة و التوجیهات من قبل المفکرین المسلمین فذهب الملا صدرا الى ان جسم ذلک العالم یتناسب مع ذلک العالم. یمکن معرفة تفاصیل ذلک من خلال الرجوع الى المصادر الخاصة.

[17] الطور، 23.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257239 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128140 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113243 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88996 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59835 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59550 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49729 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47164 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...