بحث متقدم
الزيارة
5118
محدثة عن: 2011/11/06
خلاصة السؤال
أنا من المؤمنین بالله تعالى و ملتزم باقامة الصلاة لکن یثار فی ذهنی احیانا قضیة تجسم الله تعالى و لا استطیع تصوره، فماذا افعل؟
السؤال
أنا من المؤمنین بالله تعالى و ملتزم باقامة الصلاة لکن یثار فی ذهنی احیانا قضیة تجسم الله تعالى و لا استطیع تصوره، فماذا افعل؟
الجواب الإجمالي

لاریب أن نظریة التجسیم و القول بان الله جسم نظریة باطلة بحکم العقل و النقل؛ لان الجسم و الجسمیات من شؤون المادة و الله تعالى منزه عن المادة. و هذا من الامور الثابتة فی الابحاث الفلسفیة و الکلامیة.

و وصف الله بالجسمیة ملازم للترکیب، و المُرَکَّب محتاج إلى أجزائه، و المحتاج ممکن الوجود لا واجِبَه، و الممکن لا یکون إلهاً خالقاً مُدَبّراً تنتهی إلیه سلسلة الموجودات.

و من المقطوع به الوسیلة المناسبة – عند عامة الناس- لرؤیة الله هی الرؤیة العقلیة، و هذا ما عبّر عنه أمیر المؤمنین (ع) بقوله: "لا تُدرِکه العیون بمشاهدة الأبصار، و لکن رأته القلوب بحقائق الإیمان".

فعلى المؤمن أن ینظر الى التجلیات النوریة التی یفیض بها الله تعالى علیه و الحالات المعنویة التی یعیشها و خاصة حالات الخشوع الروحی و التوجه الى الباری تعالى فهی لحظات حساسة و افاضات ربانیة قیّمة لا یصح التفریط بها أبداً، فلا یتعب نفسه فی شیء لا یستطیع ادراکه و هو محاولة معرفة کنه الذات الالهیة.

الجواب التفصيلي

لاریب أن نظریة التجسیم و القول بان الله جسم نظریة باطلة بحکم العقل و النقل؛ لان الجسم و الجسمیات من شؤون المادة و الله تعالى منزه عن المادة. و هذا من الامور الثابتة فی الابحاث الفلسفیة و الکلامیة.

فلا یصح وصفه تعالى بالجسمیة؛ لان الجسم قد عرّف بتعاریف مختلفة منها هو ما یشتمل على الأبعاد الثلاثة من الطول و العرض و العمق، و على قول ما یشتمل على الأبعاد الأربعة بإضافة البعد الزمانی إلى الأبعاد الثلاثة المکانیة.

و هو ملازم للترکیب، و المُرَکَّب محتاج إلى أجزائه، و المحتاج ممکن الوجود لا واجِبَه، و الممکن لا یکون إلهاً خالقاً مُدَبّراً تنتهی إلیه سلسلة الموجودات.

و بدلیل آخر، إنَّ کل جسم محتاج إلى الحیّز و المحل، و المحتاج إلى غیره ممکن لا واجب.

و بدلیل ثالث، إنَّ الحیّز أو المحل، إمَّا أن یکون واجب الوجود کالحالّ، فیلزم تعدد الواجب و إمَّا أن یکون ممکن الوجود، مخلوقاً للَّه سبحانه فهذا یکشف عن أنه کان موجوداً غنیاً عن المحل و الحیز فخلقهما، فکیف یکون الغنی عن الشی‏ء محتاجاً إلیه؟!. [1]

فاذا انتفت الجسمیة عن الله تعالى لابد من البحث عن الوسیلة التی یمکن من خلالها رؤیة الله، و لاریب انها لیست الرؤیة البصریة لانها خاصة بالاجسام و المحسوسات المادیة و الله منزه عن ذلک، إذن ما هی الوسیلة؟

من المقطوع به هی الرؤیة العقلیة، و هذا ما عبر عنه أمیر المؤمنین (ع) کما رواه الصدوق عن أبی الحسن الموصلی، عن أبی عبد اللَّه (ع) قال: «جاء حبر إلى أمیر المؤمنین (ع) فقال: یا أمیر المؤمنین هل رأیت ربّک حین عبدته؟ فقال: ویلک ما کنت أعبد ربّاً لم أره، و قال: کیف رأیته؟ قال: ویلک لا تُدرِکه العیون بمشاهدة الأبصار، و لکن رأته القلوب بحقائق الإیمان». [2]

نعم، یبقى شیء واحد و هو: هل یمکن للمخلوق المحدود (العقل البشری) أن یحیط بحقیقة الله تعالى و یعرف ذاته جل و علا اللامتناهیة؟

لاشک ان المحدود مهما أوتی من قوة لا یستطیع الاحاطة بالمطلق و اللامتناهی، و لذلک نرى أئمة الهدى علیهم السلام منعوا من التفکر فی ذات الله و ارشدوا الناس الى التفکر فی مخلوقاته، أی الانتقال من المعلول الى العلة.

و من هنا نرى العلماء اشاروا الى بعض الموضوعات الخارجة عن شأن العقل و صلاحیاته. مثلا:

1. التفکّر فی ذات اللَّه سبحانه و کنهه. فالعقول الجبارة فضلا عن العقول المتعارفة عجزت عن درک کُنه ذاته، کیف وإنّ الدرک نوع إحاطة للمدرَک واللَّه سبحانه لا حدّ لوجوده و هو محیط بکلّ شی‏ء و لا یحیط به شی‏ء، «وَلا یُحِیطُونَ بِهِ عِلْماً». [3]

2. التوغّل فی واقع علمه و إرادته و حیاته، فإنّ صفاته سبحانه و إن کانت غیر ذاته مفهوماً، و لکنّها عین ذاته تعالى حقیقة و واقعاً. فکما أنّ العقل لا یدرک حقیقة ذاته، فانّه لا یدرک حقیقة صفاته سبحانه.

و بکلمة مختصرة الأُمور الغیبیة یجب الإیمان بها، یقول سبحانه: «الّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ». [4]

و مع ذلک کلّه فللعقل دور کامل فی قسم من المعارف الإلهیة الواردة فی الکتاب و السنّة و قد خسر أقوام کانوا قد أقصوا العقل عن مجال العقائد و فسحوا المجال لأخبار الآحاد و کلمات مستسلمة الیهود و النصارى،" فاستبدلوا الذی هو أدنى بالذی هو خیر". [5]

فعلى المؤمن أن ینظر الى التجلیات النوریة التی یفیض بها الله تعالى علیه و الحالات المعنویة التی یعیشها و خاصة حالات الخشوع الروحی و التوجه الى الباری تعالى فهی لحظات حساسة و افاضات ربانیة قیّمة لا یصح التفریط بها أبداً.

مواضیع ذات صلة:

الله لا متناهی الوجود، 4035 (الموقع: 4395)

رؤیة الله تعالى، 1328 (الموقع: 1749).



[1] السبحانی، جعفر، الالهیات، ج‏2، ص: 110- 111.

[2] التوحید: 109، الحدیث 6. والسائل أحد أحبار الیهود.

[3] طه، 110.

[4] البقرة، 3.

[5] انظر: السبحانی، جعفر، رسائل ومقالات، ج‏4، ص: 340- 341.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279429 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257214 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128130 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113225 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88984 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59826 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59539 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56849 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49717 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47157 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...