بحث متقدم
الزيارة
5424
محدثة عن: 2011/11/27
خلاصة السؤال
ما المراد بما ورد فی روایة أبی بصیر التی اشیر فیها الى رؤیة الله قبل یوم القیامة؟
السؤال
روی عن أبی بصیر عن أبی عبد الله (ع) قال: قلت له: أخبرنی عن الله عز و جل هل یراه المؤمنون یوم القیامة؟ قال: نعم. و قد رأوه قبل یوم القیامة. فقلت: متى؟ قال: حین قال لهم: أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلى.‏ ثم سکت ساعة ثم قال: و إن المؤمنین لیرونه فی الدنیا قبل یوم القیامة أ لست تراه فی وقتک هذا.....؟ فما المراد من کلام الامام (ع)؟ و هل تصرّف الإمام فی بصر الروای لینیر له عین القلب فرأى وجه ربّه "بحقائق الایمان"؟ او لم یتصرف فی ذلک؟ و اذا لم یکن الامام قد تصرف فی عینی أبی بصیر و کان أبو بصیر یرى الله قبل ذلک فلماذا طرح السؤال على الامام؟
الجواب الإجمالي
لایوجد جواب الجمالی لهذا السؤال، النقر الجواب التفصیلی.
الجواب التفصيلي

یمکن القول انطلاقا من الاسس و المبانی القرآنیة و الحدیثیة: أننا نرى الکثیر من الروایات التی تؤکد استحالة الاحاطة بکنه الذات الالهیة. و فی المقابل نجد طائفة أخرى منها تشیر الى امکانیة رؤیة الله تعالى.

و للجمع بین الطائفتین نقول: صحیح أنه لا طریق عقلا لمعرفة کنه الذات الالهیة حقیقة؛ و ذلک لانه یستحیل أن یکون الله تعالى محیطا بکل شیء و فی الوقت نفسه یکون محاطا به من قبل الاشیاء، نعم، یمکن أن یرى من خلال تجلیه فی الاشیاء و ظهوره فی کل شیء موجود ظهورا تتجلى فیه الاسماء الالهیة و یتجلى فی کل مرآة تجلیا ما. و قد ورد فی الذکر الحکیم "ُ فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه". من هنا ندرک بان رؤیة الله و معرفته أمر ممکن من هذه الناحیة، بل التجلی حاصل لکل الناس لکن خواص المؤمنین یعلمون ما یرون؛ من هنا یقولون: " ما رأیت شیئا إلا رأیت الله قبله و بعده و معه" و لکن العوام لا یدرکون ما یشاهدون.

ثم ان أبا بصیر انتبه من خلال کلام الامام و ما القاه الیه من حکمة و حقیقة ایمانیة و وصل الى مرتبة المعرفة بحیث اصبح یعرف ما یرى.

الجواب التفصیلی:

یعد البحث فی امکانیة رؤیة الله تعالى من أهم الابحاث على ساحة الفکر الاسلامی عامّة و التشیع خاصة، حیث بحثت القضیة من اکثر من زاویة و کان لکل من المتکلمین و الفلاسفة و العرفاء رأیهم و نظریتهم الخاصة فی هذا المجال.

أما الروایة التی ورد السؤال بخصوصها فقد وقع البحث فیها، و قبل الخوض فی الابحاث المتعلقة بها، ننقل متن الروایة بتمامه کما نقله الصدوق فی توحیده:

عن أبی بصیر عن أبی عبد الله (ع) قال: قلت له: أخبرنی عن الله عز و جل هل یراه المؤمنون یوم القیامة؟ قال: نعم. و قد رأوه قبل یوم القیامة. فقلت: متى؟! قال: حین قال لهم أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلى.‏ ثم سکت ساعة. ثم قال: و إن المؤمنین لیرونه فی الدنیا قبل یوم القیامة. أ لست تراه فی وقتک هذا؟ قال أبو بصیر فقلت له: جعلت فداک فأحدث بهذا عنک؟! فقال: لا فإنک إذا حدثت به فأنکره منکر جاهل بمعنى ما تقوله ثم قدر أن ذلک تشبیه کفر. و لیست الرؤیة بالقلب کالرؤیة بالعین تعالى الله عما یصفه المشبهون و الملحدون. [1]

و یمکن القول انطلاقا من الاسس و المبانی القرآنیة و الحدیثیة: أننا نرى الکثیر من الروایات التی تؤکد استحالة الاحاطة بکنه الذات الالهیة. و فی المقابل نجد طائفة أخرى منها تشیر الى رؤیة الله تعالى، من قبیل ما روی عن أمیر المؤمنین (ع) أنه قال: "ما کنت اعبد ربّا لم أره". [2] و ما روی عن الامام الحسین (ع) عندما قال: "عمیت عین لا تراک علیها رقیبا". [3]

و قد اختلفت کلمة المتکلمین و الفلاسفة و العرفاء فی تحلیل تلک الروایات، فذهب البعض الى إنکار کل انواع الرؤیة و استحالة رؤیة الله تعالى مطلقا، و إذا ما ورد الحدیث عن لقاء الله تعالى فیحمل على کون المراد منه مشاهدة النعم الالهیة. من هنا کل کلام یتحدث عن الرؤیة یعد کفرا و شرکا و تجسیما و تتشبیها و... عند هؤلاء القوم  و یصرون على أن الله هو المعبود الذی لا یرى مطلقا. و هؤلاء هم الذین اشار الیهم الامام الصادق (ع) فی روایة أبی بصیر حیث نهاه عن التحدث بما سمعه عن الامام (ع) قائلا (ع): " فإنک إذا حدثت به فأنکره منکر جاهل بمعنى ما تقوله ثم قدر أن ذلک تشبیه کفر".

و فی المقابل هناک طائفة أخرى ذهب الى النظر الى القضیة نظرة عرفانیة من خلال بحث "التجلی" و ذهبوا الى القول بامکانیة معرفة الله تعالى من خلال التجلی و إن استحالة معرفة الذات الالهیة، و أن المؤمن الحقیقی یرى الله – هذا النوع من الرؤیة- فی هذه الدنیا.

و الجدیر بالذکر أن التجلیات الالهیة ذات مراتب و درجات اعلاها هی تلک التی حصلت للرسول الاکرم (ص) فی رحلة المعراج، ثم تلیها المرتبة الثانیة التی هی خاصة بالانبیاء و الاولیاء و المؤمنین و الذین یعد أبا بصیر منهم، کما اشار لذلک الامام (ع) فی نفس الروایة. و بطبیعة الحال أن ادراک مراتب التجلی متوقف على جذبة العشق الالهی و النورانیة الربانیة التی تسطع على القلب و تشع فیه.

و هنا ننقل کلاما للفیض الکاشانی فی کتاب "الکلمات المکنونة" تحت عنوان: "الجمع بین امتناع المعرفة و الرؤیة و امکانها" و التی نظر فیها الى روایة أبی بصیر المذکورة، حیث قال: " صحیح أن المقربین قد اظهروا العجز عن معرفة الله تعالى، کقول جبریل مخاطبا النبی (ص) لیلة المعراج: " (لو دنوت انملة لاحترقت"، و قول النبی الاکرم (ص) "ما عرفناک حق معرفتک" و قوله تعالى "لا تدرکه الابصار". و لکن مع ذلک نجد الرجال الالهیین رواد الولایة یرفضون عدم الرؤیة و یدعون انهم رأوا الله تعالى کقول أمیر المؤمنین (ع) " ما عبدت ربّا لم أره" و قوله (ع) "لو کشف لی الغطاء ما ازددت یقینا".

و للجمع بین الطائفتین من الآیات و الرویات نقول: صحیح أنه لا طریق عقلا لمعرفة کنه الذات الالهیة حقیقة؛ و ذلک لانه یستحیل أن یکون الله تعالى محیطا بکل شیء و فی الوقت نفسه یکون محاطا به من قبل الاشیاء، نعم، یمکن أن یرى من خلال تجلیه فی الاشیاء و ظهوره فی کل شیء موجود ظهورا تتجلى فیه الاسماء الالهیة و یتجلى فی کل مرآة تجلیا ما. و قد ورد فی الذکر الحکیم "ُ فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه". [4] و جاء فی الروایة ما مضمونه "لو غصت فی باطن الارض تجد الله تعالى". من هنا ندرک بان رؤیة الله و معرفته أمر ممکن من هذه الناحیة، بل التجلی حاصل لکل الناس لکن خواص المؤمنین یعلمون ما یرون؛ من هنا یقولون: " ما رأیت شیئا إلا رأیت الله قبله و بعده و معه" و لکن العوام لا یدرکون ما یشاهدون، و هذا ما جاء فی القرآن الکریم "أَلا إِنَّهُمْ فی‏ مِرْیَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِکُلِّ شَیْ‏ءٍ مُحیط". [5]

وفی الختام اشار الفیض الى روایة أبی بصیر المذکورة. [6]

اتضح أن مراد الامام الصادق (ع) من قوله " أ لست تراه فی وقتک هذا؟" الرؤیة الناتجة عن تجلی الله تعالى فی مخلوقاته، و لیس من اللازم للمشاهدة هذه تصرّف الامام و خرق العادة. نعم، الانتباه و الیقظة أمور اوجدها الامام فی نفس وعقل أبی بصیر مما مکنه من ادراک تلک التجلیات. و اما ما هی تلک المرتبة التی حصلت لابی بصیر لادراک ذلک فهذا ما لم نحط به خبرا.

و الجدیر بالذکر أن أبا بصیر یعد من کبار اصحاب و خواص الامامین الباقر و الصادق علیهما السلام، روى عنهما الکثیر من الاحادیث التی یظهر من بعضها مدى علمه و مقدار معرفته.

ثم لابد من الالتفات الى المقطع المقطع الاخیر من الروایة حیث یصرح الامام بان الرؤیة لیست من قبیل الرؤیة البصریة التی ینزه الباری تعالى عنها، حیث قال (ع): " و لیست الرؤیة بالقلب کالرؤیة بالعین تعالى الله عما یصفه المشبهون و الملحدون".

واما بالنسبة الى جواب الشق الثانی من السؤال و أنه لو کان أبو بصیر یرى الله تعالى فلماذا طرح السؤال على الامام؟

أجاب الفیض الکاشانی عن هذه القضیة حیث قال: الکل یرى تجلی الله تعالى، و لکن الفرق بین الخواص و العوام أن الخواص یعرفون ما یرونه دون العوام.

و علیه فان أبا بصیر انتبه من خلال کلام الامام و ما القاه الیه من حکمة و حقیقة ایمانیة و وصل الى مرتبة من المعرفة بحیث یدرک ما یرى، و من هنا قال للامام (ع) بعدما حصل على الاجابة الشافیة: "جعلت فداک فأحدث بهذا عنک؟!" فقال الامام: کلا.

لمزید الاطلاع انظر فی مباحث التجلی و وحدة الوجود و معرفة الامام المواضیع التالیة:

وحدة الوجود، 6715 (الموقع: 7373) .

الربوبیة و الانسان الکامل، 5685 (الموقع: 6422) .

معنی کون علی (ع) وجه الله، 8683 (الموقع: 10616) .



[1] الصدوق، التوحید، ص 117، باب ما جاء فی الرؤیة، ح 20، نشر جامعة مدرسین، قم، 1357ش.

[2] الکلینی، الکافی، ج 1، ص98، باب فی ابطال الرؤیة، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1365.

[3] العلامة المجلسی، محمد باقر،   بحارالأنوار ج : 64 ص : 142، دعاء عرفة، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ه.

[4] البقرة، 115.

[5] فصلت، 54.

[6] الفیض الکاشانی، محسن، الکلمات المکنونه فی علوم اهل الحکمة و المعرفة، ص 4و5، بتلخیص و تصرف.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279422 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257179 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128119 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113189 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88979 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59799 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59520 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56845 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49698 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47149 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...