بحث متقدم
الزيارة
6193
محدثة عن: 2012/05/17
خلاصة السؤال
ما المراد من المُنعم عليهم و المغضوب عليهم و الضّالين في سورة الحمد و ما هي خصوصياتهم؟
السؤال
نقرأ في الصلاة "صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيرْ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّين" فما المراد من أنعمت علیهم و المغضوب عليهم و الضّالين؟ و ما هي خصوصياتهم؟
الجواب الإجمالي

لقد قسّم القرآن الكريم الناس في سورة الحمد إلى ثلاث فرق و قد ذكر مصاديق هذه الفرق في السور الأخرى حتى يوصل المعنى في النهاية إلى المخاطب كاملاً. أما الفرقة الأولى فهم الذين أنعم الله عليهم و هم أربعة أصناف: الأنبياء و الصديقون و الشهداء و الصالحون. فهؤلاء المصطفّون من قبل الله تعالى بالإنعام، و أبرز شاخص يشخّصهم عن غیرهم طاعتهم لله تعالی.

و هناك عدة إحتمالات في الفرقة الثانية "المغضوب عليهم" و الثالثة "الضالين" الذين يتشابهون كثيراً. الإحتمال الأوّل هو أن الضالّين هم التائهون العاديّون و المغضوب عليهم هم المنحرفون المعاندون أو المنافقون. أما الإحتمال الآخر هو أن اليهود المنحرفين، هم المراد الأصلي من المغضوب عليهم و ذلك بسبب عداءهم الشديد للإسلام و إن المسيحيين المنحرفين هم الضالون بسبب كونهم أقل تعنتاً، أما الإحتمال الثالث هو أن المغضوب عليهم هم الذين يسعون في إضلال الآخرين فضلاً عن ضلالهم، أما الضالون فليس لهم هذا السعي.

الجواب التفصيلي

لقد قسّم القرآن الكريم الناس في السورة إلى ثلاث فرق:

1ـ هم المنعّمون بنعمة الهداية و الثابتون عليها، 2ـ المغضوب عليهم، 3ـ الضالّون.

الف ـ لقد ذكر القرآن الكريم مصاديق لهؤلاء الفرق شرحاً لحالهم و تعريفاً بهم، و سنفصل البحث فیهم من خلال الاستعاني بالآيات المباركة.

جاء في سورة النساء التعرض لمصاديق الذين " أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ " و هم: "فَلَا وَ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتىَ‏ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يجَدُواْ فىِ أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا".[1]

فهذه الآية المباركة قد بيّنت أن الذين أنعم الله عليهم هم أربع فرق: الأنبياء و الصديقون و الشهداء و الصّالحون. و هؤلاء لهم صفات خاصة و واضحة أهمّها الصدق و العمل الصالح و هاتان الصفتان تعتبران القاسم المشترك بين تلک الطوائف.

ب ـ أما ما يختص توضيح مفاهيم و مصاديق الفرقة الثانية و الثالثة الذين يقتربون من بعضهم البعض في صفاتهم ـ الذين جانبوا طريق الحق و ضلّوا عن صراط الرحمة الإلهية ـ فيوجد إختلاف جزئي بينهم، و قد ذكر المحققون ثلاثة إحتمالات حسب ما جاء في الروايات:

1ـ يستفاد من استعمال التعبيرين في القرآن أن "المغضوب عليهم" أسوء و أحط منزلة من "الضالين" أي، إن "الضالّين" هم التائهون، و "المغضوب عليهم" هم المنحرفون المعاندون أو المنافقون، و لذلك استحقوا لعن الله و غضبه.[2]

2ـ ذهب جمع من المفسّرين إلى القول بأن المقصود من "الضّالين" المنحرفون من النصارى، و "المغضوب عليهم" المنحرفون من اليهود.

هذا الفهم ينطلق من مواقف هذين الفريقين تجاه الدعوة الإسلامية ـ فالقرآن يصرح مراراً أن المنحرفين من اليهود كانوا يكنّون عداءً شديداً و حقداً دفيناً للإسلام مع إن علماء اليهود كانوا من مبشري ظهور الإسلام، لكنهم تحولوا إلى أعداء للإسلام لدى انتشار الدعوة لأسباب عديدة لا مجال لذكرها، منها تعرض مصالحهم المادية للخطر ـ ( شأنهم شأن الصهاينة اليوم و موقفهم من الإسلام و المسلمين) ... أما منحرفوا النصاری فلم يبلغ موقفهم تجاه الإسلام هذا التعنت بل كانوا ضالّين في معرفة الحق.[3]

من هنا یکون التعبير بـ "المغضوب عليهم" صحيحا جداً، و تجدر الإشارة إلى أن هذا التعبير في الواقع من قبيل تطبيق الكلي على الفرد، أي أن هؤلاء من أبرز مصاديق هذا المفهوم و مفهوم المغضوب عليهم و الضالين يضم أفراداً و فرقاً كثیرة.

3ـ من المحتمل أن "الضالين" إشارة إلى التائهين الذين لا يصرّون على تضليل الآخرين، بينما "المغضوب عليهم" هم الضالّون المضلّون الذين يسعون إلى جر الآخرين نحو هاوية الإنحراف![4]

و قد ذكر القرآن الكريم و مصاديق مختلفة للضالين و المغضوب عليهم نشير إلى بعضها من باب المثال: " وَ يُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَ الْمُنَافِقَاتِ وَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ  عَلَيهْمْ دَائرَةُ السَّوْءِ وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ لَعَنَهُمْ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ  وَ سَاءَتْ مَصِيرًا".[5] "أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْالُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئلَ مُوسىَ‏ مِن قَبْلُ وَ مَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْايمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيل".[6] "مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئنِ‏ُّ  بِالايمَانِ وَ لاكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم".[7]

فالقرآن إعتبر هذه الفرقة في عداد " الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " و "الضالين" و وجه الإشتراك فيما بينما هو عدم طاعة الله و الإنصياع لأوامره، و كل منهم خالف الله تعالى بنحو من الإتحاد و في النهاية عدّوا من الضالين أو المغضوب عليهم.

 


[1]  النساء، 65.

[2]  مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير الأمثل، ج 1، ص 60، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، قم، 1421 ق.

[3]  نفس المصدر، ج 1، ص 60.

[4]  نفس المصدر، ج 1، ص 61.

[5]  الفتح، 6.

[6]  البقرة، 108.

[7]  النحل، 106.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279359 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    256923 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128057 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    112883 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88920 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59630 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59356 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56813 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49393 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47111 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...