بحث متقدم
الزيارة
6163
محدثة عن: 2008/12/31
خلاصة السؤال
لماذا یختلف حکم ارتداد المراة عن الرجل؟
السؤال
لماذا لا یکون حکم المرأة اذا ارتدت الاعدام، بینما اذا ارتد الرجل فحکمه الاعدام طبعا مع توفر بعض الشروط؟
الجواب الإجمالي

یرید الاسلام من الناس ان یؤمنوا بالدین الالهی و یهتدوا بنوره عن طریق الرؤیة و الاستدلال الکافی و الواعی، و لکن بعد الایمان فانه وضع عقوبة قاسیة لمن یترک ذلک و یصیر کافراً، لان ذلک یمکنه ان یکون وسیلة للتبلیغ ضد الاسلام و یؤثر سلباً علی باقی المسلمین أیضاً.

و لکن بالالتفات الی الخصائص المختلفة للمرأة و الرجل و ان هذین الجنسین لهما خصائص روحیة و نفسیة و جسمیة خاصة بکل منهما تمیّز کلاً منهما عن الآخر، فمثلاً المرأة من حیث البعد الروحی و النفسی ذات عواطف و مشاعر أشد حساسیة من الرجل فلا یمکن ان یکون الحکم فی حقهما واحداً.

و القانون انما یکون حکیماً فیما إذا کان موضوعاً بالتناسب مع ظروف و خصائص الافراد. و الله تعالی هو المطلع تماما علی جمیع خصوصیات عباده و علی اساس ذلک هو یأمر و ینهی.

و الانسان بعلمه المحدود لا یمکنه ادراک حکمة اختلاف الاحکام بشکل کامل و دقیق الا ان یکون هذا الاختلاف مبینا‌ فی الآیات و الروایات. و لذا فان قیاس المرأة بالرجل بدون أخذ خصوصیاتهما بنظر الاعتبار لیس صحیحاً و هذا شیء قد نهینا عنه.

الجواب التفصيلي

الارتداد مأخوذ من مادة (رد) و هو فی اللغة بمعنی‌ الرجوع، و فی الاصطلاح الدینی یاتی بمعنی الرجوع الی الکفر و یطلق علیه عنوان الارتداد و الردة. [1]

و یری بعض المحققین ان الارتداد و ان کان بمعنی الرجوع و لکنه اخذ فی معناه الاصطلاحی قید الجحود. و الجاحد هو المنکر لأمر مع علمه بحقانیته او مع الشک فیه – علی الاقل - مع کون الحجة تامة علیه. [2]

و من هنا فان الاسلام لا یرید الاتباع الاعمی و من دون دلیل، بل یری انه یجب الاستناد الی الادلة المنطقیة البعیدة عن الابهام و التعقید و المتیسرة للجمیع فی الاعتقاد بالاسس الدینیة. [3] یقول القرآن الکریم بهذا الخصوص: "و ان احد من المشرکین استجارک فأجره حتی یسمع کلام الله ثم أبلغه مأمنه...". [4] و طبقاً لهذا الامر فقد جاء شخص اسمه (صفوان) الی النبی (ص) و طلب منه أن یجیز له البقاء لمدة شهرین فی مکة لکی یطمئن لحقیقة الاسلام و یعرف مفاهیمه ، فربما توصل الی حقانیة الدین الاسلامی و صحته و آمن به، فامهله النبی (ص) أربعة اشهر و قال له انت آمن فیها. [5]

و من جهة اخری‌ فان احکام الاسلام مجعولة علی اساس المصالح و المفاسد، و الاحکام المتعلقة بالارتداد لیست مستثناة من هذه القاعدة.

و تشیر بعض الآیات و منها الآیات 217 من سورة البقرة و الآیة 72 من سورة آل عمران الی أن الارتداد کان یعتبر تیاراً للفتنة من أجل إیجاد حالة من التزلزل فی العقائد الدینیة للمسلمین من قبل الاعداء فی الداخل و الخارج. [6]

یقول تعالی فی الآیة 72 من سورة آل عمران: "و قالت طائفة من اهل الکتاب آمنوا بالذی انزل علی الذین آمنوا وجه النهار و اکفروا آخره لعلهم یرجعون". [7]

و فی الواقع فان الارتداد بمعناه الحقیقی هو وسیلة لانکار الدین و التبلیغ ضده عناداً و مکابرةً و لیس انطلاقاً من الاستدلال او کونه ناشئا من جهة الشبهة و الاشتباه، و من هنا یمکن القول بان فلسفة الارتداد عبارة عن التبلیغ ضد الدین. و فی النتیجة هو تهدید للنظم و الاخلاق العامة للمجتمع الاسلامی. [8]

و الاسلام و لأجل الوقایة من حوادث السوء التی یمکن ان تصیب المجتمع الاسلام عن طریق تغییر الدین فانه یأمر بصراحة بانه اذا ارتد الرجل المسلم المتولد من أبوین مسلمین، أو کان احد أبویه مسلما (و یسمی بالمرتد الفطری) فان عقوبته الاعدام، اما اذا ولد من ابوین غیر مسلمین ثم اختار الاسلام ثم کفر بعد ذلک (و یسمی بالمرتد الملی) فانه یستتاب لمدة من الزمن أی یدعی الی التوبة فاذا لم یتب فانه یعدم أیضاً. [9]

اما اذا ارتدت المرأة فقد وضع الاسلام لها عقوبة اخف، [10] و ذلک ان المرأة المرتدة (الملیة او الفطریة) فانها لا تقتل بل تدعی الی التوبة، فان تابت اطلق سراحها، و الا فانها تبقی فی السجن و تجلد فی أوقات الصلاة و یضیّق علیها فی المعیشة. [11]

و یجب الالتفات الی أن الاسلام یری ان جمیع الناس (الرجل و المرأة) متساوین فی الخلقة: "خلقکم من نفس واحدة" [12] و لا فضل لأحد علی‌ آخر و الملاک الوحید للتفاضل هو التقوی: "ان اکرمکم عند الله اتقاکم". [13]

و لکن مع هذا فان لکلا الجنسین المرأة و الرجل خصائص روحیة و نفسیة و جسمیة خاصة بکل منهما تمیزً أحدهما عن الآخر، فمثلا نحن نعلم بان المرأة فی البعد الروحی و النفسی ذات عواطف و مشاعر أشد حساسیة و ربما أمکن القول بان هذه الحقیقة موجودة فی کلام امیر المؤمنین علی (ع) حیث یقول: «المرأة ریحانة و لیست بقهرمانة». [14]

و هذا الامر حقیقة تشهد لها نتائج تحقیقات العلماء و الباحثین فی علم النفس أیضاً:

یقول أحد علماء النفس المشهورین فی امریکا: دنیا الرجل تختلف کلّیاً عن دنیا المرأة، و اضافة لذلک فان شعور کل من هذین الموجودین لن یکون مثل الآخر أبداً.

و تقول (کلیو دالسون): بصفتی امرأة مختصة فی علم النفس فان افضل هوایة لی هی دراسة طباع الرجال ... و قد توصلت الی نتیجة و هی ان السیدات غالباً یتبعن الأحاسیس و الرجال یتبعون العقل. و کثیراً ما لاحظنا ان السیدات متساویات فی الزکاء مع الرجال و لیس ذلک فحسب بل هن أحیاناً افضل من الرجال من هذه الجهة. و ان الاعمال التی تحتاج الی تفکیر مستمر فانها تتعب المرأة و ترهقها.

کذلک یقول اتوکلاین برج: النساء عموماً اکثر حساسیة من الرجال.

و اما محمد قطب فقد اشار الی ذلک بقوله: اذا ارادت النساء ان تکون أمهات فیجب ان یکن عاطفیات. [15]

و علی هذا فلو ان (الاحکام) جعلت من دون التفات الی الفروق و الاختلافات، لکانت علی خلاف مصلحة التشریع و التقنین، و لا یمکنها أن تؤمن مصالح المجتمع کما ینبغی، و لهذا اختلفت بعض التکالیف و الاحکام المتعلقة بالمرأة و الرجل و منها حکم الارتداد.

و بناء علی هذا یمکن القول: حیث ان النساء یختلفن عن الرجال من ناحیة التشکیلة الدفاعیة و الفکریة و انهن سریعات التأثر، فاذا ارتددن فقد جعل الاسلام لهن عقوبة خفیفیة. [16]

و لا ننسی ان نذکر بان العلم و المعرفة البشریة بسیطة و محدودة و کما یقول ویلیام جیمس بان معلومات الانسان فی مقابل مجهولاته کقطرة فی مقابل البحر. [17] و قول انشتاین: ما قرأه الانسان حتی الآن من کتاب الطبیعة هو أنه قد تعرّف علی اصول اللغة. [18]

و علی هذا الاساس فلیس عقل الانسان قادراً علی الادراک الکامل لملاکات (المصالح و المفاسد) و فلسفة الاحکام، و ان ما یذکر بعنوان الفسلفة لبعض الاحکام (و منها حکم الارتداد) اذا لم یکن مستنداً الی المصادر الوحیانیة، و لم یذکر حکمته المعصومون (ع)، فهو مجرد احتمال، روی عن الامام زید العابدین (ع) انه قال: "ان دین الله لا یصاب بالعقول الناقصة". [19] و قال الامام الصادق (ع): "ان دین الله لا یصاب بالقیاس". [20]

و للاطلاع اکثر لاحظ:

1. السؤال 1234 (الموقع: 1826) موضوع: المرأة فی الاسلام.

2. السؤال 1236 (الموقع: 1884) موضوع: القرآن و قوامة الرجال علی النساء.

3. السؤال 948 (الموقع: ) موضوع: اعدام المرتد الفطری.

4. السؤال 590 (الموقع: 643) موضوع: حریة العقیدة و اعدام المرتد فی الاسلام.



[1] القرص المدمج، پرسمان (تساؤلات).

[2] الصرامی، سیف الله، أحکام المرتد من وجهة نظر الاسلام و حقوق البشر، ص 255.

[3] القربانی، زین العابدین، الاسلام و حقوق البشر، ص 480.

[4] التوبة، 6.

[5] ابن الاثیر، اسد الغابة، ج 3، ص 22؛ نقلاً عن الاسلام و حقوق البشر، ص 481.

[6] القرص المدمج پرسمان (تساؤلات).

[7] آل عمران، 72.

[8] الصرامی، سیف الله،‌ أحکام المرتد من وجهة نظر الاسلام و حقوق البشر، ص 281.

[9] القربانی، زین العابدین، الاسلام و حقوق البشر، ص 484.

[10] نفس المصدر، ص 484.

[11] الامام الخمینی، تحریر الوسیلة، ج 2، کتاب الحدود، 245.

[12] النساء، 1.

[13] الحجرات، 13.

[14] الکلینی، الکافی، ج 5، ص 510.

[15] القربانی، زین العابدین، الاسلام وحقوق البشر.

[16] نفس المصدر، ص 484.

[17] الاسلام و حقوق البشر، ص 82 – 93.

[18] نفس المصدر.

[19] بحار الانوار، ج2، ص302.

[20] نفس المصدر،ج 26، ص32.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279472 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257343 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128200 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113316 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89031 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59884 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59592 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56884 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49824 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47192 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...