بحث متقدم
الزيارة
18528
محدثة عن: 2012/05/06
خلاصة السؤال
ما هي خصائص و مميزات المستكبرين في القرآن الكريم؟
السؤال
ما هي خصائص و مميزات المستكبرين في القرآن الكريم؟
الجواب الإجمالي

 

الاستكبار: الامتناع عن قبول الحق مُعاندة و تَكَبُّراً. و الاستكبار أن يرى الفرد نفسه كبيراً و يظهر التكبر و لم يكن كذلك حقيقة. و قد اشار القرآن الكريم الى مجموعة من الخلال و السجايا التي يتصف بها المستكبرون من قبيل: الغرور، العناد، نكث العهد، الاغواء و الاضلال، الوقوف بوجه الحق، قتل الانبياء و...

الجواب التفصيلي

تعد صفة الاستعلاء و التكبر و العجب و الانبهار بالذات، من اقبح الخصال البشرية و من الرذائل التي لا ينبغي للانسان الاتصاف بها. و قد تصدت تعاليم الدين الحنيف لتلك الخاصية بشدة و عنف حيث ورد في ذمها في القرآن الكريم الكثير من آيات الذكر الحكيم و كذلك في كلمات المعصومين (ع) حيث تم التحذير من عواقب التكبر، و من فكر و عقائد و خصال المستكبرين.

فقد حذر القرآن من حالة الاستعلاء و الاحساس بالعلو التي يعيش هؤلاء الناس اتجاه الآخرين مما تؤدي بهم في نهاية المطاف الى الاستنكاف عن الخضوع لله تعالى و عبادته الامر الذي يؤدي الى مردودات سلبية على مستوى الافراد و الجماعة.

و سنحاول هنا الاشارة الى علامات المستكبرين باختصار بعد التعرض أولا الى الحديث عن معنى و مفهوم الاستكبار و المستكبرين.

الاستكبار لغة

و الاستكبار: الامتناع عن قبول الحق مُعاندة و تَكَبُّراً.[1] و الاستكبار أن يرى الفرد نفسه كبيراً و يظهر التكبر و لم يكن كذلك حقيقة.[2] فالاستكبار صفة يرى صاحبها نفسه كبيراً و مستعليا فيتمرد على القوانين و الشرائع العقلية و الاجتماعية.

ثم ان مفردة الاستكبار و مشتقاتها وردت في القرآن الكريم 48 مرة، كلها ذامة لتلك الخصلة  القبيحة.

المستكبرون في القرآن الكريم

1. الغرور وحب الهيمنة: يعيش المستكبر صفة الغرور و الشعور بالتسامي و الرفعة على الآخرين مما ينجر به في نهاية المطاف الى السعي للتصدر و التربع على رأس الهرم و ان على سائر الناس الانحناء أمامه و الخضوع لسلطانه و التسليم له. و ان الشعور بالغرور و القوة يخلقان منه موجودا متمردا على القيم فلا يرى نفسه بحال من الاحوال بمستوى سائر الناس قطعا، "فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ قالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُون‏".[3]

2. عدم الاذعان للحق: اشار القرآن الى هذه الحقيقة على لسان نبيه نوح (ع) حينما قال: " وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ في‏ آذانِهِمْ وَ اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَ أَصَرُّوا وَ اسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبارا".[4]

3. نكث العهود: من الصفات التي يتصف بها المتكبرون صفة نكث العهد فلا تجد لهم عهدا و لا التزاما بوعد قطعوه على أنفسهم، و هذا ما اشارت اليه الآيات المباركة: "وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى‏ مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً * اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَ مَكْرَ السَّيِّئِ وَ لا يَحيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْديلاً وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْويلاً ".[5] و قد صرح القرآن بان السبب الاساسي وراء نكث اليهود لعهودهم و عد التزامهم بالمواثيق يكمن في صفة الاستكبار و التكبر التي يتصفون بها.

4. تكذيب الآخرين: من الخصال التي يتصف بها هؤلاء أنهم يرون الصدق و الامانة حليفين لهم دون سائر الناس لانهم كاذبون بعيدون عن الصدق و الامانة، و قد رصد القرآن الكريم تلك الصفة الذميمة عندهم كما في قوله تعالى: "وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ قَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَ آتَيْنا عيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى‏ أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَريقاً كَذَّبْتُمْ وَ فَريقاً تَقْتُلُون‏".[6]

5. قتل الانبياء و المعارضين: و هذه خصلة اتصف بها كافة المستكبرين على مر التأريخ، فلا تجد مستكبرا و طاغيا الا و قد اعتمد منهج التصفية الجسدية مع معارضية و من لم يذعنوا لكبريائه و علوه، و هذا ما تجده صريحا في نفس الآية السابقة " أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى‏ أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَريقاً كَذَّبْتُمْ وَ فَريقاً تَقْتُلُون‏".[7]

6. الوقوف بوجه الحق: يؤكد القرآن الكريم هذه الخصلة عندهم و انهم يتصدون للحق و يقفون بوجهه و يمنعون من انتشاره بكل ما أوتوا من قوة "إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَ يَقُولُونَ أَ إِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ".[8]

7. اللجاج و العناد: النتيجة الطبيعة لصفة الاستكبار و التعالي على الآخرين، الاتصاف بالعناد و اللجاج و الابتعاد عن طريق الحق و الحقيقة، فمن لا يرى للآخرين أهمية تذكر على المستوى الاجتماعي و الانساني و ينظر اليهم كموجودات حقيرة لا تستحق الاهتمام، لا يمكن بحال من الاحوال أن يسمع لقولهم و يخضع لإرادتهم و يسير على نهجهم؛ لانه يرى الارجحية العقلية له و لما يصدر عنه من افعال و ما يعتقده به من رؤى و تصورات للحياة " وَ إِذا قيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهاد".[9]

8. الاغواء و الاضلال: قال تعالى مشيرا الى صفة المستكبرين هذه: " وَ إِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصيباً مِنَ النَّارِ * قالَ الَّذينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ".[10]

9. الحرمان من الحب الالهي: لاريب أن الله تعالى يبغض المسكبرين و المستعلين، و قد أكد تلك الحقيقة قوله تعالى: " لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرين‏".[11]

10. مصير المستكبرين النار:  لاشك أن من يستكبر على الآخرين و يتمرد على القيم و لا يذعن للحق و الحقيقة، و لا يلين أمام كلمة الانبياء و السفراء الالهيين، بل يتمادى في غيّه الى درجة التصدي لهم و تصفيتهم جسدياً و انزال انواع العذاب بهم، أن مصيره النار هي أولى به، و قد اشار القرآن الكريم الى تلك الحقيقة في قوله تعالى: "إِنَّ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ في‏ سَمِّ الْخِياطِ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمين‏".[12]

 


[1] انظر: لسان العرب؛ مجمع البحرين، مادة "کبر".

[2] القرشي، سید علي اکبر، قاموس القرآن، ج 6، ص 74، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1371ش.

[3] فصلت، 15؛ الجاثية، 6 - 8.

[4] نوح، 7.

[5] فاطر، 42-43.

[6] البقرة، 87.

[7] نفس الآية.

[8] الصافات، 35 – 36؛ النساء، 172؛ غافر، 60.

[9] النساء، 206.

[10] غافر، 47-48.

[11] النحل، 23.

[12] الاعراف، 40.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257242 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128140 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113244 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88996 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59835 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59550 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49732 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47164 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...