بحث متقدم
الزيارة
5610
محدثة عن: 2011/04/21
خلاصة السؤال
هل التفکیر المنجر الی الضلال افضل من عدم التفکیر اصلاً؟
السؤال
هل یری الاسلام ان من یفکر و لکن یقوده تفکیره الی الضلال بسبب جهله، هو افضل ام من لا یفکر اصلاً و لا ینتفع بنعمة العقل؟
الجواب الإجمالي

لقد اولی الاسلام للتعقل اهمیة کبیرة، و لکن التعقل له درجات، و اعلی مراتب التعقل التی یدعونا الیها اولیاء الله هو التفکر الذی یتعلق بالهدایة الالهیة و الذی یرشد الانسان الی الدین- الذی یتکفل بالسعادة البشریة- و بناءً علی هذا فان الذی یفکر و یدخل فی وادی المعرفة- و ان کان فی ادنی درجاتها- بشرط اخلاصه و شجاعته فی الاعتراف باخطائه هو افضل ممن لا یفکر اصلاً.

الجواب التفصيلي

دعا الاسلام الی التفکر و التعقل اکثر من أی دین آخر. و هذه الحقیقة یمکن التوصل الیها بسهولة عن طریق الرجوع الی ظواهر القرآن و الروایات الاسلامیة التی لا تحتاج الی أی تاویل أو تفسیر. فکثیر من الآیات القرآنیة و الروایات تدعو الانسان بشکل صریح الی التفکر فی الآیات الالهیة. و قد تکررت کلمة (العقل) فی القرآن 49 مرة و اغلبها وردت فی مورد المنافقین و الکفار فقد وصف هذان الفریقان باقبح الصفات و ذلک لعدم الاستفادة من الملکات و الهبات الالهیة المودعة عندهم حیث قال تعالى فی و صفهم: " ان شر الدواب عند الله الصم البکم الذین لا یعقلون ". [1] و العقل هو احد مصادر الاستباط الاربعة الی جنب الکتاب و السنة و الاجماع.

و بناءً علی هذا فمن البدیهی ان یکون من لا یفکر اصلاً ولا ینتفع بنعمة العقل مرفوضاً من قبل الاسلام و اذا کان مسلماً بحکم الظاهر فهو یقیناً لیس بمومن [2] لان العقل هو قدرة تمییز الحق عن الباطل و الانسان غیر المؤمن لم یتمکن من تمییز الحق عن الباطل. و من هنا فان بعض الفرق المسیحیة، و دعاة شبه العرفان الجدید الامریکی [3] و بعض فرق الصوفیة [4] التی تری الحقیقة فی اللافکر و التی تفرط فی رفض التعقل، هی فی الحقیقة نوع من الفوضویة و التحلل.

و بناءً علی هذا فان الاسلام یری العقل ضروریاً للوصول الی مراتب الکمال، و ان الانسان اذا اطاع المراتب الدنیا من العقل فانها ستقوده الی انوار الوحی و التی تعتبر مرتبتها أعلی من العقل. و لهذا فان لکل مرتبة من العقل حجیتها فی حدود دائرتها، و ان ما هو المذموم هو التحکم و الجمود فی انکار الحقائق التی یحتاج ادراکها الی الاتصال بمراتب أعلی من المعرفة.

و فی الثقافة الاوربیة تعتبر کلمة( Reasen )مرادفة للعقل و التی هی عبارة عن( Re-eason ) و التی معناها (تجدید التبسیط) او التسهیل مرة آخری!....

ان العقل الغربی فی الواقع هو نفس اصالة العقل الحسی بما لا یتجاوز المحسوسات. [5]

و لکن العقل الذی یشیر الیه الاسلام هو العقل الذی یرشد الانسان الی الدین- الذی یتکفل بالسعادة البشریة- و یتمثل هذا العقل بشکل تام فی وجود المعصومین (ع) و سائر المؤمنین الذین هم من اولیاء الله و الاسلام کما یشترط للتعقل الانسانی اتباع الحجة و الهدایة الالهیة، فانه یضع له حدوداً موضوعیة ایضاً، فهو یمنع الانسان بشکل خاص عن التفکر فی ذات الله و لکنه فی مقابل ذلک یدعوه الی التفکر فی المظاهر و الآیات الالهیة [6] و فی هذا المجال فان الانسان الکامل هو اکبر مظاهر الحق فی عالم الوجود.

و بتصور العقل الذی یریده الاسلام و القبول بشروطه یتضح ان هذا النوع من العقل و الذی یعبر عنه بالعقل الدینی، لا یقبل الخطأ، و ان الظروف الزمانیة و المکانیة المختلفة لیس لها تاثیر فی صدقه.

و من هنا فان الخطأ فی التفکیر یرتبط بالعقل المنقطع عن الوحی و الامام و الحجة الالهیة، حیث ان لکل تفکیر مرجعیة، و ان التفکیر بلا مرجعیة لا یعد تفکیراً، و المرجعیات المختلفة هی التی تعطی للتفکیر متانته و قوته الداخلیة.

ان الذین یرون ان العقل فی الاسلام هو العقل الیونانی، و یعتبرون الحکمة فی النصوص الدینیة مرادفة للفلسفة، و لا یرون فرقاً بین اسلوب الانبیاء فی دعوة الناس الی الحق و بین اسلوب الفلاسفة قد ارتکبوا خطیئة لا تغتفر فی حق الفکر الاسلامی. ان العقل و الحکمة و التفکر فی النصوص الاسلامیة- و بتصریح نفس هذه النصوص- لیس هو سوی بیان آخر للتوبة و الانفصال عن سائر المرجعیات الفکریة و الدخول فی دائرة الهدایة الالهیة. [7]

ان الخطأ فی التفکیر بحسب تعریفنا للعقل و التعقل، یمکن ان یکون له علل مختلفة، و فی فرض السؤال المذکور فان التفکیر المضلل یکون لا ارادیاً و بلا وعی. و بناءً علی هذا و نظراً الی الفرض المذکور فانه ینبغی البحث عن جذور الخطأ فی التفکیر فی العوامل التی توثر علی تفکیر الشخص المضلل بشکل لا ارادی و بطریقة غیر معرفیة. و بملاحظة ما اوضحناه عن العقل و التعقل فی الاسلام فان علة العلل فی خطأ التفکیر فی الرؤیة الاسلامیة هی الغفلة عن الهدایة الالهیة و عدم الاعتناء بالحجج الالهیة. و من جانب آخر فان الایمان هو احد الارکان المهمة للعقل [8] و من هنا فان للتعقل مراتب بحسب عمق معرفة الانسان. و الدرجات الاولی للعقل و هی التی تؤدی الی الایمان و الیقین، تنشأ منها عقول علیا ایضاً و هی الوحی و الشهود فی انواع و درجات مختلفة، و الدرجة العلیا من العقل الکامل فی مقام عقل الکل یصل الی وادی الوصال و اللحوق بالله تعالی. [9]

و قد علم بهذا الایضاح ان الاصالة فی الرؤیة الاسلامیة هی للمعرفة و التفکر، و بالطبع فانه کلما ارتقی الانسان فی درجات المعرفة انخفض معدل خطئه فی التفکیر، و یصل فی نهایة الامر الی دائرة تفکیر یکون فیها تحت ظل الهدایة التامة لله و اولیائه و یبقی مصوناً من کل خطأ.

و المشکلة الکبری فی التفکیر الخاطئ هی حینما یحاول الشخص المخطئ ان ینقل افکاره الی الآخرین. ان من یفکر بطریقة مخطئة و یقوم بنقل ذلک للآخرین، لا یکون قد وضع نفسه فی معرض اخطاء محتملة کثیرة آخری و خصوصاً تأثیر الدوافع و الاغراض فحسب، بل یمکنه ان یضلل الآخرین ایضاً تبعاً لمحبوبیته و قدرته و منزلته و شخصیته الاجتماعیة. ان نشر التفکیر المخطئ الذی یظن صاحبه انه صواب، انما یکون امراً مقبولاً بشرط المصداقیة الخلقیة و اذا ابتلی شخص بالخطأ فی التفکیر- لای سبب من الاسباب- فانه یجب علیه حینما یطمئن الی خطأ تفکیره، ان یعلن ذلک الخطأ للآخرین بشجاعة و صدق. و بناء علی هذا فاننا نستنتج:

اولاً: ان عدم بیان الفکر لیس معناه عدم التفکیر.

ثانیاً: ان الشخص المفکر ما دام یحتمل الخطأ فی تفکیره، فمن الافضل له من الناحیة الاخلاقیة، ان لا یبین ذلک الا لمؤمن اعلی مرتبة منه من ناحیة المراتب الایمانیة، و یکون مظهراً للعقل الالهی، لکی یصل الی الحقیقة عن طریق ارشاداته.

و للمطالعة اکثر فی هذا المجال یمکنکم مراجعة المواضیع التالیة:

7168(الموقع7501)

1110(الموقع1888).


[1] الانفال،22

[2] قال رسول الله (ص): قوام المرء عقله ولا دین لمن لا عقل له (منتخب میزان الحکمة، محمد الریشهری، ص356)الامام علی(ع): العقل خلیل المؤمن/ الامام الصادق(ع) العقل دلیل المؤمن.

[3] مثل عرفان الهنود الحمر (کاستاندا)،کنیسة الشیطان انطوان زندرلوی، اشو وکریشنا مورتی، و الشخصیتان الاخیرتان مع کونهما هندیین فانهما استطاعا تأسیس مدارسهم شبه العرفانیة فی امریکا وتوسیعها بالرغم من التحلل والانفلات.

[4] مثل فرقة الیزیدیین فی کردستان العراق و هی التی تحرم التعلیم.

[5] الخانجانی، علی أکبر، ما هو العقل؟ دائرة معارف العرفان، 1387، المادة:54.

[6] قال ابن عباس (رض): إن قوما تفکروا فی الله عز و جل فقال النبی (ص): تفکروا فی خلق الله و لا تفکروا فی الله فإنکم لن تقدروا قدره. مجموعة ورام، ص250.

[7] یُؤْتِی الْحِکْمَةَ مَنْ یَشاءُ وَ مَنْ یُؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِیَ خَیْراً کَثِیراً وَ ما یَذَّکَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْباب‏) البقرة: 269.

[8] الخانجانی، علی أکبر، ما هو العقل؟ دائرة معارف العرفان، 1387، المادة 11.

[9] نفس المصدر، المادة 37، بتصرف.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279423 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257180 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128121 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113191 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88979 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59799 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59521 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56845 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49698 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47149 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...