بحث متقدم
الزيارة
5251
محدثة عن: 2012/06/26
خلاصة السؤال
قال تعالى فی الآیة 84 من سورة الانعام: \" وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ\" فلماذا لم یدرج إسماعیل ضمن المذکورین؟
السؤال
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ کُلاًّ هَدَیْنَا ... }الأنعام84, {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا یَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ وَکُلّاً جَعَلْنَا نَبِیّاً }مریم49,لماذا قال تعالى و هبنا له إسحاق و یعقوب,و نعلم أن أولاد إبراهیم هما إسماعیل و إسحاق (علیهم السلام)؟
الجواب الإجمالي

المراجع لآیات الذکر الحکم یراها تقر حقیقیتین الاولى بنوّة إسماعیل لإبراهیم (علیهما السلام) و الثانیة کون إسماعیل من الانبیاء الالهیین، وان ذکر اسحاق لا یعنی بحال من الاحوال نفی بنوة اسماعیل.

و لعل الحکمة فی عدم ذکر إسماعیل فی بعض الآیات نابعة من الطریقة الاعجازیة التی ولد فیها اسحاق (ع)، فان القرآن الکریم یقر تلک الحقیقة باعتبار أن کلا من إبراهیم و سارة قد وصلا الى مرحلة من الشیخوخة و الهرم التی لا یمکن معها – عادة- من الانجاب و التوالد، "قالَتْ یا وَیْلَتى‏ أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هذا بَعْلی‏ شَیْخاً إِنَّ هذا لَشَیْ‏ءٌ عَجیب".

بالاضافة الى ذلک یوجد احتمال آخر و هو: ان إرداف اسم إبراهیم باسم إسحاق (علیهما السلام) نابع من حقیقة موضوعیة و هی توالی شجرة النبوة فی بنی إسرائیل، و ان الکثیر من الانبیاء من نسل یعقوب، و قد اشار العلامة الطباطبائی (ره) الى هذه الحکمة بقوله: لعل الاقتصار على ذکر إسحاق لتعلق الغرض بذکر توالی النبوة فی الشجرة الإسرائیلیة و لذلک عقب إسحاق بذکر یعقوب فإن فی نسله جماً غفیراً من الأنبیاء، و یؤید ذلک أیضا قوله: «وَ کُلًّا جَعَلْنا نَبِیًّا».

اضف الى ذلک إنا حینما نشاهد الآیة المبارکة التی تعرضت لبناء الکعبة المشرفة اقتصرت الکلام على ذکر إسماعیل الى جنب والده " وَ إِذْ یَرْفَعُ إِبْراهیمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَیْتِ وَ إِسْماعیلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّکَ أَنْتَ السَّمیعُ الْعَلیم". و لم تذکر اسحاق، و هو شاهد جید على کون القرآن إنما یذکر الاسماء مراعیاً مناسبة الحدیث، فان لکل مقام ما یناسبه من الحدیث. فذکر اسحاق تارة و اسماعیل تارة اخرى تابع لمقتضیات البحث و لا ینفی ذکر احدهما الآخر.

الجواب التفصيلي

المراجع لآیات الذکر الحکم یراها تقر حقیقیتین الاولى بنوّة إسماعیل لإبراهیم (علیهما السلام)[1] و الثانیة کون إسماعیل من الانبیاء الالهیین[2]، و هذا ما أکدته و اشارت الیه الکثیر من الآیات. لکن فی الوقت نفسه نجد بعض الآیات تذکر إسحاق فقط ، کالآیة التی وردت فی متن السؤال حیث اکتفت بذکر اسحاق و یعقوب فقط.

و فی البدء لا بد من التأکید على حقیقة واضحة و هی أن ذکر إسحاق لا یعنی بحال من الاحوال نفی وجود إسماعیل و لا یعنی أن الله تعالى لم یهب لإبراهیم ولداً بهذا الاسم، کیف؟ و هذا صریح القرآن یؤکد تلک البنوة کما مرّ.

لکن یبقى السؤال عن السبب و العلة التی منعت عن ذکر إسماعیل فی بعض الآیات؟

لعل الحکمة فی عدم ذکر اسماعیل و الاقتصار على اسحاق، الطریقة الاعجازیة التی ولد فیها اسحاق (ع)، فان القرآن الکریم یقر تلک الحقیقة باعتبار أن کلا من إبراهیم و سارة قد وصلا الى مرحلة من الشیخوخة و الهرم التی لا یمکن معها – عادة- من الانجاب و التوالد، "وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِکَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ یَعْقُوبَ * قالَتْ یا وَیْلَتى‏ أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هذا بَعْلی‏ شَیْخاً إِنَّ هذا لَشَیْ‏ءٌ عَجیب"[3]. علماً أن الرزق بالولد هدیة ربانیة بنفسها تشمل کل الموالید بما فیهم إسماعیل (ع)، الا ان ظروف إبراهیم (ع) و کبره جعلت من ولادة اسحاق هدیة ممیزة من الله تعالى له؛ لذا یمکن القول بأن عدم ذکر إسماعیل فی بعض الآیات یعود الى تلک النکتة، و قد أشار بعض المفسرین الى هذا المعنى الذی نحاول التعرض له لاحقاً.

أضف الى ذلک، إن بعض الآیات کانت بصدد الحدیث عن بنی إسرائیل و من هنا اقتضى المقام الإکتفاء بذکر إسحاق و یعقوب فقط، و على سبیل المثال نحاول التعرض للآیتین المذکورتین مع الاشارة الى بعض الاحتمالات التی ذکرها المفسرون:

1. قوله تعالى: "وَ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَ یَعْقُوبَ کُلاًّ هَدَیْنَا وَ نُوحًا هَدَیْنَا مِن قَبْلُ وَ مِن ذُرِّیَّتِهِ دَاوُدَ وَ سُلَیْمَنَ وَ أَیُّوبَ وَ یُوسُفَ وَ مُوسىَ‏ وَ هَرُونَ وَ کَذَالِکَ نجَزِى الْمُحْسِنِین".[4]

و قد اشار صاحب تفسیر الامثل الى الحکمة الأولى بقوله: و لم تذکر الآیة ابن إبراهیم الآخر إسماعیل، بل ورد اسمه خلال حدیث آیة تالیة، و لعل السبب یعود إلى أنّ ولادة إسحاق من (سارة) العقیم العجوز تعتبر نعمة عجیبة و غیر متوقع.[5] وهی جاریة فی الآیات الاخرى التی لم تتعرض لذکر إسماعیل (ع).

2. قوله تعالى: فَلَمَّا اعْتزَلَهُمْ وَ مَا یَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَ یَعْقُوبَ وَ کلاُّ جَعَلْنَا نَبِیًّا».[6]

و فی هذه الآیة المبارکة یوجد بالاضافة الى ما مر، احتمال آخر و هو: ان إرداف اسم إبراهیم باسم إسحاق (علیهما السلام) نابع من حقیقة موضوعیة و هی توالی شجرة النبوة فی بنی إسرائیل، و ان الکثیر من الانبیاء من نسل یعقوب، و قد اشار العلامة الطباطبائی (ره) الى هذه الحکمة بقوله: لعل الاقتصار على ذکر إسحاق لتعلق الغرض بذکر توالی النبوة فی الشجرة الإسرائیلیة و لذلک عقب إسحاق بذکر یعقوب فإن فی نسله جماً غفیراً من الأنبیاء، و یؤید ذلک أیضا قوله: «وَ کُلًّا جَعَلْنا نَبِیًّا».[7]

اضف الى ذلک إنا حینما نشاهد الآیة المبارکة التی تعرضت لبناء الکعبة المشرفة اقتصرت الکلام على ذکر إسماعیل الى جنب والده " وَ إِذْ یَرْفَعُ إِبْراهیمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَیْتِ وَ إِسْماعیلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّکَ أَنْتَ السَّمیعُ الْعَلیم".[8] و لم تتعرض لذکر اسحاق، و هو شاهد جید على کون القرآن إنما یذکر الاسماء مراعیاً مناسبة الحدیث، فان لکل مقام ما یناسبه من الحدیث.

فذکر اسحاق تارة و اسماعیل تارة اخرى تابع لمقتضیات البحث و لا ینفی ذکر احدهما الآخر.

 

[1] إبراهیم، 39؛ "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذی وَهَبَ لی‏ عَلَى الْکِبَرِ إِسْماعیلَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبِّی لَسَمیعُ الدُّعاء".

[2] مریم، 54؛ "وَ اذْکُرْ فِی الْکِتابِ إِسْماعیلَ إِنَّهُ کانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ کانَ رَسُولاً نَبِیًّا".

[3] هود، 71-72.

[4] الانعام، 84.

[5] مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏4، ص: 361، نشر مدرسة الامام علی بن أبی طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.

[6]. مریم، 49.

[7] الطباطبائی، سید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 14، ص 61-62، انتشارات جامعة‏ المدرسین، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ق.

[8] البقرة، 127.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257235 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128140 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113240 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88996 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59835 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59549 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49727 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47164 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...