بحث متقدم
الزيارة
5102
محدثة عن: 2012/12/12
خلاصة السؤال
مقتضى العطف بالواو وجود التغایر و الأثنینیة، فکیف عطف الشیء على نفسه فی بعض الآیات؟!
السؤال
قال تعالى: {ألم * ذَلِکَ الْکِتَابُ لاَ رَیْبَ فِیهِ},{الَرَ * تِلْکَ آیَاتُ الْکِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِینٍ},{طس * تِلْکَ آیَاتُ الْقُرْآنِ وَکِتَابٍ مُّبِینٍ } لدینا إشکال واضح فی فهم الآیة لو تمشینا مع أقوال المفسرین فمن مقتضى العطف بالواو وجود التغایر و الأثنینیة، فکیف یعطف الشیء على نفسه ؟!
الجواب الإجمالي

 

اختلفت کلمة المفسرین فی بیان المراد من "الکتاب" فی الآیتین المذکورتین فذهب فریق منهم الى القول بانهما متحدان فی المعنى و هما یشیران الى مصداق واحد، و ذهب البعض الآخر الى القول بان المراد من الکتاب "التوراة و الانجیل" و هناک من قال المراد به "مطلق الکتب التی نزلت على الانبیاء السابقین، و ذهب فریق رابع الى القول بان المراد من الکتاب هو اللوح المحفوظ.

من هنا لا نجد تنافیا و لا یثار أی اشکال على الآراء التی فسرت الکتاب بغیر القرآن؛ لان الجمیع من قبیل عطف المغایر على المغایر معنى و لفظا.

نعم، قد یبدو للوهلة الاولى وجود التنافی و الخلل النحوی فی عطف الشیء على نفسه فیما اذا فسر الکتاب بالقرآن الکریم کما هو المعتمد عن الطائفة الاولى من المفسرین کما مرّ، الا ان النظرة التحقیقیة و التأملیة تظهر لنا أن الآیات المبارکة منسجمة تمام الانسجام مع قواعد اللغة العربیة، لانه و ان صح کون الاصل فی العطف بالحروف وجود المغایرة بین المعطوف و المعطوف علیه لفظا و معنى، فلا یعطف العرب – غالبا- الشیء على نفسه؛ و لکنهم یتسامحون بذلک احیانا لغرض بلاغی  أو غایة مقصودة من قبل التأکید و تقویة المعنى المعطوف علیه، فیکتفون بالمغایرة اللفظیة فقط و یعطفون الشیء على نفسه اذا تغایر لفظیهما، من قبیل قول الشاعر " وَأَلْفَى قَوْلَهَا کَذِبًا وَمَیْنًا" فان الکذب و المین متحدان فی المعنى مختلفان لفظاً، و انما عطف احدهما على الآخر لتقویة و تعزیز المعنى، و هذا مع ندرته الا أنه مطابق لقواعد اللغة و قوانینها.

الجواب التفصيلي

 

جاء فی الآیة المبارکة " الر تِلْکَ ءَایَاتُ الْکِتَابِ وَ قُرْءَانٍ مُّبِین"[1]، تعریف الکتاب و تنکیر القرآن و عطف الثانی على الاول، و بالعکس فی الآیة المبارکة: " طس تِلْکَ ءَایَاتُ الْقُرْءَانِ وَ کِتَابٍ مُّبِین"[2] حیث عرّف القرآن و نکّر الکتاب و عطف الثانی على الاول، و هذا یعد من الاسالیب البلاغی و التفنن فی هذا المضمار، و فی کلا الآیتین هناک اشارة بلاغیة مهمة و هی أن التعریف یشیر الى کون القرآن تحت متناول أیدیکم و أنکم تعرفونه کما تعرفون سائر الاشیاء التی هی قریبة منکم، الا أن التنکیر یشیر الى حقیقة مهمة أخرى و هی الایحاء بعظمة القرآن الکریم و أنه فوق کل کلام و ان الإتیان بمثلة بعید المنال مهما حاول البعض ذلک.[3]

و قد اختلفت کلمة المفسرین فی بیان المراد من "الکتاب" فذهب کل فریق منهم الى معنى یختلف عن المعنى الذی ذکره الآخر، و هذه الاقوال هی:

1. ان القرآن و الکتاب یشیران الى مصداق و معنى واحد فهما متحدان معنى.[4]

2. ذهب مجاهد و غیره الى القول بان الکتاب هنا یراد به التوراة و الانجیل.[5]

3. و ذهب البعض الآخر، منهم قتادة الى القول بان المراد من الکتاب مطلق الکتب التی نزلت على الانبیاء السابقین على بعثة النبی الاکرم (ع).[6]

4. و ذهب فریق رابع من المفسرین الى القول بان الکتاب یعنی اللوح المحفوظ.[7]

من هنا لا نجد تنافیا و لا یثار أی اشکال على الآراء التی فسرت الکتاب بغیر القرآن سواء قلنا المراد منه التوراة او الانجیل او مطلق الکتاب السماویة او اللوح المحفوظ، حیث یکون الجمیع من قبیل عطف المغایر على المغایر.

نعم، قد یبدو للوهلة الاولى وجود التنافی و الخلل اللغوی فی عطف الشیء على نفسه فیما اذا فسر الکتاب بالقرآن الکریم کما هو المعتمد عن الطائفة الاولى من المفسرین کما مرّ، الا ان النظرة التحقیقیة و التأملیة تظهر لنا أن الآیات المبارکة منسجمة تمام الانسجام مع قواعد اللغة العربیة، قال صاحب النحو الوافی: " الاصل فی العطف بالحروف وجود المغایرة بین المعطوف و المعطوف علیه لفظا و معنى، فلا یعطف العرب – غالبا- الشیء على نفسه؛ و لکنهم یتسامحون بذلک احیانا لغرض بلاغی  أو غایة مقصودة من قبل التأکید و تقویة المعنى المعطوف علیه، فیکتفون بالمغایرة اللفظیة فقط فیعطفون الشیء على نفسه اذا تغایر لفظیهما، من قبیل قول الشاعر " وَأَلْفَى قَوْلَهَا کَذِبًا وَمَیْنًا" فان الکذب و المین متحدان فی المعنى مختلفان لفظاً، و انما عطف احدهما على الآخر لتقویة و تعزیز المعنى، و هذا مع ندرته الا أنه مطابق لقواعد اللغة و قوانینها.[8]

إذن لا اشکال فی عطف القرآن على الکتاب او عطف الکتاب على القرآن فی الآیتین المذکورتین و انه ینسجم مع القواعد اللغویة و البلاغیة، بل فیه تفنن یضفی على الکلام جمالیة وروعة بلاغیة خاصة.

و من هنا ذهب بعض المفسرین الى القول بان: ذکر «القرآن» بعد «الکتاب» تأکید.[9]

 


[1] الحجر، 1.

[2]  النمل، 1.

[3] الطباطبائی، سید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن،ج 15، ص 339، مکتب الاعلام الاسلامی، قم، 1417 ق؛ السیدة الاصفهانی، سیده نصرت امین، مخزن العرفان در تفسیر قرآن = مخزن العرفان فی تفسیر القرآن، ج 7، ص 110، نهضة زنان مسلمان، طهران، 1361 ش؛ جعفرى، یعقوب، کوثر، ج 6، ص 9 – 10؛ نجفی خمینی، محمد جواد، تفسیر آسان، ج 9، ص 18 - 19، انتشارات اسلامیه، طهران، الطبعة الاولى، 1398 ق.

[4] انظر: الطبرسی، فضل بن حسن، مجمع البیان فی تفسیر القرآن، ج 7، ص 329، انتشارات ناصر خسرو، طهران، 1372 ش؛ الحسینی، شاه عبدالعظیمی، حسین بن احمد، تفسیر اثنا عشری، ج 7، ص 80، انتشارات میقات، طهران، الطبعة الاولى، 1363 ش؛ المیزان، ج ‏15، ص 339، ج ‏12، ص 96.

[5] نقلا عن مجمع البیان، ج6، ص505؛ و لمزید الاطلاع انظر: ترجمة مجاهد، سؤال رقم ۲۱۴۳۰.

[6] نفس المصدر.

[7] القرشی، سید علی اکبر، تفسیر احسن الحدیث، ج 5، ص 329، مؤسسة البعثة، طهران،الطبعة الثالثة، 1377 ش؛ فخرالدین الرازی، ابوعبدالله محمد بن عمر، مفاتیح الغیب، ج 24، ص 540، دار احیاء التراث العربى، بیروت، الطبعة الثالثة، 1420 ق.

[8] انظر: عبّاس حسن، النّحو الوافی، ج 3، ص 472، المحبّین للطّباعة والنّشر، قم، الطبعة الاوّلى، 1428 ق، بتصرف.

[9] مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏8، ص: 10، مدرسة الامام علی بن أبی طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257230 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128138 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113237 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88993 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59834 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59548 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49726 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47163 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...