بحث متقدم
الزيارة
6464
محدثة عن: 2013/06/22
خلاصة السؤال
ما هی العلاقة بین الایمان و العمل الصالح؟
السؤال
قال تعالى فی سورة فاطر (إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ (10) فاطر) هاء الضمیر فی (یرفعه) على من یعود؟ و ما الرافع و ما المرفوع؟
الجواب الإجمالي
جاء فی الآیة محط السؤال " مَنْ کانَ یُریدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمیعاً إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ"[1] و ذهب الکثیر من المفسرین الى القول بان المراد من " الکلم الطیب" ما یفید معنى تاماً کلامیا و یشهد به توصیفه بالطیب فطیب الکلم هو ملاءمته لنفس سامعه و متکلمه بحیث تنبسط منه و تستلذه و تستکمل به و ذلک إنما یکون بإفادته معنى حقا فیه سعادة النفس و فلاحها.
و بذلک یظهر أن المراد به لیس مجرد اللفظ بل بما أن له معنى طیبا فالمراد به الاعتقادات الحقة التی یسعد الإنسان بالإذعان لها و بناء عمله علیها و المتیقن منها کلمة التوحید التی یرجع إلیها سائر الاعتقادات الحقة.[2]
و الملاحظ – طبقا لقواعد اللغة العربیة- ان عبارة "و العمل الصالح یرفعه" فیها ثلاثة احتمالات یختلف المعنى باختلافها و هی:
الاحتمال الاول: العمل الصالح یرفع الکلم الطیب إلى الله فالهاء من یرفعه یعود إلى الکلم، فیکون معنى الآیة: العلم الصالح یرفع العقیدة الطاهرة و النقیة" و هذا القول منسوب الى الحسن البصری.[3] و روی عن ابن عباس انه قال: یعنى أنّ هذه الکلم لا تقبل. و لا تصعد إلى السماء فتکتب حیث تکتب الأعمال المقبولة، کما قال عز و جل إِنَّ کِتابَ الْأَبْرارِ لَفِی عِلِّیِّینَ إلا إذا اقترن بها العمل الصالح الذی یحققها و یصدقها فرفعها و أصعدها.[4]
ثم إن الاعتقاد و الإیمان إذا کان حق الاعتقاد صادقا إلى نفسه صدقه العمل و لم یکذبه أی یصدر عنه العمل على طبقه فالعمل من فروع العلم و آثاره التی لا تنفک عنه، و کلما تکرر العمل زاد الاعتقاد رسوخا و جلاء و قوی فی تأثیره فالعمل الصالح و هو العمل الحری بالقبول الذی طبع علیه بذل العبودیة و الإخلاص لوجهه الکریم یعین الاعتقاد الحق فی ترتب أثره علیه و هو الصعود إلیه تعالى و هو المعزى إلیه بالرفع فالعمل الصالح یرفع الکلم الطیب.[5] و فی تفسیر العیاشی، عن الصادق (ع) فی حدیث قال: و فی کتاب الله نجاة من الردى، و بصیرة من العمى، و شفاء لما فی الصدور- فیما أمرکم الله به من الاستغفار و التوبة- قال الله: "وَ الَّذِینَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ- ذَکَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَ مَنْ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ- وَ لَمْ یُصِرُّوا عَلى‏ ما فَعَلُوا وَ هُمْ یَعْلَمُونَ"، و قال: "وَ مَنْ یَعْمَلْ سُوءاً أَوْ یَظْلِمْ نَفْسَهُ- ثُمَّ یَسْتَغْفِرِ اللَّهَ یَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِیماً"، فهذا ما أمر الله به من الاستغفار، و اشترط معه التوبة و الإقلاع عما حرم الله- فإنه یقول: "إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ"، و بهذه الآیة یستدل أن الاستغفار لا یرفعه إلى الله- إلا العمل الصالح و التوبة.[6]
و روی عن الامام الرضا (ع) انه قال: و العملُ الصَّالحُ یرفَعُهُ فهُو دلیلُهُ و عملُهُ اعتقَادُهُ الَّذی فی قلبِهِ بِأَنَّ هذا الکلامَ صحیحٌ کما قلتهُ بلسانی.[7]  هذا تعبیر آخر عن الرفع.
ثم ان الکثیر من مفسری العامة ذهبوا  الى تبنی هذا الرأی استنادا الى الاحادیث المرویة فی مصادرهم[8]. منها: " لا یقبل اللّه قولا إلّا بعمل".[9]
و هناک من فسر " الکلم الطیب" بذکر الله  و توحیده و " العمل الصالح" باداء الفرائض الالهیة و طاعته؛ فمن  ذکر الله تعالى و لم یمتثل فرائضه لا یصعد من معتقداته شیء.[10] الا ان بعض المفسرین[11] رأى ذلک منافیا لمعتقدات اهل السنة قائلا: بان عقائد العبد مقبولة عند الله تعالى ما لم یشرک و ان لم یمتثل الفرائض. و من هنا تردد فی صحة بعض تلک الروایات مفسرا للآیة بان المراد من الرفع و الصعود ترتیب آثار الایمان و تصدیقه.
و الجدیر بالذکر انه قد یکون المراد من  "یَرْفَعُهُ"، أی یجعله رفیعا ذا وزن و قیمة، کما یقال: طود رفیع و مرتفع.[12]
الاحتمال الثانی: على القلب من الأول – ای على خلاف القول الاول- أی و العمل الصالح یرفعه الکلم الطیب و المعنى أن العمل الصالح لا ینفع إلا إذا صدر عن التوحید عن ابن عباس.[13]
الاحتمال الثالث: أن المعنى العمل الصالح یرفعه الله لصاحبه أی یقبله عن قتادة و نسب الى  الشیخ الطوسی فی تفسیره.[14]
قد یطرح سؤال هو: لماذا تقول الآیة السالفة الذکر حول «الکلام الطیّب» إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ بینما بالنسبة إلى «العمل الصالح» قالت وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ؟
یمکن الإجابة عن هذا السؤال بأنّ «الکلم الطیّب» إشارة إلى الإیمان و الإعتقاد السلیم، و ذلک هو عین الصعود إلى اللّه، و حقیقة الإیمان لیس سوى ذلک، و لکن «العمل الصالح» الذی یتقبّله اللّه تعالى و یضاعف الأجر علیه، و یعطیه الدوام و البقاء ثمّ یرفعه (دقّق النظر)![15]
و قد یؤید ذلک بما روی عن الامام الصادق (ع) حیث قال: قول اللَّه عزَّ و جلَّ إِلیه یصعدُ الکلم الطّیِبُ و العملُ الصَّالح یرفعهُ ولایتنَا أَهل البیت و أَهوى بیده إِلى صدره فمن لم یتوَلَّنَا لم یرفع اللَّهُ لهُ عملا.[16]
و قد تذکر للآیة محتملات اخرى لکنها بعیدة عن الذوق العربی.
 

[1] فاطر، 10.
[2] الطباطبائی، سید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج17، ص23، مکتب النشر الاسلایى قم، 1417ق.
[3]  انظر: الطبرسی، فضل بن حسن، مجمع البیان فی تفسیر القرآن، ج8، ص629، ناصر خسرو، طهران، 1372ش.
[4]  الزمخشری، محمود، الکشاف عن حقائق غوامض القرآن، ج3، ص602، دار الکتب العربی، بیروت، 1407ق.
[5]  المیزان، ج17، ص23.
[6] العیاشی، محمد بن مسعود، تفسیر العیاشی، ج1، ص 198، ح 143، المطبعة العلمیة، طهران، 1380ق.
[7] بحارالأنوار ج : 24 ص : 358.
[8]  انظر: السیوطی، جلال الدین، الدر المنثور فی تفسیر الماثور، ج5، ص245 و 246، مکتبة آیة الله المرعشی نجفی، قم، 1404ق.
[9] الثعلبی النیشابوری، ابو اسحاق احمد بن ابراهیم، الکشف و البیان عن تفسیر القرآن، ج8، ص101، دار احیاء التراث، بیروت، 1422ق.
[10] القرطبی، محمد بن احمد، الجامع لاحکام القرآن، ج14، ص331، ناصر خسرو، طهران، 1364ش؛ و نقل عن ابن عربی أیضا.
[11] الآلوسی، سید محمود، روح المعانی فی تفسیر القرآن العظیم، ج11، ص347، نقلا عن ابن عطیة، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1415ق.
[12] الکشف و البیان، ج8، ص102.
[13] الکاشانی، ملا فتح الله، منهج الصادقین فی الزام المخالفین، ج7، ص394، مکتبة محمد حسن علمی، طهران، 1336ش؛ ذکره بعنوانه الرأی الاول عنده.
[14] الطوسی، محمد بن حسن، التبیان فی تفسیر القرآن، ج8، ص416، دار احیاء التراث العربی، بیروت.
[15]  الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏14، ص: 35.
[16] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص430، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1407ق.
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279359 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    256909 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128057 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    112879 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88919 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59629 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59355 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56812 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49389 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47111 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...