بحث متقدم
الزيارة
7540
محدثة عن: 2013/12/03
خلاصة السؤال
ما الفرق بین أرسل فی الآیة "قالوا أرجه و أخاه و أرسل فی المدائن حاشرین " و "ابعث" فی الآیة " قالوا أرجه و أخاه و أبعث فی المدائن حاشرین"؟
السؤال
جاء فی سورة الأعراف فی قصة موسى (قالوا أرجه و أخاه و أرسل فی المدائن حاشرین (111)) و فی سورة الشعراء فی قصة موسى (قالوا أرجه و أخاه و أبعث فی المدائن حاشرین (36) قرأت رأی الدکتور فاضل السامرائی فی هذه المسألة و لم أفهمه أرجو أن توضحوا لی ما الفرق بین الصیغتین فی سورتی الأعراف و الشعراء؟
الجواب الإجمالي

إبتداء نبین معانی الفعلین "أرسل" و "إبعث" ثم ندخل فی الإختلاف فی عبارة هاتین الآیتین التی تتحدث فی موضوع واحد.
أصل "أرسل" من "رِسل" (بکسر الأول).[1] و رسل فی الأصل بمعنى البعث بتأنٍ و لین.[2] و منها "الرسول" و التی بمعنى "المرسل"، أی المبعوث و المرسول.[3] و "الرسول"، تارة تطلق على الرسالة، کقول الشاعر: "ألا أبلغ أبا حفصٍ رسولا". و تارة تطلق على حامل الرسالة.[4]
عن الراغب الإصفهانی: و الإرسال یقال فی الإنسان و فی الأشیاء المحبوبة و المکروهة.[5]
بناء على ما تقدم، یکون معنى الآیة المبارکة " قالوا أرجه و أخاه و أرسل فی المدائن حاشرین"[6] هکذا: قالوا لفرعون أخّره (أی موسى) و أخیه (أی فرعون) و لا تعجل لهما بشر کالقتل و إبعث فی المدائن من جنودک حاشرین و"إبعث" من مادة "بعث" بمعنى "البعث"،[7] "و الإرسال"،[8] حیث قال أهل  اللغة "أن البعث یعنی: الإرسال"[9] و "بعث به: أرسله مع غیره".[10]
و مما یجمل قوله هنا أن معنى هذه الکلمة قد یختلف باختلاف الإستعمال، فالمعنى المشهورة لها هو إستعمال القرآن الکریم لها فی بعثة الأنبیاء و بعثة یوم القیامة،[11] کالآیة " هُوَ الَّذی بَعَثَ فِی الْأُمِّیِّینَ رَسُولاً مِنْهُمْ یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیاتِهِ وَ یُزَکِّیهِمْ وَ یُعَلِّمُهُمُ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ وَ إِنْ کانُوا مِنْ قَبْلُ لَفی‏ ضَلالٍ مُبین‏"[12] و الآیة " وَ أَنَّ اللَّهَ یَبْعَثُ مَنْ فِی الْقُبُور".[13]
إذن، بناء على ما مضى، إن کلمة "البعث" تفید معنى البعث و الإرسال، و فی الآیة الشریفة " أرجه و أخاه و أبعث فی المدائن حاشرین"، قال المفسرون، أن "إبعث" هنا بمعنى "أرسل" إذن، هذا الإختلاف فی تعبیر القرآن الکریم عن موضوع واحد، یدل على التفنّن فی بیان الموضوع و هذا یدوره یؤدی إلى حسن الکلام.
کما قال بعض علماء العلوم القرآنیة عن هذه الآیتین: "لأن الإرسال یفید معنى البعث، و یتضمن نوعا من العلوّ، لأنه یکون من فوق، فخصصت هذه السورة به لما التبس، لیعلم أن المخاطب به فرعون دون غیره".[14]
نعم، للدکتور السامرائی التفاته لطیفة تنطلق من کون الفعل "بعث" یشتمل على التهییج ویقال فی اللغة بعث البعیر أی هیّجه وفی البعث إنهاض فلما کانت المواجهة والتحدّی فی سورة الشعراء أکثر جاء بلفظ (بعث) ولم یکتفی بالإرسال إنما المقصود أن ینهض من المدن من یواجه موسى ویهیجهم وهذا یناسب موقف المواجهة والتحدی والشدة. وکذلک فی اختیار کلمة (ساحر) فی سورة الأعراف و(سحّار) فی سورة الشعراء لأنه عندما اشتد التحدی تطلّب المبالغة لذا یحتاج لکلّ سحّار ولیس لساحر عادی فقط ونلاحظ فی القرآن کله حیثما جاء فعل (أرسل) جاء معه ساحر وحیثما جاء فعل (بعث) جاء معه سحّار.[15]  و هی التفاتة لطیفة تستحق التأمل فیها.
 

[1]  ما تجدر الإشارة إلیه، إن أصل هذه الکلمة "رِسل" بکسر الحرف الأول، لکنها کتبت أیضاً بفتح الراء "رَسل".
[2]  الفراهیدی، خلیل بن احمد، کتاب العین، ج 7، ص 241، نشر هجرت، قم، الطبعة الثانیة، قرشی، على أکبر، قاموس قرآن، ج 3، ص 90، دار الکتب الإسلامیة، طهران، الطبعة السادسة، 1371 ش.
[3]  الفیروز آبادی، محمد بن یعقوب، القاموس المحیط، ج 3، ص 526، دار الکتب العلمیة، بیروت، الطبعة الأولى، قاموس قرآن، ج 3، ص 90 ـ 91.
[4]  نفس المصدر.
[5]  راغب الإصفهانی، حسین بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، ص 353، دار القلم، بیروت، الطبعة الأولى.
[6]  اعراف، 111.
[7]  المصطفوی، حسن، التحقیق فی کلمات القرآن الکریم، ج 1، ص 295، دار الکتب العلمیة، مرکز نشر آثار العلامة المصطفوی، بیروت، قاهرة، لندن، الطبعة الثالثة.
[8]  ابن منظور، محمد بن مکرم، لسان العرب، ج 3، ص 116، المهنا، عبد الله علی، لسان اللسان، ج 1، ص 93، دار الکتب العلمیة، بیروت، الطبعة الأولى، دار صادر، بیروت، الطبعة الثالثة.
[9]   صاحب بن عباد، اسماعیل بن عباد، المحیط فی اللغة، ج 2، ص 13، عالم الکتب، بیروت، الطبعة الأولى.
[10]  ابن سیدة، علی بن اسماعیل، المحکم و المحیط الأعظم، المحقق و المصحح: الهنداوی، عبد الحمید، ج 2، ص 96، دار الکتب العلمیة، بیروت، الطبعة الأولى.
[11]  قاموس قرآن، ج 1، ص 202.
[12]  الجمعة، 2.
[13]  الحج، 7.
[14]  الکرمانی، محمود بن حمزة، البرهان فی متشابه القرآن، ص 178، دار الوفاء، المنصورة، الطبعة الثانیة، 1418 ق.
[15]  الدکتور فاضل السامرائی، لمسات بیانیة فی نصوص من التنزیل، ص 587 الموجود فی المکتبة الشاملة
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279426 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257205 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128128 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113210 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88982 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59817 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59533 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56847 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49712 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47155 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...