بحث متقدم
الزيارة
6475
محدثة عن: 2014/05/18
خلاصة السؤال
کیف نجمع بین قول الله تعالى: ( و جحدوا بها و استیقنتها أنفسهم ظلما و علوا) و قوله: (و استکبر هو و جنوده فی الأرض بغیر الحق و ظنوا أنهم إلینا لا یرجعون)؟
السؤال
کیف نجمع بین قول الله تعالى: ( و جحدوا بها و استیقنتها أنفسهم ظلما و علوا) و قوله: (و استکبر هو و جنوده فی الأرض بغیر الحق و ظنوا أنهم إلینا لا یرجعون)؟
الجواب الإجمالي
لرفع التناقض الظاهری بین الآیتین لابد من التفکیک بین مرحلتی العلم والیقین و مرحلة العمل، حیث تجد الکثیر من الناس لا یعملون بما هم على یقین به، و قد اشار المفسرون الى هذه الحقیقة عند تفسیرهم للآیة المبارکة: « وَ اسْتَکْبَرَ هُوَ وَ جُنُودُهُ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَیْنا لا یُرْجَعُونَ» أی کانت حالهم حال من یترجح عنده عدم الرجوع و ذلک أنهم کانوا موقنین فی أنفسهم کما قال تعالى: " وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَیْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا".
وعلیه کلا الآیتان ناظرتان الى فرعون وقومه. ویستفاد من الآیتین أن فرعون وقومه على الرغم من إیقانهم بالحقیقة وأنهم مؤمنون فی اعماق نفوسهم بها، الا انهم تصرفوا ظاهراً تصرف مَن لا یقین له بالمعاد. فتکون الآیة الاولى ناظرة الى الحالة الاولى والثانیة ناظرة الى الحالة الثانیة.
هذا کله اذا قلنا أن الظن غیر الیقین, وإما اذا قلنا بأن الظن یعطی معنى الیقین احیانا فالتنافی مرتفع بشکل أوضح، قال صاحب التحقیق فی کلمات القرآن الکریم ناقلا عن بعض اللغویین القول بأنّ: ظنّ: أصل صحیح یدلّ على معنیین مختلفین: یقین و شکّ. فأمّا الیقین: فقول القائل ظننت ظنّا، أی أیقنت. قال تعالى: " الَّذِینَ یَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ أراد"، و اللّه أعلم، یوقنون. فتتحد الآیتان بإرادة الیقین.
 
الجواب التفصيلي
لرفع ما یبدو للوهلة الاولى من تناقض بین الآیتین لابد من تسلیط الضوء على معنى الآیتین أولا ثم الجمع بینهما ثانیا:
1. تفسیر الآیة الأولى
وهی قوله تعالى: " و جحدوا بها و استیقنتها أنفسهم ظلما و علوا"[1] فقد فسر الراغب الاصفهانی الجحد بأنّه: نفی ما فی القلب إثباته، و إثبات ما فی القلب نفیه.[2] وذهب السید الطبأطبائی الى القول باتحاد معنى الاستیقان و الیقین.[3]
و ممّا یلفت النظر أنّ القرآن یشیر فی الآیة المبارکة الى أن: هذا الاتهام لم یکن لأنّهم کانوا فی شک من أمرهم و مترددین فعلا، بل کذبوا معاجز أنبیائهم مع علمهم بحقانیتها " وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَیْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا".
و یستفاد من هذا التعبیر أنّ الإیمان له حقیقة و واقعیة غیر العلم و الیقین، و یمکن أن یقع الکفر جحوداً و إنکاراً بالرغم من العلم بالشی‏ء!.
و بعبارة أخرى: إنّ حقیقة الإیمان هی الإذعان و التسلیم- فی الباطن و الظاهر- للحقّ، فبناء على ذلک إذا کان الإنسان مستیقنا بشی‏ء ما، إلّا أنّه لا یذعن له فی الباطن أو الظاهر فلیس له إیمان. بل هو ذو کفر جحودی.[4]
لذلک فإنّنا نقرأ حدیثا عن الإمام الصادق علیه السّلام یذکر فیه ضمن عدّه أقسام الکفر الخمسة
 «کفر الجحود» و یبیّن بعض شعبه بالتعبیر التالی: " هو أنّ یجحد الجاحد و هو یعلم أنّه حق قد استقرّ عنده".[5]
2. تفسیر الآیة الثانیة
وهی قوله تعالى: " وَ اسْتَکْبَرَ هُوَ وَ جُنُودُهُ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَیْنا لا یُرْجَعُونَ".[6] حیث تشیر الى أن استکبار فرعون و من معه، و عدم إذعانهم لمسألتی « المبدأ و المعاد» فکان فرعون یرتکب ما یشاء من إجرام و جنایات بسبب انکار هذین الأصلین و إن هذا الإنسان الضعیف الذی لا یستطیع أن یبعد عن نفسه بعوضة، و ربّما قتله میکروب لا یرى بالعین المجرّدة کیف یمکن له أن یدعی العظمة و الألوهیّة!؟.
و من البدیهی أنّ حالة الطغیان و العدوان تستولی الإنسان حینما ینسى نفسه، و تملأ ریح الکبر و الغرور فکره فیطغى فی تصرفاته.[7]
محصلة البحث:
قد یبدو للوهلة الأولى وجود التناقض بین الآیتین حیث الاولى منهما تشیر الى یقین فرعون و قومه بحقیقة المعاد، فی الوقت الذی نرى فیه الآیة الثانیة تشیر الى ظنهم بالمعاد ولاریب أن الظن لا یجتمع مع الیقین.
الجمع بین الآیتین
لرفع التناقض الظاهری بین الآیتین لابد من التفکیک بین مرحلتی العلم والیقین و مرحلة العمل، حیث تجد الکثیر من الناس لا یعملون بما هم على یقین به، و قد اشار العلامة الطباطبائی الى هذه الحقیقة عند تفسیر الآیة المبارکة: « وَ اسْتَکْبَرَ هُوَ وَ جُنُودُهُ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَیْنا لا یُرْجَعُونَ» أی کانت حالهم حال من یترجح عنده عدم الرجوع و ذلک أنهم کانوا موقنین فی أنفسهم کما قال تعالى: " وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَیْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا".[8]
وعلیه فکلا الآیتان ناظرتان الى فرعون وقومه. ویستفاد من الآیتین أن فرعون وقومه على الرغم من إیقانهم بالحقیقة وأنهم مؤمنون فی أعماق نفوسهم بها، الا أنهم تصرفوا ظاهراً تصرف مَن لا یقین له بالمعاد. فتکون الآیة ناظرة الى الحالة الاولى والثانیة ناظرة الى الحالة الثانیة.
هذا کله اذا قلنا أن الظن غیر الیقین, وإما اذا قلنا بأن الظن یعطی معنى الیقین أحیانا فالتنافی مرتفع بشکل أوضح، قال صاحب التحقیق فی کلمات القرآن الکریم نقلا عن بعض اللغویین بأنّ: ظنّ، أصل صحیح یدلّ على معنیین مختلفین: یقین و شکّ. فأمّا الیقین: فقول القائل ظننت ظنّا، أی أیقنت. قال تعالى: " الَّذِینَ یَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ أراد"، و اللّه أعلم، یوقنون. و العرب تقول ذلک و تعرفه، و هو فی القرآن کثیر. و الأصل الآخر- الشکّ، یقال ظننت السیّ‏ء إذا لم تتیقّنه. و من ذلک الظنّة: التهمة، و الظنین المتّهم. و الظنون: السیّ‏ء الظنّ.
وقال صاحب المصباح- الظنّ: مصدر من باب قتل، و هو خلاف الیقین، و قد یستعمل بمعنى الیقین، و منه المظنّة: للمعلم و هو حیث یعلم الشی‏ء، و الجمع المظان. و الظنّة اسم من ظننته من باب قتل أیضا، إذا اتّهمته، فهو ظنین فعیل بمعنى مفعول.
وفی التهذیب 14/ 362- عن أبی عبیدة: الظنّ یقین و شک.[9]
 

[1]  النمل، 14.
[2]  الراغب الأصفهانی، حسین بن محمد، المفردات فی غریب القرآن، تحقیق: داودی، صفوان عدنان، ص 187، دار القلم‏، الدار الشامیة، دمشق، بیروت، الطبعة الأولى، 1412ق.
[3]  الطبأطبائی، سید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج ‏15، ص ۳۴۶، مکتب النشر  الإسلامی، قم، الطبعة الخامسة، 1417ق.
[4]  ناصر مکارم الشیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏12، ص: 22، مدرسة الامام علی بن أبی طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.
[5]  الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج ‏4، ص 150، دار الحدیث، قم، الطبعة الأولى، ‏1429ق.
[6]  القصص، 39.
[7]  ناصر مکارم الشیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏12، ص: 237، مدرسة الامام علی بن أبی طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.
 
[8]  الطبأطبائی، سید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج‏16، ص: 38، مکتب النشر  الإسلامی، قم، الطبعة الخامسة، 1417ق.
[9]   حسن مصطفوی، التحقیق فی کلمات القرآن الکریم، ج‏7، ص: 179، نشر: بنگاه ترجمه و نشر کتاب، طهران، 1360 هجری شمسی.
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257255 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128143 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113249 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88997 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59838 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59551 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56857 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49745 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47165 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...