بحث متقدم
الزيارة
29993
محدثة عن: 2012/04/17
خلاصة السؤال
ما المقصود من سجدة النجم و الشجر في آية: "والنجم و الشجر يسجدان"؟
السؤال
الإنسان ينحني أثناء السجود و يضع جبينه على التراب، فما معنى سجدة النجم و الشجر في آية "والنجم و الشجر يسجدان"؟
الجواب الإجمالي

النجم بمعنى الكوكب المضيء في السماء و قد يكون بمعنى النبات الذي بلا ساق. و المقصود من النجم في الآية 6 من سورة الرحمن هو النبات المجرد عن ساق بقرينة الشجر.

إن هذه الكلمة في أساسها بمعنى الطلوع، فإذا عبر عن النبات المجرد عن الساق بالنجم فبسبب أنه يظهر من تحت الأرض. و إذا سميت النجم بالنجم فبسبب طلوعها و إشراقها.

ويطلق الشجر على كل نبت ذي ساق من قبيل الحبوب و أشجار الفواكه و … . إذن باعتبار تقارن كلمتي النجم و الشجر قال أكثر المفسرين أن المفصود من سجدة النجم و الشجر هو خضوعهما و طاعتهما لأمر الله. يعني بأمره يخرجان من الأرض و بأمره ينموان و ينضجان.

وقد حمل بعض المفسرين كلمة النجم على معناها الأصلي و قالوا إن النجم هو نفس الكوكب السماوي و الشجر هو نفسه الذي نعرفه على الأرض، و لعل الهدف من ذكرهما معا هو ذكر أبعد الأشياء و أقربها لنا و بيان اشتراكهما في السجود لله.

الحاصل: سواء أكان النجم هو نجم السماء أم كان نوعا من النبات، فسجوده ليس كسجود الإنسان بوضع الرأس على التراب، بل بمعنى التسليم و الخضوع لله المتعال. و كل الكائنات خاضعة لله و تسبح له و لكن كل بحسبه و لغته.

الجواب التفصيلي

من أجل اتضاح معنى الآية و فهم المقصود من سجود النجم و الشجر، لابد لنا من دراسة معنى هاتين اللغتين، و من بعدها نتناول تفسير الآية لنرى ما المقصود من سجود النجم و الشجر في القرآن الكريم.

النجم: يقول راغب في مفرداته: "أصل النَّجْم، الكوكب الطالع، و جمعه نُجُومٌ، و نَجَمَ، طَلَعَ، ... و منه شُبِّهَ به طلوعُ النّبات،...".[1]

فأصل لغة النجم بمعنى الكوكب السماوي و تارة يطلق على النبات المجرد عن الساق. إن جذور هذه اللغة في أصلها بمعنى الطلوع فإذا قيل للنبات المجرد عن الساق نجما، فبسبب كونه يطلع و يظهر من تحت الأرض، و إذا سمي الكوكب السماوي نجما فبسبب طلوعه. هنا في سورة الرحمن و بقرينة كلمة الشجر، المقصود من النجم هو النبات المجرد عن الساق. و النجم بمعنى أنواع النباتات الصغيرة و الزاحفة مثل نبتة الخيار و القرع و البطيخ و…

الشجر: "الشَّجَرُ من النّبات، ما له ساق"،[2] و الشجر: "ما قام على ساق...".[3]

و إن كان أصل معنى النجم هو الكوكب السماوي و لكن بسبب تقارن النجم و الشجر ذهب كثير من المفسرين إلى أن النجم هنا بمعنى النبات المجرد عن الساق.

بهذه المقدمة و بعد اتضاح معنى هاتين الكلمتين نعمد إلى دراسة آراء المفسرين في تفسير هذه الآية ليتبين معنى السجود المنسوب للنجوم و الأشجار.

بعد أن فسر أكثر المفسرين كلمة النجم بمعنى النبات المجرد عن الساق، اعتبروا سجود النباتات و الأشجار هو طاعتهم المطلقة لله سبحانه، و إن طاعتهم هي تبعيتهم للقوانين التكوينية و عدم التمرد و الخروج عن المسير الذي رسمه الله لهم في عالم التكوين.

يقول العلامة الطباطبائي بعد نقل الرأي المشهور للمفسرين في معنى النجم: قالوا: "المراد بالنجم ما ينجم من النبات و يطلع من الأرض و لا ساق له، و الشجر ما له ساق من النبات، و هو معنى حسن يؤيده الجمع و القرن بين النجم و الشجر و إن كان ربما أوهم سبق ذكر الشمس و القمر كون المراد بالنجم هو الكواكب. و سجود النجم و الشجر انقيادهما للأمر الإلهي بالنشوء و النمو على حسب ما قدر لهما كما قيل…".[4]

وقد حمل بعض المفسرين كلمة النجم على معناها الأصلي و قالوا إن النجم هو نفس الكوكب السماوي و الشجر هو نفسه الذي نعرفه على الأرض، و لعل الهدف من ذكرهما معا هو ذكر أبعد الأشياء و أقربها لنا، و أن هؤلاء و إن  يبدوا جمادا بلا روح، و لكنهم يحظون بشيء من الفهم و الإحساس ما يدعوهم إلى عبادة ربهم و تسبيحه، "وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ و لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ".[5]

باعتبار أن السجود يجسد غاية الخضوع و العبودية، فسجود النجم و الشجر يتبلور بخضوعهم للسنن الإلهية، حيث إننا لا نجد نجما قد انحرف عن فلكه و لن نجد شجرة تثمر غير ثمرها.[6]

الحاصل: سواء أكان النجم هو نجم السماء أم كان نوعا من النبات، فسجوده ليس كسجود الإنسان بوضع الرأس على التراب، بل بمعنى التسليم و الخضوع لله المتعال. و كل الكائنات خاضعة لله و تسبح له و لكن كل بحسبه و لغته، إذ لكل نوع من الكائنات سجدة خاصة به و لكن لا ندرك كيفيتها، حيث قال الله سبحانه: "وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ"

للحصول على المزيد من المعلومات راجع تفاسير القرآن ذيل الآية 6 من سورة الرحمن.

 


[1]  راغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ج 1،  ص 791- 792، عبارة "نجم".

[2]  المصدر نفسه، ج 1، ص 446، عبارة "شجر".

[3]  الطريحي، فخرالدین، مجمع البحرین، ج 6، 173، عبارة "شجر".

[4]  الطباطبائي، السید محمد حسین، الميزان، ج ‏19، ص 96، مكتب النشر الإسلامي، قم، 1417ق.

[5]  الإسراء، 44.

[6]  مترجمان، تفسير هدايت، ج ‏14، ص 291، مركز الدراسات الإسلامية للعتبة الرضوية المقدسة‏، مشهد، الطبعة الأولى، 1377 ش.‏

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279429 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257214 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128130 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113225 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88984 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59826 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59539 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56849 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49717 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47157 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...