بحث متقدم
الزيارة
5205
محدثة عن: 2011/10/17
خلاصة السؤال
هل حصل تعطیل لأصل العلیة بعدم احتراق إبراهیم فی النار؟
السؤال
نقرأ فی قصة إبراهیم الخلیل (ع) أن النار لم تحرقه، بل تبدّلت إلی روضة و رضوان. و من جهة اخری نقرأ و نجد أن قانون العلیة کلی و سارٍ فی کل زمان و مکان و لا یختلف أبداً. و التفاتاً إلی أن ذات النار هی العلة فی الاحتراق، فلماذا انتقض قانون العلیة فی هذا المورد؟ فهل یمکن ایجاد توجیه علمی لهذا الموضوع؟
الجواب الإجمالي

علّة کل موضوع لموضوع آخر متعلقة بخواص الموضوع الأول، فإذا تغیّرت هذه الخواص بطرق طبیعیة أو اعجازیة فمن الطبیعی سوف لا یکون الموضوع الأول علة للثانی. فنار إبراهیم قد تغیّرت بالاعجاز الإلهی و تبدّلت إلی "برداً و سلاما" فلذلک فقدت خواصها الاولی. فعلی هذا الأساس لا یبقی مجال للتعجب بأن إبراهیم لماذا سلم و لم یحترق بالنار التی کانت ناراً و تحوّلت إلی "برداً و سلاماً".

الجواب التفصيلي

قبل الجواب الفت انتباهکم الی موضوع ثابت من الناحیة العلمیة: کلنا نعلم أن "الماء" فی ذاته عدو "للنار" و یُمکنه أن یکون أفضل آلة للقضاء علی النار، لکن نفس هذا الماء المکوّن من عنصری الهیدروجین و الاوکسجین إذا فکّکناه الی عنصریه المکونة له بواسطة (الکلتالیزور) فیصبح اما هیدروجین الذی ینفجر بتماسه بالنار أو إلی اوکسجین الذی یزید فی إضرام النار، و هذا یعنی أن مفعول هذین العنصرین یکون مخالفاً لمفعول الماء المرکب منهما تماماً و هذا الموضوع لا ینافی أصل العلیة أبداً.

بعد التدقیق بالمثال المشار إلیه، و بعد الالتفات إلی أن العلم الیوم أثبت علی الأصل المسلّم به و هو "ان المادة و الطاقة لا تعدم أبداً و إنما تبدّل دائماً من حالة إلی حالة" یمکن القول: ان إمکان تبدیل الطاقة الموجودة فی النار الی مادة لیس محالاً من الناحیة العلمیة و ان أمکن اعتباره محالاً عادیاً، اذ فی حالة الطبیعیة لا یُمکن تبدیل النار الی الورود و الریاحین بسرعة اذ أن هذا الأمر غریب و بعید عن الذهن البشری، لکن و بما أن هذا التغییر و التحویل لیس محالاً علمیاً فلیس بعیداً علی البشر أن یتمکن من هذا الأمر فی المستقبل و یقوم به. نعم، ان قدرات الإنسان فی تبدیل الطاقة إلی مادة فی ذلک الوقت محدودة جداً، و لعله لم یکن بإمکانهم استخراج مقدار قلیل جداً من المادة من الطاقة إلا بمدة طولة.

أما الله سبحانه فیستطیع بقدرته المطلقة أن یحوّل و بسهولة حجماً کبیراً من الطاقة و بطرفة عین إلی أی مادة یشاء، و هذا ما کان فی قصة حرق إبراهیم الخلیل (ع) حیث تحوّلت نار نمرود إلی روضة و ریحان فی مدة قلیلة جداً، و هذا الأمر لا یوجد أی خلل فی أصل العلیة. حیث أن النار المحرقة هی التی لم تفقد خواصها الخاصة بها، و لکن عندما تتبدل إلی روضة و ریحان و تفقد خواصها الحارقة، فلا عیب إذا لم تُحرق ما یُرمی بها عندئذٍ. و هذا الأمر کمثال الماء المذکور فی الجواب الاجمالی فالماء لا یُطفئ النار و یقضی علیها إلا إذا حافظ علی ترکیبه من الاوکسجین و الهیدروجین و بنسبة معینة.

لکن ما إن تغیّر هذا الترکیب و تحلّل الماء إلی عنصریه کل علی حدة فعندئذٍ لیس فقط لا یُطفیء النار بل یتحوّل إلی مادة تزید فی إضرام النار و شعلته و إلتهابه. و هذه الموارد کلها لیست مستحیلة من الناحیة العقلیة، سوی أن قدرة البشر فی أدائها أو فی سرعة هذا الأداء محدودة. لذلک إذا حدثت أمام البشر، سیطلق علیها إسم "الإعجاز" أو "المعجزة".

و یحتمل ایضا ان الله تعالى قد وضع مانعا و حاجزاً بین النار و بین ابراهیم (ع) فمع وجود المقتضی للاحراق کان لوجود المانع الاثر فی عدم الاحراق کما لو قربنا الورقة المبللة من النار فان النار عندها قابلیة الاحراق و لکن لما وضعنا الماء على الورقة صار مانعا عن تحقق فعل النار. و لا تنافی حینئذ قطعا بین عمومیة قانون العلیة وعدم الاحراق.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257255 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128143 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113249 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88997 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59838 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59551 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56857 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49745 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47165 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...