بحث متقدم
الزيارة
5491
محدثة عن: 2011/11/06
خلاصة السؤال
ماذا یعنی ترک الله عباده لحالهم؟
السؤال
نحن نعلم بان الله رؤوف رحیم و انه العارف و الناظر و العالم بحال عباده، فکیف نتصور ترکه لهم و ما المقصود مما یقال بان الله ترک فلانا لحاله؟
الجواب الإجمالي

من المفاهیم القرآنیة التی اشارت الیها آیات الذکر الحکم مفهوم ترک بعض الناس لحالهم او نسیانهم "نَسُوا اللَّهَ فَنَسِیَهُمْ".

و لکن نسبة النسیان إلى اللّه جلّ و علا لیست نسبة واقعیة و حقیقیة- کما هو المعلوم بدیهة- بل هی کنایة عن معاملة لهؤلاء معاملة الناسی، أی إنّه لا یشملهم برحمته و توفیقه لأنّهم نسوه فی البدایة، و مثل هذا التعبیر متداول حتى فی الحیاة الیومیة بین الناس، فقد نقول لشخص مثلا: إنّنا سوف ننساک عند إعطاء الأجرة أو الجائزة لأنّک قد نسیت واجبک، و هذا تعبیر یعنی أنّنا سوف لا نعطیه أجره و مکافأته. و هذا المعنى ورد کثیرا فی روایات أهل البیت (ع).

و ممّا ینبغی الالتفات إلیه أنّ موضوع نسیان اللّه تعالى قد عطف بفاء التفریع على نسیان هؤلاء القوم، و هذا یعنی أنّ نتیجة نسیان هؤلاء لأوامر اللّه تعالى و طغیانهم و عصیانهم هی حرمانهم من مواهب اللّه و رحمته و عنایته.

الجواب التفصيلي

من المفاهیم القرآنیة التی اشارت الیها آیات الذکر الحکم مفهوم ترک بعض الناس لحالهم او نسیانهم " نَسُوا اللَّهَ فَنَسِیَهُمْ " [1] ،و قد روی عن الامام الرضا (ع) أنه لما سأله الراوی عن قول اللَّه عزَّ و جَلَّ (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِیَهُمْ)؟ فقال: إِنَّ اللَّهَ تبارک و تعالى لا ینسى و لا یسهو و إِنَّما ینسى و یسهُو المخلوقُ المحدثُ أَ لا تسمعه عزَّ و جَلَّ یقول(وَ ما کانَ رَبُّکَ نَسِیًّا) و إِنََّما یجازی من نسیهُ و نسی لقاء یومه بِأَنْ ینسیهم أَنفسهم کما قال اللَّهُ تعالى (لا تَکُونُوا کَالَّذِینَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ) و قال تعالى (فَالْیَوْمَ نَنْساهُمْ کَما نَسُوا لِقاءَ یَوْمِهِمْ هذا) أَی نترکهم کما ترکوا الاستعداد للقَاء یومهم هذا. [2]

فنسبة النسیان إلى اللّه جلّ و علا لیست نسبة واقعیة و حقیقیة- کما هو المعلوم بدیهة- بل هی کنایة عن معاملة لهؤلاء معاملة الناسی، أی إنّه لا یشملهم برحمته و توفیقه لأنّهم نسوه فی البدایة، و مثل هذا التعبیر متداول حتى فی الحیاة الیومیة بین الناس، فقد نقول لشخص مثلا: إنّنا سوف ننساک عند إعطاء الأجرة أو الجائزة لأنّک قد نسیت واجبک، و هذا تعبیر یعنی أنّنا سوف لا نعطیه أجره و مکافأته. و هذا المعنى ورد کثیرا فی روایات أهل البیت (ع).

و ممّا ینبغی الالتفات إلیه أنّ موضوع نسیان اللّه تعالى قد عطف بفاء التفریع على نسیان هؤلاء القوم، و هذا یعنی أنّ نتیجة نسیان هؤلاء لأوامر اللّه تعالى و طغیانهم و عصیانهم هی حرمانهم من مواهب اللّه و رحمته و عنایته. [3]

و هنا نشیر ال ى بعض النقاط الضروریة:

1. قد یتصور البعض عندما یجری الحدیث عن القیامة بان القیامة واقعة سوف تحدث فی مستقبل الایام و لا علاقة لها بالعالم الحاضر. و لکن هذا التصور غیر دقیق مطلقا لان القیامة کما ستقع فی المستقبل الذی لا یعلمه الا الله تعالى و بتلک الوقائع التی تعرضت لها الآیات و الروایات الکثیرة، کذلک هناک قیامة تکمن فی باطن الدنیا و هی قائمة فعلا؛و ذلک لان ما نقوم به من عمل له ظاهر و باطن و باطنه حادث الآن. و على هذا الاساس الانسان الذی ینسى الله تعالى و یغفل عنه لا یحصل له ذلک دفعة واحدة و انما الانحراف یحصل بصورة تدریجیة – الا حالات استثنائیة- و رویدا رویدا تراه یبتعد عن الحق تعالى و من ثم یصل الى النقطة التی یعبر عنها بنقطة اللاعودة و الابتعاد النهائی. فاذا ما حثّت الآیات القرآنیة و الروایات على مواصلة الذکر و الارتباط بالله تعالى فانها ترید ان لا تنفرج الزاویة بین العبد و ربّه انفراجا کبیرا یصعب معه العودة، فمما لاریب فیه أن الانسان محل للخطأ و النسیان دائما فلذلک فتح الباری تعالى أمامه باب التوبة و الانابة للعودة الى الطریق القویم فیما اذا قدر لا سامح الله ان ینحرف عنه.

2. التوبة عمل دائم و مستمر؛ بمعنى أنها تلازم الذنب فکلما اذنب العبد لابد ان یعود الى رشده و یتوب الى ربّه، و کما ورد فی الروایات من الحث على عدم ترک الذنب بلا توبة؛ یعنی من ارتکب ذنبا یجب علیه التوبة منه، و هنا نسال ما المقصود بالتوبة؟ التوبة تعنی الندم على ما صدر منه و العزم على عدم العودة الى الذنب.

فلو فرضنا أن التائب قد زلت قدمه مرّة اخرى و وقع فی المعصیة فهل له التوبة؟ نعم، یکون باب التوبة مفتوحاً أمامه، بشرط أن لا یصل الى مرحلة الاستخفاف بالتوبة، فلابد أن تکون توبته صادقة و حسب التعبیر القرآنی توبة نصوحا، لا مجرد لقلقة الفاظ و إنابة صوریة. وحسب تعبیر آیة الله العظمى السید بهاء الدینی (ره) لا یمکن التمثیل أمام الله تعالى و التظاهر بالتوبة، فلابد أن تکون التوبة نصوحا و واقعیة. و ذلک لان التوبة تهدم الهوة بین الانسان و خالقه و تقلل الفاصلة بینهما، فاذا ما تمادى الانسان فی غیه و وسع الفجوة فحینئذ یصل الى مرحلة ینسى فیه ربّه و یغفل عنه و یشعر فی نفسه بعدم الحاجة الیه تعالى، و هذا فی حقیقته نسیان للنفس لان المخلوق مهما کان شأنه لا یملک من نفسه شیئا فهو عین الحاجة و الفقر و التبعیة لله تعالى، و هذه حقیقة قررتها آیات الذکر الحکیم :" یا أَیُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمید". [4] فالانسان عین الفقر و العجز حتى اشد المستکبرین عتوا کنمرود سلط الله على خیله البعوض حتى أخذت لحومهم و شربت دماءهم و وقعت واحدة فی دماغه حتى أهلکته. [5]

فاذا نسی العبد ربّه و تجاهل کل تلک النعم التی انعم الله تعالى بها علیه فلاریب ستکون النتیجة الطبیعیة ان الله تعالى سیترکه یعتمد على تلک القوة الضعیفة التی یملکها و یترکه و نفسه و هذا هو اشد انواع العذاب، و من هنا نرى العارف الکبیر آیة الله بهاء الدینی یقول: لا نضمن انه لو وکلنا الله تعالى الى انفسنا طرفة عین أن نکون افضل من أخس الناس دناءه و قبحا!!؛ فاذا ما کانت لدینا بعض الحسنات فهی من فضل الله تعالى علینا فاذا انقطع عنا المدد الالهی لا نعد شیئا یذکر أبداً.

مواضیع ذات صلة

التوبة من الذنب و المحبوبیة عند الله تعالی؛ سؤال 3704 (الموقع: 3955).

التوبة فی أخر لحظات؛ سؤال 6717 (الرقم: 7214).

مفهوم نسیان الله؛ سؤال 3143 (الموقع: 3432).



[1]    توبه، 67.

[2] المجلسی، محمد باقر، بحارالانوار، ج 4، ص 64، مؤسسة الوفاء بیروت، 1404 ق.

[3] مکارم الشیراز ی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏6، ص: 114، نشر مدرسة الامام علی بن ابی طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.

[4]    فاطر، 15.

[5] العلامة المجلسی، محمد تقی، بحارالأنوار ج : 12 ص : 25.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257236 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128140 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113242 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88996 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59835 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59549 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49728 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47164 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...