بحث متقدم
الزيارة
6290
محدثة عن: 2012/01/18
خلاصة السؤال
کیف یمکن أداء صلاة النافلة بشوق و نشاط؟
السؤال
قرأت أخیراً بعض الروایات التی تؤکد علی صلاة 51 رکعته فی الیوم و اللیلة، و قد صار مسلماً بالنسبة لی فی مقام التصدیق أن عدم أدائها یؤدی إلی خسران منافعها و ثوابها و هو خسران کبیر، أما فی مقام العزم و الإرادة فأحس بضعف خصوصاً فی نوافل الظهر و العصر (ثمان رکعات لکل منهما) فأشعر بأنها ثقیلة علی نفسی. و کما تعلمون بأن الإنسان فی هذه الموارد غالباً ما یبرّر لنفسه بمثل "أنا الآن مشغول بالدرس و المطالعة و بعض المشاغل و یجب أن أشتغل بالأهم ثم المهم". مع أن الأئمة و الأنبیاء(ع) الذین یؤدوها و یوصونا بها أیضاً عندهم مشاغل مهمة، و یعلمون مدی قابلیة البشر و قدرتهم. و علی کل حال أرید أن تبینوا المسألة لی بحیث یتلاشی کل هذا الإکراه و الثقل بالنسبة للنوافل الیومیة و یرتحل، و یمکننی عندئذِ بشوق و رغبة.
الجواب الإجمالي

الإنسان یؤدی تکالیفه الیومیة بمقدار قدرته و ظرفیته، لذلک نوصیکم بالتزام ما تقدرون علیه من النوافل عند عدم وجود عمل ضروری آخر فی حیاتکم أنتم مضطرون لأدائه. صلاة النافلة، تحتاج الی حال المناجاة و العشق و الحب و إلا قد تؤدی الی نتائج عکسیة و لا تتأثر الروح بأثارها البنّاءة.

الجواب التفصيلي

نبیّن جواب سؤالکم ضمن النکات التالیة:

1ـ المستفاد من الآیات القرآنیة [1] و روایات أهل البیت (ع) أن الإنسان مکلّف بأداء المقدور علیه من النوافل و المستحبات و حتی بالنسبة لأداء بعض الواجبات نری أن الله قد أعطی فرصة أکثر لأدائها؛ مثل الصلواة الخمس حیث ان وقتها واسع أو أنه جعل لها بدیلاً؛ فالمریض الذی لا یقدر علی الصوم یرتفع عن عهدته فی حال المرض و یجب علیه قضاؤه عند الإستطاعه. [2]

فالله سبحانه و تعالی لم یکلف أحداً بأکثر من طاقته و قدرته. و الدین الاسلامی دین سمح و مطابق للعقل و المنطق و الفطرة الإنسانیة.

2ـ صحیح أن الله فرض نوافل لکل من الصلوات الخمس و لها ثواب عظیم، لکن قدرة الأفراد مختلفة بالنسبة لأدائها، و قابلة للتغیر حسب الأوقات و الموارد. فإذا تمکن الشخص من أدائها جمیعاً و قام بهذا الأداء فله ثواب عظیم. و إلا یکتفی بما یقدر علیه؛ لأن الأعمال المستحبة من الأفضل أن تؤدی بشوق و رغبة؛ لأن الإکثار من العبادات المستحبة و أدائها بزحمة و مشقة و بدون رغبة یؤدی إلی نتائج عکسیة حیث تجعل الإنسان لا یرغب بالعبادة.

قال رسول الله (ص): "ألا إن لکل عبادة شِرّة ثم تصیر إلی فترة و من صارت شِرّة عبادته إلی سنتی فقد اهتدی و من خالف سنتی فقد ضلّ و کان عمله فی تباب أما إنی اُصلی و أنام و أصوم و أفطر و أضحک و أبکی فمن رغب عن منهاجی و سنتی فلیس منی...". [3]

و عن الامام الصادق (ع): "لا تکرهوا إلی أنفسکم العبادة" [4]

إذن من الأفضل أن لا تؤدی النوافل إلا مع وجود حال المناجاة و العشق و الشوق لها، و إلا فعلینا آن نکتفی بأداء الواجبات و نطلب من الله سبحانه أن یوفّقنا علی أداء المستحبات و أن یوفقنا لمناجاته و الخلوة معه سبحانه.

3ـ یمکنکم قضاء النوافل فی حال کونکم لم تقدروا علی أدائها لأی سبب کان. [5]

4ـ یجب أولاً أن نعید النظر فی أساسنا الفکری و ذلک لإیجاد الرغبة و اللهفة بالنسبة لأداء الفرائض و المستحبات، و أن نسعی لإصلاحه و تقویته، فان لآراء الفرد و عقیدته عن الله و عالم الوجود و الإنسان و المعاد و... تأثیراً مباشراً علی الإیمان و الالتزام بأداء الفرائض و علی أعمال الفرد و سلوکه. إذن یجب اولاً تقویة المعرفة الدینیة حتی یمکن ان تؤثر علی العمل.

5ـ أداء التکالیف الدینیة و الأمور المستحبة یحتاج إلی إرادة قویة؛ لذلک نحن نقترح علیکم عدة طرق لتقویة الإرادة یمکن الحصول علیها بمراجعة جواب السؤال رقم 525.

6ـ للإنسان فی حیاته المعیشیة حاجات ضروریة یجب أن یؤدّیها و أهمیتها و ثوابها لا یقل شأنا عن أداء العبادات المستحبة بل یزید علیها؛ مثل تأمین الإحتیاجات المعیشیة التی قد یؤدی عدم تأمینها إلی فقدان القدرة و النشاط علی العبادة لدی الإنسان.

عن الإمام الباقر (ع): "من طلب الدنیا استغناءً عن الناس و سعیاً علی أهله و تعطّفاً علی جاره لقی الله عزّ و جلّ یوم القیامة و وجهه مثل القمر لیلة البدر". [6]

و عن أبی عبد الله الصادق (ع): "... إن قوماً من أصحاب رسول الله (ص) لمّا نزلت "و من یتق الله یجعل له مخرجاً و یرزقه من حیث لا یحتسب " أغلقوا الأبواب، و أقبلوا علی العبادة، و قالوا قد کفینا فبلغ ذلک النبی (ص) فأرسل إلیهم فقال: ما حملکم علی ما صنعتم؟ فقالوا: یا رسول الله تکفّل "الله" لنا بأرزاقنا فأقبلنا علی العبادة فقال: إنّه من فعل ذلک لم یستجب له، علیکم بالطلب". [7]

فإذا کان طلب الرزق الحلال الضروری الواجب علی رب العائلة، یتعارض مع أداء المستحبات یجب ترک المستحب و الإهتمام بالواجب، و لکن یجب الإلتفات إلی أن طلب الرزق شئ و الحرص الشدید و حب التکاثر شئ آخر.

إذن یجب تأمین الدنیا کما یجب تأمین الآخرة و إذا ترک الإنسان أحدهما لم یصل إلی حد الفلاح.

لمزید من الإطلاع راجعوا المواضیع التالیة:

"طرق تقویة الإرادة" السؤال 11273 (الموقع: 11095) .

"الدعاء عند النوم" السؤال 17206 (الموقع: 16926) .

"طرق تقویة الرغبة للعبادة" السؤال 3226 (الموقع: 4242) .

"قضاء الأعمال المستحبة" السؤال 8644 (الموقع: 8601) .



[1]    التغابن، 16 "فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ اسْمَعُواْ وَ أَطِیعُواْ وَ أَنفِقُواْ خَیرْا لّأِنفُسِکُمْ وَ مَن یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئکَ هُمُ الْمُفْلِحُون"؛ المزمل، 20 "فَاقْرَءُواْ مَا تَیَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ عَلِمَ أَن سَیَکُونُ مِنکمُ مَّرْضىَ‏ وَ ءَاخَرُونَ یَضْرِبُونَ فىِ الْأَرْضِ یَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَ ءَاخَرُونَ یُقَاتِلُونَ فىِ سَبِیلِ اللَّهِ فَاقْرَءُواْ مَا تَیَسَّرَ مِنْهُ وَ أَقِیمُواْ الصَّلَوةَ وَ ءَاتُواْ الزَّکَوةَ وَ أَقْرِضُواْ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا".

[2]    لمزید من الإطلاع راجعوا موضوع "قضاء صوم شهر رمضان المبارک"، السؤال 9150.

[3]    المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج68، ص209 و 210، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ق.

[4]    بحار الأنوار، ج68، ص213.

[5]    مقتبس من موضوع "قضاء الأعمال المستحبة"، السؤال 2751 (الموقع: 2988).

[6]    الحرّ العاملی، محمد بن حسن بن علی، وسائل الشیعة، ج17، ص21، مؤسسة آل البیت، قم، 1409 ق.

[7]    الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج5، ص84، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 ش.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279359 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    256909 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128057 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    112879 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88919 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59629 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59355 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56812 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49389 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47111 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...