بحث متقدم
الزيارة
6980
محدثة عن: 2012/02/14
خلاصة السؤال
هل صحیح ما ورد فی فضیلة صلاة الغفیلة و العفو عن یزید؟
السؤال
سمعت شیئاً فیما یخص صلاة الغفیلة و مضمونه إن یزید سأل الإمام السجاد: أنا قتلت إبن رسول الله (ص) . هل من طریق للنجاة؟ أجابه الإمام السجاد (ع): نعم إذا صلیت الغفیلة یمکن أن تنجو بعدها. فقالت الحوراء زینب للإمام السجاد (ع): أنت ترید أن تنجی قاتل أبیک؟ فأجابها (ع):. قلت صلاة الغفیلة، و لکن یزید لا یوفق لها أبداً (بسبب وجع بطنه). هل صحیح هذا الکلام و أین ورد؟
الجواب الإجمالي

لم نعثر علی هکذا روایة و لا شبهها فی الکتب الروائیة المعتبرة بالإضافة إلی أن محتواها یمکن أن ینقد من عدة جهات:

1ـ عدم المناسبة بین الجرم و کیفیة التوبة منه.

2ـ عدم الأخذ بنظر الإعتبار مسألة النیة فی الأعمال.

3ـ لا ینسجم هذا الکلام مع مقام کل من الإمام السجاد (ع) و السیدة زینب (س).

الجواب التفصيلي

فی دراسة ما هو مشهور و معروف بین الناس، قد نصطدم ببعض المطالب التی نُسبت للأئمة المعصومین (ع) إشتباهاً و حُسبت من أحادیثهم: فصلاة الغفیلة و إن کانت من الصلوات المستحبة التی وصلت إلینا عدة روایات عن الأئمة (ع) فی استجابها.[1] لذلک اتفقت آراء الفقهاء علی إستجابها.[2] لکن ما جاء فی السؤال حول بیان فضیلتها لیس صحیحاً. علماً بأن هذا المطلب لم نعثر علیه فی الکتب الروائیة المعتبرة، بل حتی شبیه بهذا المضمون أیضاً لم نشاهده فی أی مکان.

الآن، بغضّ النظر عن أن ما ورد فی السؤال موجود فی الکتب الروائیة أو غیر موجود، فإن محتواه یُناقش من عدة جهات:

1ـ عدم التناسب بین المعصیة و کیفیة التوبة منها: من المسائل المقبولة بین العقلاء بل و تعتبر من الأصول الشرعیة المسلم بها، هی مسألة التناسب بین الجرم و عقوبته و بین الجرم و طریقة التوبة منه. و کمثال علی ما نقول، لو أخذ شخص مال شخص آخر، فتوبته کما صرح به الشرع هو إرجاع هذا المال لصاحبه أو یستجلب إرضائه بأی وسیلة کانت. و إذا استغاب شخص شخصاً آخر فالتوبة منها هی إما أن یُعلم المستغاب و یطلب منه إبراء الذمة أو یطلب له من الله تعالی الخیر و المغفرة.

و إذا فُضح شخص و اُریق ماء وجهه فالتوبة من هذا الذنب الکبیر هو إعادة حیثیته و هناک موارد کثیرة یمکن کونها أمثلة لهذا الموضوع.

نعم، قد نجد فی کثیر من الموارد، أن الله سبحانه یتجاوز عن عقوبة فعل قبیح کبیر بعمل صغیر لکن موضوع السؤال، نجد عدم التناسب فیه وصل إلی حد یلفت النظر بحیث لا یمکن أن نعثر له علی تبریر صحیح.

فکیف یمکن لشخص تلوثت یدیه بقتل إمام المسلمین و إبن رسول الله (ص)، عندئذٍ، یزول ذنبه و ینمحی بصلاة الغفیلة و تقبل توبته؟ و کیف یمکن لمن خرب (مدینة النبی (ص)) عندما استباحها و استباح إعراض النساء فیها و هدم بیت الله أن یُعفی عنه بصلاة الغفیلة؟

2ـ فی نهایة هذه الروایة قال البعض بأن یزید، قصد الإتیان بهذه الصلاة مراراً لیتوب الله عن عمله القبیح، لکنه لم یوفق عملاً لذلک بعلة الأوجاع التی کانت فی بطنه.

فقد جاء فی الأحادیث الموثّقة و المقبولة، إن نیة الإنسان فی عمل الخیر، أفضل و أعلی من العمل الذی یرید الإتیان به،[3] فلعلّ الإنسان لا یقدر علی فعل الخیر، لکن نیة فعله موجودة، فهذه النیة، تکون أفضل و أعلی من العمل الذی نوی الإتیان به، فکیف تقبل توبة شخص عن ذنوبه طبقاً لهذه الروایة بنیة التوبة عن ذنوبه لا بها، فلعدم موفقیته لهذا العمل الخاص (صلاة الغفیلة) یقبل الله نیته الباطنیة و ینجو علی أساسها من تبعات هذا الذنب؟

نعم! من الممکن أن تکون بعض الذنوب بحیث تؤدی بالشخص إلی السقوط فی بئر الظلمة و یفقد الشخص توفیق التوبة، (ففی بعض الروایات التی یبقی مجال البحث التفصیلی فیها مفتوحاً) اُشیر إلی بعض الذنوب التی یفقد صاحبها توفیق التوبة بسببها، یمکن الإشارة هنا إلی "البدعة فی الدین"،[4] کمثل لها، البدعة التی لا تخرج صاحبها من مسیر الحق و الحقیقة فحسب بل قد تُخرج عدة کثیرة کذلک و ترمی بهم إلی وادی الظلم و الظلمة.

السؤال الآخر هو، هل من الصحیح أن نعاتب هذا الشخص علی مرضه؟ فکیف نجد باقی الأحکام الفقهیة کالصوم و الحج و ... یشترط فی وجوبها الإستطاعة (القدرة البدنیة)، بحیث لو مرض شخص و لم یتمکّن من الصوم لضرره علیه، فلم یسقط الواجب علیه فحسب، بل یکون الصوم عندئذٍ حراماً علیه، لکن فی الأعمال المستحبة (کصلاة الغفیلة)، إذا لم یتمکن شخص الإتیان بعمل مستحب بسبب مرض (خارج عن اختیاره) لا یحصل علی آثاره و هی التوبة هنا فی المورد المذکور؟

3ـ لقد نسب إلی السیدة زینب (س) فی هذا النص الشبیه بالروایة شیء لا یلیق بشأنها و مقامها. حیث یذکر أن الحوراء زینب اعترضت علی الإمام السجاد (ع) بعد ما قال لیزید إن توبتک عن قتل الإمام الحسین (ع) سیقبلها الله بصلاة الغفیلة بقولها: أترید أن تنجی قاتل أبیک؟ فکیف تعترض زینب علی إمامها کأی شخص عادّی و هی من أهل بیت الوحی و النبوة و عارفة بمقام الإمامة و منزلتها؟! نعم! قد یأتی المعصوم بعمل معین و یظهر منه إنه مخالف لظاهر الدین و الشریعة، فهنا، لیس الإعتراض و السؤال عن حقیقة العمل لا إشکال فیه فحسب، بل إنه أمر مقبول أیضاً، و یمکن الإشارة هنا إلی اعتراض موسی (ع) للخضر (ع) فی مسألة مصاحبة موسی (ع) له فعند ما قتل الخضر (ع) الولد، إعترض علیه موسی (ع) بأنه لا یجوز قتل نفس بدون دلیل. لکن الإعتراض الذی نسب للسیدة زینب (س) فی هذا السؤال کان علی عمل الإمام السجاد (ع) الذی اولاً: لربما أمکن الإنتظار من الإمام المعصوم أن یسوق و یوجه أشقی الناس إلی الخیر و التوبة. و ثانیاً: إن الإمام السجاد له حق العفو و الصفح عن قاتل أبیه بعنوانه و لی دم الإمام الحسین (ع).

4ـ الإشکال الآخر الذی یلفت النظر، هو جواب الإمام السجاد (ع) للسیدة زینب (س)، حیث قال فیه (ع): أنا قلت أن صلاة الغفیلة تنجیک، لکن إطمئنی، فإنه لا یوفق إلیها أبداً! فهذا نوع من الإغراء، و ذلک لأن شخصاً طلب من الإمام المعصوم (ع) أن یعلمه عملاً یؤدی إلی غفران ذنوبه و الإمام یرشده إلی عمل لا یقدر علیه أبداً مع علم الإمام بذلک. فهل من الممکن حقیقة إن یوجه الإمام السجاد (ع) یزید إلی فعل ینجو به من تبعة ما فعله. فی حال ندمه علی ما صدر منه ـ.

إضافة إلی علمنا بأن یزید لم یندم علی قتل الإمام الحسین (ع) و قتل أهل بیته و أصحابه أبداً و قد استمر فی جنایاته فی السنین التی تلت واقعة الطف خصوصاً فی واقعة الحرّة، و لا یمکن أن یدل الإمام (ع) شخصاً لا زال مصراً علی جنایاته علی طریق للتوبة و بهذا یبرئه إلی حد ما فی الإنظار العامه.



[1]  المرحوم السید ابن طاووس فی کتاب فلاح السائل ذکر عدة روایات فی فضل هذه الصلاة. انظر: فلاح السائل، ص 244، انتشارات دفتر تبلیغات الاسلامی، قم، بلا تاریخ.

[2]  الفاضل اللنکرانی، محمد، کتاب الصلاة، ص 54، قم، 1408 ق.

[3]  قال رسول الله (ص) نیّة المؤمن خیرٌ من عمله. الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 2، ص 84، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1374 ش.

[4]  المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 69، ص 216، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ق.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257237 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128140 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113242 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88996 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59835 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59549 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49728 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47164 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...