بحث متقدم
الزيارة
7280
محدثة عن: 2013/08/25
خلاصة السؤال
ما هو الفرق بین الشیطان و النفس الأمارة؟
السؤال
ما هو الفرق بین الشیطان و النفس الأمارة؟
الجواب الإجمالي

إن هویة الإنسان الحقیقیة التی یعبرون عنها بالنفس لها عدة أوصاف و أبعاد، أشار إلیها القرآن و أجملها فی ثلاث مراتب «الأمارة، اللوامة، المطمئنة». النفس الأمارة تمثل حالة سیطرة المیول الحیوانیة على وجود الإنسان، و هی حالة النفس التی تدعو الإنسان دائماً إلى الرذائل و تأمین متطلبات الشهوة.

 

أما الشیطان فی اللغة و الاصطلاح فیطلق على کل موجود طاغٍ متمرد سواء کان من الإنس أم الجن أو الحیوان.

 

المراد بإبلیس: الشیطان الخاص و هو من الجن و قد کان فی صف الملائکة لکثرة عبادته، و لکنه بعد عصیانه الأمر الإلهی «فی السجود لآدم» طرد من رحمة الله، و قد أقسم على غوایة الإنسان و إضلاله عن الوسوسة.

 

و النتیجة: فإن النفس الأمارة تعد وسیلة من وسائل الشیطان و طریقا من طرق نفوذه و تسلطه على الإنسان، کما أنها تعد من جنود الشیطان و أعوانه.

 

إذن فالوسوسة من قبل إبلیس تمثل شیطاناً من الخارج، و التحریک باتجاه الرغبات و الشهوات من قبل النفس الأمارة یعد شیطاناً داخلیاً، و ذلک ما یجر الإنسان إلى مرحلة السقوط. و بعبارة أخرى، فإن النفس الأمارة و بالتوجه إلى تمهید الأرضیة و میولها الحیوانیة الموجودة فی داخل الإنسان تقع تحت تأثیر وسوسة الشیطان، ثم یتقدم الشیطان مرحلةً فمرحلة حتى ینضم إلى حزب الشیطان و یحسب کفرد من أفراده.

 

الجواب التفصيلي

الإجابة عن هذا السؤال بحاجة إلى توضیح مجموعة من النقاط:

 

المقدمة الأولى: النفس و مراتبها.

 

هویة الإنسان الحقیقیة لها ثلاث مراتب و کیفیات «حیوانیة، إنسانیة، إلهیة» و یتضح من الآیات القرآنیة أن للنفس مراحل ثلاث.[1]

 

1ـ النفس الأمارة أو المرتبة الحیوانیة عند الإنسان:

 

و البعد الإنسانی عند الإنسان یتمثل بالشهوة، و الغضب و کل الرغبات و المیول النفسیة.[2] و هذا المیل القلبی و الحالة النفسیة یعبر عنها القرآن بالنفس الأمارة و یؤکد: "إن النفس لأمارةٌ بالسوء".[3] و لذلک قیل أنها أمارة، و فی هذه المرتبة لم یکن للعقل و الإیمان القدرة على مقاومة طغیان النفس و کبح جماحها، و إنما ینقاد لها و یسلم فی کثیر من الأحیان، فتنقلب علیهما النفس و تقهرهما.

 

و قد أشارت امرأة العزیز[4] فی کلامها إلى هذه المرتبة فی قولها الذی حکاه القرآن: "و ما أبرئ نفسی إن النفس لأمارة بالسوء".[5]

 

2ـ النفس اللوامة: النفس اللوامة مرتبةٌ من مراتب النفس یرتقی إلیها الإنسان بعد التعلیم و التربیة. و فی هذه المرتبة من الممکن أن یرتکب الإنسان خلافاً بین الحین و الآخر تحت تأثیر طغیان الغرائز و لکنه یندم مباشرة فیلوم نفسه و یؤنبها و یصمم على جبران ما فرط منه من ذنب، ثم یغسل درن القلب و صدأ النفس بماء التوبة.

 

و قد عبر القرآن الکریم عن هذه المرحلة بالنفس اللوامة و قال: "و لا أقسم بالنفس اللوامة".[6]

 

3ـ النفس المطمئنة: و هذه المرحلة یتوصل لها الإنسان بعد التربیة و التهذیب و التمحیص، و فیها لا تجد الغرائز و طغیانها القدرة على مقاومة العقل و الإیمان و معاکسته، و ذلک لأن العقل و الإیمان فی هذه المرتبة على درجة من القوة و المنعة مما یجعل غرائز النفس ضعیفة أمامه.

 

و هذه مرتبة الأنبیاء و الأولیاء و أتباعهم الحقیقیین، الذین تربوا فی ظل الرجال الإلهیین و نهلوا منهم دروس التقوى و الإیمان، و أنفقوا السنین الطوال فی تهذیب النفس حتى توصلوا إلى المراتب النهائیة من خلال السلوک و المجاهدة.

 

و القرآن الکریم یعبر عن هذه المرتبة بالنفس المطمئنة: "یا أیتها النفس المطمئنة ارجعی إلى ربک راضیة مرضیة * فادخلی فی عبادی و ادخلی جنتی".[7]

 

المقدمة الثانیة: إبلیس و الشیطان

 

1ـ إبلیس: المقصود بإبلیس الشیطان الخاص و هو من الجن و لکنه انضم إلى صف الملائکة بسبب کثرة عبادته، و لکنه حین تمرد على الأمر الإلهی و رفض السجود لآدم تغیر الموقف إزاءه، و انحط من تلک المرتبة المقدسة، لأنه فسق عن أمر ربه.[8]

 

2ـ الشیطان: الشیطان مشتق من مادة «شطن» و «الشاطن» هو الخبیث و الوضیع. و الشیطان تطلق على الموجود المتمرد العاصی، إنسانا کان أو غیر إنسان، و تعنی أیضا الروح الشریرة البعیدة عن الحق.‏[9] و کما جاء فی القرآن الکریم: "و کذلک جعلنا لکل نبی عدواً شیاطین الإنس و الجن".[10]

 

و حیث إن إبلیس موجود متمرد و معاند و طاغٍ أطلق علیه اسم الشیطان.

 

المقدمة الثالثة: علاقة النفس الأمارة بالشیطان

 

النفس الأمارة فی واقعها وسیلة من وسائل الشیطان و طریق من طرق نفوذه إلى داخل الإنسان، کما أنها تعد من جنود الشیطان أیضاً.

 

فالوسوسة من قبل إبلیس إذن تمثل الشیطان الخارجی، و أما الرغبات التی تکون من جهة النفس الأمارة فهی بمثابة الشیطان الداخلی و ذلک ما یجر الإنسان إلى مرتبة السقوط و الانحطاط.

 

و کل ما یسعى إلیه الشیطان إضلال الإنسان و إغوائه و أن یبعده عن إدراک الحقیقة و التوصل إلیها، و قد أقسم بعزة الله سبحانه على أنه سیغوی الإنسان و یضله: "فبعزتک لأغوینهم أجمعین".[11] و الغی ضد الرشد، و الرشد یعنی التوصل إلى الواقع.[12]

 

و هذا الشیطان الذی أقسم بعزة الله على غوایة الإنسان و إضلاله،[13] یتقدم شیئاً فشیئاً و یسیر خطوة خطوة فی هذا لتحقیق مهمته، حیث یلقی الإنسان تحت تأثیر إیحائه و وسوسته إلى أن یتحول الإنسان نفسه إلى شیطان یغوی أناساً آخرین و یجرهم إلى طریق الانحراف.

 

و الإنسان الذی یستسلم لوسوسة الشیطان و رغبات نفسه الحیوانیة، یکون قد وقع فی شراک النفس الأمارة. یقول علی (ع): "النفس الأمارة المسولة تتملق تملق المنافق و تتصنع بشیمة الصدیق الموافق حتى إذا خدعت و تمکنت تسلطت تسلط العدو و تحکمت تحکم العتو فأوردت موارد السوء".[14]

 

إن الشیطان یوسوس لضعاف الإیمان من بنی الإنسان و بمساعدة المیول و الشهوات و النفس الأمارة یجعل من قلب الإنسان منزلاً و موطناً له و بذلک یصبح رفیقاً و صدیقاً و عوناً، لأن من یصبح قلبه موطناً للشیطان لم یکن مضیفاً للشیطان و حسب، و إنما یکون من أعوانه و أنصاره.[15] یقول الإمام علی (ع) فیما یخص هذا الصنف من الناس: "فنظر بأعینهم و نطق بألسنتهم".[16]

 

الخلاصة:

 

و لهذا السبب فإن الشیطان و النفس الأمارة کلاهما عدو للإنسان و قد ذکر القرآن أن الشیطان عدو للإنسان، و أوصى الإنسان أن یتخذه عدواً.[17]

 

و کذلک جاء فی روایات المعصومین (ع) أن النفس الأمارة عدو للإنسان کما جاء عن النبی الأکرم (ص): "أعدى أعدائک نفسک التی بین جنبیک".[18]

 

و هذا یشیر إلى هذه المرتبة من مراتب النفس. و أن السر فی قوله (ص) أن النفس أعدى أعداء الإنسان ما قدمناه، و أن اللص الخارجی لا یتمکن من دخول البیت إلا بصحبة هذا العدو، و أن العدو الخارجی لا یستطیع إلحاق الأذى، و إنما یکون الأثر للعدو الداخلی المطلع على کل شیء، و إنه یوظف هذه المعرفة و الاطلاع بخدمة الشیطان لیسلطه على الإنسان و بذلک تکون النفس الأمارة جندیاً من جنود الشیطان.[19]

 

إذن فالنفس الأمارة تقع تحت وسوسة الشیطان بلحاظ المیول الأرضیة الحیوانیة الموجودة فی الإنسان.

 

و یتقدم الشیطان مرتبة مرتبة إلى أن یتحول الإنسان إلى فرد من أفراد حزب الشیطان و جندیاً من جنوده.[20]

 

 

[1] التفسیر الأمثل، ج 25، ص 281.

[2] جوادی الآملی، عبد الله، الحق و التکلیف فی الإسلام، ص 89.

[3] یوسف، 53.

[4] یرى عدد من المفسرین أن المراد بهذه العبارة یوسف (ع) و لکن هذا الرأی لا یقبله أکثر المفسرین، التفسیر الأمثل، ج 9، ص433 و 434.

[5] یوسف، 53.

[6] القیامة، 2، "ولا أقسم بالنفس اللوامة".

[7] الفجر، 27ـ 28.

[8] ترجمة تفسیر المیزان، ج 8، ص 26.

[9] المنجد فی اللغة، التفسیر الأمثل، ج 1، ص 192.

[10] الأنعام، 112.

[11] صاد، 82 و 83.

[12] ترجمة تفسیر المیزان، ج 1، ص 631.

[13] ص، 82 و 83 .

[14] غرر الحکم.

[15] مبادئ الأخلاق فی القرآن، عبد الله جوادی آملی، ص 115.

[16] نهج البلاغة، خطبة 7.

[17] البقرة، 168، "إنه لکم عدوٌ مبین".

[18] بحار الأنوار، ج 67 ص 64.

[19] تفسیر التسنیم، عبد الله جوادی الآملی، ج 8، ص 516.

[20] المجادلة، 19، "استحوذ علیهم الشیطان فأنساهم ذکر الله، أولئک حزب الشیطان".

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257250 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128143 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113246 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88997 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59838 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59551 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56856 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49741 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47165 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...