بحث متقدم
الزيارة
5786
محدثة عن: 2012/01/05
خلاصة السؤال
لماذا صرح القرآن الکریم باسم النبی الاکرم (ص) فی الآیة الثانیة من سورة محمد: «وَ الَّذِینَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَ ءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلىَ‏ محُمَّدٍ وَ...‏» و لم یصرح باسمه (ص) فی السور الاخرى؟
السؤال
لماذا صرح القرآن الکریم باسم النبی الاکرم (ص) فی الآیة الثانیة من سورة محمد: «وَ الَّذِینَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَ ءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلىَ‏ محُمَّدٍ وَ...‏» و لم یصرح باسمه (ص) فی السور الاخرى؟
الجواب الإجمالي

ذکر المفسرون عدة احتمالات لقوله تعالى "وَ الَّذِینَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ" و " ءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلىَ‏ محُمَّدٍ"  یظهر منها الاهمیة الکبرى التی یحظى بها الایمان بالرسول الاکرم (ص)، و انطلاقا من جمیع هذه الاحتمالات (التی ذکرناها فی الجواب التفصیلی)، یمکن اکتشاف الاهمیة التی تنطوی علیها الفقرة الثانیة من الآیة المبارکة. و منه نعرف العلة فی التصریح باسم النبی الاکرم (ص) حیث أراد الله تعالى تعظیم اسم نبیه الکریم (ص)، و قد اشار بعض المفسرین الى هذه العلة حیث قال: و خص الإیمان بمحمد (ص) بالذکر مع دخوله فی الأول تشریفا له و تعظیما، و احتمل العلامة الطبرسی علة أخرى و هی سد الطریق أمام أهل الکتاب: لئلا یقول أهل الکتاب: نحن آمنا بالله و بأنبیائنا و کتبنا. و یکفینا ذلک فی ان نکون مصداقا لقوله تعالى «کَفَّرَ عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ».

الجواب التفصيلي

لکی نفهم العلة و السبب فی التصریح باسم النبی الاکرم (ص) فی قوله « بِمَا نُزِّلَ عَلىَ‏ محُمَّدٍ‏» لابد ان نعرف المراد من هذا المقطع، و منه ننطلق لنعرف العلة فی ذکر النبی (ص).

من الملاحظ ان الله تعالى شرع فی سورة محمد الآیة الثانیة حکماً یعد من نعم الله تعالى على العباد یتمثل فی تکفیر الذنوب و اصلاح الحال "« کَفَّرَ عَنهمْ سَیِّاتهِمْ وَ أَصْلَحَ بَالهمْ "[1] و أما من هم هؤلاء الذی تشملهم هذه النعمة الالهیة؟ هنا یوجد تعبیران ذکرا فی نفس الآیة المبارکة، الاول " وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ» و الثانی «آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى‏ مُحَمَّدٍ». و هنا یطرح السؤال التالی: ما هی العلاقة بینهما و ماذا یعنیان؟

اختلفت کلمة المفسرین هنا، و النظرة الاولیة تظهر لنا أن التعبیر الاول أعم مصداقا من التعبیر الثانی فهو یشمل مصادیقه و زیادة. من هنا یکون التعبیر الثانی مجرّد تأکید لبعض مصادیق الایمان. و لکن مع ذلک نجد کلمة المفسرین غیر متفقة على هذا المعنى، بل ذهب کل فریق الى رأی یختلف عن الآخر، و قد تساعدنا تلک الآراء فی فهم القسم الثانی، و سنحاول هنا الاشارة الى بعضها:

الف: ذهب بعض المفسرین الى القول بان التعبیر الثانی من قبیل ذکر العام بعد الخاص. قال صاحب الامثل: إنّ ذکر الإیمان بما نزل على نبیّ الإسلام (ص) بعد ذکر الإیمان بصورة مطلقة، تأکید على تعلیمات هذا النّبی العظیم و مناهجه، و هو من قبیل ذکر الخاص بعد العام، و تبیان لحقیقة أنّ الإیمان باللّه سبحانه لا یتمّ أبدا بدون الإیمان بما نزل على النّبی (ص).[2]

ب: وذهب البعض الآخر من المفسرین الى کون التعبیر الثانی قیدا احترازیا لا أنه تأکید للاول، یقول العلامة الطباطبائی (ره): قوله تعالى: «وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى‏ مُحَمَّدٍ وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ» إلخ، ظاهر إطلاق صدر الآیة أن المراد بالذین آمنوا إلخ، مطلق من آمن و عمل صالحا فیکون قوله: «وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى‏ مُحَمَّدٍ» تقییدا احترازیا لا تأکیدا و ذکرا لما تعلقت به العنایة فی الإیمان.[3]

ج: و ذهب فریق ثالث من المفسرین الى القول بان القسم الثانی أعم من المعنى الاول، یقول الفخر الرازی: مع أن قوله آمنوا و عملوا الصالحات أفاد هذا المعنى فما الحکمة فیه و کیف وجهه؟ فنقول: أما وجهه فبیانه من وجوه الأول: قوله (وَ الَّذِینَ آمَنُوا) أی باللّه و رسوله و الیوم الآخر، و قوله (وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ) أی بجمیع الأشیاء الواردة فی کلام اللّه و رسوله تعمیم بعد أمور خاصة و هو حسن، تقول خلق اللّه السموات و الأرض و کل شی‏ء إما على معنى و کل شی‏ء غیر ما ذکرنا، و إما على العموم بعد ذکر الخصوص.[4]

د: یحتمل أیضا أن تکون الجملة الأولى إشارة إلى الإیمان باللّه تعالى، و لها جانب عقائدی، و هذه الجملة إشارة إلى الإیمان بمحتوى الإسلام و تعلیمات النّبی (ص)، و لها الجانب العملی.

و بتعبیر آخر، فإنّ الإیمان باللّه سبحانه لا یکفی وحده، بل یجب أن یؤمنوا بما نزل على النّبی (ص)، و أن یکون لهم إیمان بالقرآن، إیمان بالجهاد، إیمان بالصلاة و الصوم، و إیمان بالقیم الأخلاقیة التی نزلت علیه. ذلک الإیمان الذی یکون مبدأ للحرکة، و تأکیدا على العمل الصالح.[5] حتى یغفر الله ذنوب العبد و یصلح له حاله. ففی هذه الصورة یکون لکل من الفقرتین معناها المستقل عن الآخر فلا تخصیص و لا تعمیم بینهما.

هـ: و ذهب طائفة اخرى من المفسرین الى القول بان القسم الاول الایمان بما نزل على النبی و الثانی الاشارة الى الثبات على ولایة علی بن ابی طالب (ع)، فعن علی بن إبراهیم أیضا، فی قوله تعالى: (وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ) نزلت فی أبی ذر و سلمان و عمار و المقداد، و لم ینقضوا العهد وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى‏ مُحَمَّدٍ، أی ثبتوا على الولایة التی أنزلها الله: وَ هُوَ الْحَقُّ، یعنی أمیر المؤمنین (ع).[6]

انطلاقا من جمیع هذه الاحتمالات، یمکن اکتشاف الاهمیة التی تنطوی علیها الفقرة الثانیة من الآیة المبارکة. و منه نعرف العلة فی التصریح باسم النبی الاکرم (ص) حیث أراد الله تعالى تعظیم اسم نبیه الکریم (ص)، و قد اشار بعض المفسرین الى هذه العلة حیث قال: و خص الإیمان بمحمد (ص) بالذکر مع دخوله فی الأول تشریفا له و تعظیما،[7] و احتمل العلامة الطبرسی علة أخرى و هی سد الطریق أمام أهل الکتاب: لئلا یقول أهل الکتاب: نحن آمنا بالله و بأنبیائنا و کتبنا.[8] و یکفینا ذلک فی ان نکون مصداقا لقوله تعالى «کَفَّرَ عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ».



[1] محمد،2.

[2] مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏16، ص: 318، مدرسة الامام علی بن ابی طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.

[3] الطباطبائی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 18، ص 223، نشر جماعة مدرسی الحوزة العلمیة، قم، 1417 ق.

[4] فخرالدین الرازی، ابوعبدالله محمد بن عمر، مفاتیح الغیب، ج 28، ص 35، دار احیاء التراث العربی، بیروت، 1420 ق.

[5] الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏16، ص: 318.

[6] البحرانی، سید هاشم، البرهان فی تفسیر القرآن، ج‏ 5، ص 56، بنیاد بعثت، طهران، 1416 ق.

[7] الطبرسی، فضل بن حسن، مجمع البیان ف تفسیر القرآن، ج 9، ص 146، انتشارات ناصر خسرو، طهران، 1372 ش.

[8] نفس المصدر.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279471 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257336 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128200 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113313 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89027 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59880 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59590 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56883 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49822 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47191 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...