بحث متقدم
الزيارة
5578
محدثة عن: 2012/02/19
خلاصة السؤال
ما الحکم الشرعی المترتب على اللعن و التکفیر الظالم و بلا حق؟
السؤال
ما الحکم الشرعی المترتب على اللعن و التکفیر الظالم و بلا حق؟ و ما هی الآثار التی یترکها على الانسان؟
الجواب الإجمالي

المطالع للتعالیم الدینیة یراها تنهى و بصورة واضحة عن اللعن و التکفیر بلا حق، و لم یسمح الدین الاسلامی لاحد أن یکفر بما شاء و یلعن متى ما أراد، بل نجد الروایات الواردة عن المعصومین (ع) تؤکد أن اللعن – إن لم یکن بحق- یعود على صاحبه، " فعن ابن عبَّاس قال: لعن رجُلٌ الرِّیحَ عند رسول اللَّه (ص) فقال: لا تلعنِ الرِّیحَ فإِنَّها مأمورةٌ و إِنَّهُ منْ لعن شیئاً لیس له بأَهل رجعت اللَّعنةُ علیه"

الجواب التفصيلي

یمکن النظر الى السؤال المطروح من اکثر من محور.

1. اللعن و التکفیر، هذه المفردة لم تکن بالقضیة غیر المنضبطة بحیث یحق لکل انسان یلعن متى شاء و یصب اللعنات على أی إنسان أراد لعنه او تکفیر کل من اختلف معه، بل الشرع منع منه، و التعالیم الدینیة بشرت اللاعن بلاحق العذاب یوم القیامة. و لم تنحصر القضیة بالشریعة الاسلامیة، بل کل التشریعات الالهیة و غیر الالهیة منعت التجاوز على شخصیة الآخرین و التعرض لهم.

2. تعالیم الشریعة الاسلامیة المقدسة لم تمنع الانسان من الاعتداء على حقوق الآخرین و التجاوز علیهم فقط، بل حبذت للمؤمن ان یصون لسانه من اللغو و الکلام الفارغ، کما قال عز من قائل فی وصف المؤمنین: " وَ الَّذینَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ".[1] فالایة المبارکة تؤکد أن جمیع حرکات و سکنات المؤمنین تتجّه لهدف واحد مفید و بنّاء، لأنّ «اللغو» یعنی الأعمال التافهة غیر المفیدة، و کما قال بعض المفسّرین فإنّ اللغو کلّ قول أو عمل لا فائدة فیه، و إذا فسّر البعض اللغو بالباطل. و بعض فسّره بالمعاصی کلّها. و آخر بمعنى الکذب. و آخر: السباب أو السباب المتقابل. و البعض الآخر قال: إنّه یعنی الغناء و اللهو و اللعب.و آخر: إنّه الشرک. فإنّ هذه المعانی مصادیق ذلک المفهوم العام. و طبیعی أنّ اللغو لا یشمل الأفعال و الکلام التافه فقط، و إنّما یعنی الآراء التافهة التی لا أساس لها، التی تنسی العبد ربّه و تشغله بها دون الأمور المفیدة، إذن فاللغو یتضمّن کلّ هذا، و الحقیقة أنّ المؤمنین لم یخلقوا من أجل الانشغال بآراء باطلة أو کلام تافه.[2] و من الواضح ان اللعن و التکفیر بلا حق یعدان من ابرز مصادیق اللغو و الباطل.

3. التعالیم الدینیة بالاضافة الى نهیها عن تلک الاعمال و تقبیحها، نجد الروایات الواردة عن المعصومین (ع) تؤکد أن اللعن – إن لم یکن بحق- یعود على صاحبه، " عن ابن عبَّاس قال: لعن رجُلٌ الرِّیحَ عند رسول اللَّه (ص) فقال: لا تلعنِ الرِّیحَ فإِنَّها مأمورةٌ و إِنَّهُ منْ لعن شیئاً لیس له بأَهل رجعت اللَّعنةُ علیه".[3]  و اللافت للنظر فی الروایة أن النبی الاکرم (ص) ینهى عن لعن الریح لانه بلاحق، فکیف بلعن الانسان الذی أکدت الروایات بان حرمته اعظم من حرمة الکعبة؟!. و هذا الحدیث جهاز انذار للانسان لیراقب بشدة ما یصدر منه من کلام أو سلوک، و لا ینطق بشیء من دون دلیل و لا ینسب الى الآخرین ما یخرجهم عن الدین بلا برهان و لا حجة.

4. الجدیر بالالتفات الیه هنا هو أن هذا الکلام لا یشمل لعن من آذى الرسول الاکرم (ص) و الاولیاء الالهیین، فان هذا اللعن راجح شرعا. نعم، الذی لا یجوز هو اللعن بلاحق و من دون مسوغات شرعیة و تکفیر الناس بلا دلیل أو لمجرد الاختلاف الیسیر، کذلک الممنوع شرعا تعریض حیثیات الناس سواء على مستوى الشخصیات الحقیقة او الحقوقیة للاهانة و التحقیر و الاستهزاء و محاولة اخراجهم من الدین. أما من لعنهم الله و رسوله فلا ریب فی جواز لعنهم کما فی قوله تعالى: " إِنَّ الَّذینَ یَکْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَیِّناتِ وَ الْهُدى‏ مِنْ بَعْدِ ما بَیَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِی الْکِتابِ أُولئِکَ یَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ یَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُون".[4]



[1]المؤمنون، 3.

[2] مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏10، ص: 418- 419، نشر مدرسة الامام علی بن أبی طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.

[3] الکلینی، الکافی، ج 8، ص 69، دارالکتب الاسلامیة، طهران، 1368ش.

[4]البقرة، 159.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257247 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128143 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113244 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88997 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59838 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59551 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56856 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49740 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47165 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...