بحث متقدم
الزيارة
2865
محدثة عن: 2012/11/11
خلاصة السؤال
هل ان السب والشتم في النفس معصیة؟
السؤال
هل الشتم في النفس إثم أم لا؟
الجواب الإجمالي

ان الآثام التي یرتکبها الإنسان منها ما یتحقق في الخارج؛ مثل الكذب والاغتیاب وغير ذلك، ومنها ما یکون فی الذهن والقلب؛ مثل کتمان الشهادة والشرك ونحو ذلك. على الرغم من أن للخطايا الداخلية آثارا فی الخارج، إلا أن هذه الآثار  غیر الخطيئة نفسها.

الشتائم والألفاظ النابية هو اظهار الأمور القبيحة والمذمومة بكلمات وعبارات صريحة. والشتم من الذنوب التي لها وجه خارجي؛ على الرغم من أنه یتحقق أيضًا في الذهن كمقدمة؛ مثل الحسد، فإذا تم اظهاره وتم القيام بأعمال محرمة ضد الآخر بسببه، فهو إثم، ولكن مادام انه في شكل خواطر ذهنیة ونفسية في الداخل، وينزعج الإنسان نفسه منه ولا یتحقق عمليا فی الخارج، فإن معظم علماء الأخلاق والفقهاء - مستشهدين بروايات مثل حديث الرفع - لا يعتبرونه إثمًا.

الجواب التفصيلي

يبدو من الضروري معرفة النقاط التالية قبل ذکر الجواب:

  1. ان الآثام التي یرتکبها الإنسان علی قسمین، منها تتحقق في الخارج؛ مثل الكذب والاغتیاب وما إلى ذلك، ومنها لها جانب داخلي وقلبی؛ مثل کتمان الشهادة والشرك ونحو ذلك.[1] على الرغم من أن للخطايا الداخلية آثارا خارجية، إلا أن هذه الآثار غیر الخطيئة نفسها.
  2. حقيقة الفحش هو التعبير عن الأمور المستقبحة بالفاظ وکلمات صريحة.[2]
  3. الشتائم والالفاظ النابیة ذنوب لها وجه خارجي. على الرغم من أنها تتحقق فی الذهن والنفس كمقدمة؛ مثل الحسد حیث اذا ظهر وتجلی وتم القيام بأعمال ممنوعة ضد الآخرین بسببه، یعتبر إثما، ولكن مادام انه في شكل خواطر ذهنیة ونفسیة، بحیث ينزعج الإنسان نفسه منها ولم تتحقق عمليا فی الخارج، فإن معظم علماء الأخلاق والفقهاء - مستشهدين بروايات مثل حديث الرفع[3] - لا يعتبرونه إثمًا.[4]

وعلى ضوء ما تقدم ذکره نقول:

  1. علی الرغم من أن الشتائم والألفاظ النابية اذا لم تتحقق عملیا ولفظیا وتکون فقط في الذهن، لا تعتبر خطيئة؛ مع ذلک ان تنمية مثل هذا العمل الذهنی والنفسی وعدم تجنبه أمر غير مرغوب فيه ويمكن أن يتجلى كخطيئة بل ويؤدي إلى خطايا أخرى، وبالتأكيد مثل هذا الشخص سیختلف في التقوی والرتبة والدرجة المعنویة مع الشخص المنزه عنها. حسب الآية:

«يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ».[5]

فطالما لم یتجلی الشک والظن ولم یترتب علیه اثر لم یعتبر اثما، لان الظن من الخواطر النفسیة وامر قسری ویحدث للانسان لاسباب مختلفة، ولكن لا ينبغي أن ننمي هذه الخواطر ونصر عليها. لذلك، من المناسب للشخص أن يتجنب هذه الخواطر القلبیة والنفسیة بالممارسة.

  1. يحتمل أن السب فی النفس یقلل من قبح السب وخطورته، فیصبح سب الانسان امرا اعتیادیا، وبعد فترة يرتكب الإنسان السب والالفاظ البذيئة جهارا، لذلک يبدو أن تركه کمقدمة لاجتناب الخطيئة أمر ضروري.
  2. الآية الشریفة: «إِنْ تُبْدُوا ما فی‏ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّه»،[6] لا تتعارض مع القول بأن الشتائم مالم تتحقق عمليا، فهی ليست معصیة. لان أولاً: ان الله تعالی لایعاقب علی المعصیة التي تخطر فی القلب والذهن. نعم، إذا نوی في قلبه وفکره بشأن الخطيئة وقرر ان یفعلها وأصر على فعلها، فلأن هذا القرار في حد ذاته یعتبر من اعمال القلب، سيعاقبه الله تعالی على هذ العمل القلبی ویجازیه بما یناسبه.[7] ثانياً: تدل الآية الشریفة على أن الله لا يؤاخذ فقط علی الذنوب الظاهرة والخارجية التي ترتكب بأعضاء الانسان وجوارحه، بل انه يحاسب ویؤاخذ علی المعاصی القلبیة والباطنة (مثل الشرك). لأنه يحكم العالم ويعلم كل الأحداث الظاهرة والباطنة وکذلک الأفعال الداخلیة والخارجیة وكل الأفكار والنوايا ولا يخفى علیه شيء.[8]
  3. أخيراً، لتوضيح أهمية التوقف عن السب والألفاظ النابية، نشیر هنا الی بعض احادیث المعصومين(ع):

4-1. قال النبي الاکرم(ص): «الْجَنَّةُ حَرَامٌ‏ عَلَى‏ كُلِّ فَاحِشٍ أَنْ يَدْخُلَهَا».[9] وطبعًا إن لم يتب حقًا، وإلا إذا تاب واعتذر لمن سبه وأرضاه، وعوض عن هذه الذنب بالحسنات، فسوف یغفر له.

[10] قال الإمام علي(ع): «ما أفحَشَ كريمٌ قَطُّ»." .4-2

  1. قال الإمام الباقر(ع): «سِلاحُ اللِّئامِ قَبيحُ الكلام».[11]و «قُولُوا لِلنَّاسِ‏ أَحْسَنَ‏ مَا تُحِبُّونَ أَنْ يُقَالَ لَكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ اللَّعَّانَ السَّبَّابَ الطَّعَّانَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْفَاحِشَ الْمُتَفَحِّشَ السَّائِلَ الْمُلْحِفَ وَ يُحِبُّ الْحَلِيمَ الْعَفِيفَ الْمُتَعَفِّفَ».[12]

[1]. مكارم الشيرازى، ناصر، تفسير نمونه، ج 2، ص 396، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الاولی، 1374ش.

[2]. النراقى، ملا محمد مهدى، جامع السعادات، ج 1، ص 351، بیروت، نشر الاعلمى، الطبعة الرابعة، بدون تاریخ.

[3]. راجع: السؤال 10471 (الموقع: 10359).

[4]. راجع: مصادر الاخلاق مثل: جامع السعادات، ج 1، ص 178 – 199؛ شبّر، سید عبدالله، الاخلاق، بحث المهلکات، الباب الثالث، بحث الشتم والسب والباب السادس، بحث الحسد؛ المصادر الفقهیه مثل: الفیض الكاشانى، محمد محسن، مفاتيح الشرائع، ج 2، ص 24 – 28، قم، مکتبة آية الله المرعشى النجفى(ره)، الطبعة الاولی، بدون تاریخ؛ النجفى(صاحب الجواهر)، محمد حسن، جواهر الكلام فی شرح شرائع الإسلام، المحقق و المصحح: القوچانى، عباس، الآخوندى، على، ج 41، ص 52 و 53، بیروت، ‌دار إحياء التراث العربی، الطبعة السابعة، بدون تاریخ.

[5]. الحجرات، 12.

[6]. البقره، 284.‏

[7]. الطبرسى، الفضل بن الحسن، مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج 2، ص 687 و 688، طهران، نشر ناصر خسرو، الطبعة الثالثة، 1372ش.

[8]. راجع: تفسیر نمونه، ج 2، ص 396؛ الطيب، سيد عبد الحسين، اطيب البيان فی تفسير القرآن، ج 3، ص 88 و 89، طهران، نشر الاسلام، الطبعة الثانیة، 1378ش.

[9]. ورام بن أبی فراس، مسعود بن عيسى، تنبيه الخواطر و نزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام، ج 1، ص 110، قم، مكتبه فقيه، الطبعة الاولی، 1410ق؛ باينده، ابو القاسم، نهج الفصاحة، ص 434، طهران، دنياى دانش، الطبعة الرابعة، 1382ش.

[10]. التميمى الآمدى، عبد الواحد بن محمد، تصنيف غرر الحكم و درر الكلم، ص 223، ح 4496، قم، مکتب الاعلام الاسلامی، الطبعة الاولی، 1366ش.

[11]. العلامه المجلسى، بحار الأنوار، ج 75، ص 185، بیروت، دار إحياء التراث العربی، الطبعة الثانیة، 1403ق.

[12]. بحارالانوار، ج 65، ص 152.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257244 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128141 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113244 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88996 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59835 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59551 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56855 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49733 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47164 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...