بحث متقدم
الزيارة
6873
محدثة عن: 2009/04/16
خلاصة السؤال
أیهما مجرب أکثر لقضاء الحاجات زیارة عاشوراء المشهورة أم زیارة عاشوراء غیر المشهورة؟
السؤال
عند ضیق الوقت ما هو الأفضل لأجل قضاء الحاجات هل هو قراءة زیارة عاشوراء المشهورة ذات اللعن الواحد و السلام الواحد، أو زیارة عاشوراء غیر المشهورة؟
الجواب الإجمالي

یحث الإسلام کل فرد على أن یأتی بالمستحبات حسب قدرته و رغبته و حضور قلبه، لیحصل له أفضل مستوى من الارتباط مع الله و أولیائه. و بناء على هذا فإذا توفرت لدى الشخص حالة الرغبة و حضور القلب فالأفضل له أن یأتی بالزیارة المشهورة و الأطول، و فی غیر هذه الحالة یأتی بالزیارة غیر المشهورة، أو الزیارات و الأدعیة المختصرة، و على الإنسان أن یرجو رحمة ربه دائما. و طبیعی أنه فی الکثیر من الحالات لا تکون هناک مصلحة فی استجابة الدعاء و لذا لا یستجیب الله الحکیم لما نریده.

الجواب التفصيلي

أولا ینبغی الالتفات إلى ما یأتی: هناک واجبات و عبادات ألزم الله المکلفین بالإتیان بها، و یجب على کل المکلفین فعلها على کل حال سواء بحضور القلب أو بدونه، و إن کان الأفضل أداء الواجبات بحضور القلب لیکون لها قیمة أکبر، فلا تسقط الواجبات فی أصعب الظروف.

و نمثل لذلک بالصلاة الواجبة حیث تبقى على وجوبها حتى فی حالة الغرق أو حال قیام الحرب، فقط تتغیر کیفیة أدائها و تسمى هذه الصلاة صلاة الغریق و صلاة الخوف.[1]

إلا أن الأمر مختلف فی العبادات المستحبة التی تکون ثمرتها الحصول على الثواب و قرب الإنسان من الله و أولیائه، فالکیفیة مهمة فیها، و کلما کان زاد فیها حضور القلب و الرغبة فإن ذلک یؤدی إلى نتائج أفضل.

و ننبه هنا على هذه الملاحظات:

1 – لم یکلف الله الإنسان بشیء غیر أداء الواجبات و ترک المحرمات، و یکفی المسلم أن یلتزم بذلک، و لأن الالتزام بهذا المقدار هو أمر صعب جدا عند العمل و التطبیق و یحتاج إلى إرادة قویة، فقد ورد فی الروایات اعمل بفرائض الله تکن من أتقى الناس.[2]

2 – الإنسان یؤدی المستحبات مختارا من أجل کسب رضا الله سبحانه، و قد ورد فی الروایات أن الله یباهی الملائکة[3] بعبده لأنه یؤدی المستحبات رغبة فیها. و مع أن المستحبات مطلوبة إلا أنه لا یجوز أن یؤثر أداءها تأثیرا سلبیا على أداء الواجبات.

3 – الأمر المهم جدا فی أداء المستحبات هو توفر الرغبة و حضور القلب أثناء أدائها، و بعبارة أخرى المهم فی التعالیم الإسلامیة هو روح العبادة و لا قیمة للعبادة بلا روح، فالمطلوب هو أداء المستحبات مع حضور القلب و الرغبة فی العمل و إن کان المستحب قلیلا و هذا أفضل بکثیر من أداء مستحبات کثیرة بدون رغبة و بلا حضور قلب، و قد ورد فی روایة: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لا یَسْتَجِیبُ دُعَاءً بِظَهْرِ قَلْبٍ سَاهٍ "[4] و قد جاء فی کتب الحدیث باب بعنوان: "باب اسْتِحْبَابِ الاقتصاد فی العباده عند خوف الملل"[5] و عند مطالعة الروایات فی هذا الباب نفهم أنه لا ینبغی الإکثار من المستحبات إلا إذا توفرت لدى الإنسان الرغبة و حضور القلب، و حینما یصاب الإنسان بالإرهاق و لا تتوفر لدیه القدرة اللازمة فالروایات تنصح بالاکتفاء بالمقدار الذی یحفظ له العلاقة القلبیة مع المعبود، و إذا تسببت المستحبات أن ینقطع الإنسان عن الدعاء و العبادات فلا یجوز الإتیان بها حتما.

4 – الأمر الآخر هو أن الله سبحانه یمتحن عباده بمدى ارتباطهم به و توکلهم علیه، و الله یحب الإلحاح فی الدعاء و طلب الأمور المشروعة و التضرع، و قد مدح عبادة الذین یتمتعون بهذه الصفات، قال رسول الله (ص): "رحم الله عبدا طلب من الله عز وجل حاجة فألح فی الدعاء استجیب له أو لم یستجب"[6].

و عندنا روایة رائعة أخرى فی هذا المجال: ان العبد لیدعو فیقول الله عز وجل للملکین: قد استجبت له و لکن احبسوه بحاجته فإنی أحب أن أسمع صوته".[7]

و الکثیر من الشعر العرفانی الذی یصور العطاء و الحرمان، مستقى من هذه الروایات.

5 – لا ینبغی الاقتصار فی قراءة الأدعیة المأثورة و زیارة عاشوراء على حالات التعرض للمشاکل و البلاء، بل ینبغی على الإنسان أن لا یتوقف عن طلب العون من الله أو من أولیائه لیکونوا واسطة بینه و بین ربه. و قد ورد فی روایاتنا: "من تقدم فی الدعاء استجیب له إذا نزل به البلاء، و قیل صوت معروف، و لم یحجب عن السماء، و من لم یتقدم فی الدعاء لم یستجب له إذا نزل به البلاء، و قالت الملائکة إن ذا الصوت لا نعرفه".[8]

6 – صحیح أنه ورد الحث على لزوم طلب الرزق من الله (باب استحباب الدعاء بسعة الرزق)[9]، و لأجل رفع البلاء و حل المشاکل الدنیویة، فلا أحد یقدر على ذلک سوى الله سبحانه، إلا أن اللائق بالعبد أن لا یقتصر فی طلباته على أمور الدنیا، بل یدعو أیضا لأمور الآخرة لیکون مصداقا للآیة الکریمة: "ربنا آتنا فی الدنیا حسنة و فی الآخرَة حسنة و قنا عذاب النار".[10]

اتضح من خلال ما تقدم -کیفیة أداء المستحبات، و استجابة الدعاء- الجواب عن سؤالکم و الأسئلة المشابهة.

و فیما یتعلق بقراءة زیارتی عاشوراء المذکورتین، فالمؤکد أن زیادة العمل کما و کیفا یؤدی إلى نتائج أفضل، لکن و کما یبین لنا المؤلف الجلیل لکتاب مفاتیح الجنان فی مقدمة زیارة عاشوراء غیر المعروفة أن هذه الزیارة مع أنها أقصر من الزیارة المشهورة "فقراءتها للذی عنده عمل مهم تعد فوزا عظیما" ففی حالة قلة الوقت أو التعب یمکنکم قراءة هذه الزیارة غیر المشهورة مع حضور قلبی أکثر حیث إن الکثیر من مضامینها تشابه الزیارة المشهورة، أو أن تقرءوا الزیارة المشهورة بلعن واحد و سلام واحد، و ثقوا أن الله سبحانه سیستجیب لأعمالکم الخالصة لوجهه و إن کانت قلیلة المقدار ظاهرا.

و لأجل بعث الاطمئنان فی قلوبکم و کذا لبیان فائدة زیارة الإمام الحسین (ع) و إن کانت فی غایة الاختصار نذکر لکم هذه الروایة کمسک الختام:

عن الحسین بن ثویر قال : َکنت أنا و یونس بن ظبیان عند أبی عبد الله علیه السلام و کان أکبرنا سنا، فقال له: إِنِّی کَثِیراً مَا أَذْکُرُ الحسین علیه السلام فَـأَیَّ شَـیْ‏ءٍ أَقُـولُ ؟ قال قُلْ: صَلَّى الله عَلَیْکَ یَا أَبَا عَبْدِ الله تُعِیدُ ذَلِکَ ثَلاثا ، فَإِنَّ السَّلَامَ یَصِلُ إِلَیْهِ مِنْ قَرِیبٍ وَ مِنْ بَعِیدٍ.[11]

تأملوا فی أن هذا المقدار من الارتباط إذا کان برغبة و حضور قلبی فإنه یؤثر فی التکامل المعنوی للإنسان بشکل أکبر و أشد من الأدعیة المطولة إذا کان الإتیان بها بلا رغبة و حضور قلب.



[1]- الطوسی، محمد بن حسن ، تهذیب الأحکام ، ج 3 ، ص 171- 179، دار الکتب الاسلامیة، طهران ، 1365 هـ - ش.

[2]- الشیخ الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعه، ج 15 ص 259- 261، مؤسسه آل البیت، قم، 1409.

[3]- نفس المصدر، ج 5 ، ص 296، الروایة 6589.

[4]- نفس المصدر، ج 7، ص 53- 54، الروایة 8702.

[5]- نفس المصدر، ج 1، ص 108.

[6]- نفس المصدر، ص 58-59، الروایة 8717.

[7]- نفس المصدر، ج 7، ص 61- 62، الروایة 8728.

[8]- نفس المصدر، ج 7، ص 40، الروایة 8661.

[9]- نفس المصدر، ج 7، ص 122.

[10]- البقرة، 201.

[11]- وسائل الشیعة، ج 14، ص 490، الروایة 19672.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279360 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    256924 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128057 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    112886 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88920 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59630 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59356 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56813 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49394 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47111 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...