بحث متقدم
الزيارة
6360
محدثة عن: 2012/09/15
خلاصة السؤال
كيف يمكن لنا تصور انسجام العلاقات الجنسية (المشروعة) التي هي سلوكيات حيوانية، مع القوة العقلائية للانسان؟!
السؤال
وجود مجموعة من القوى المتنافرة عند الانسان يجعل من الصعب الجمع بينها و تحليلها تحليلا عقلائيا! فعلى سبيل المثال كيف يمكن لنا ان نحلل شخصية إنسان تراه تارة يبكي على الامام الحسين (ع) و يحزن لقتله و ما حل به، و يصلي و يصوم و...و في الوقت نفسه تراه يمارس العلاقات الجنسية المللذة مع زوجته! كيف يمكن لنا تصور انسجام العلاقات الجنسية (المشروعة) التي هي سلوكيات حيوانية، مع القوة العقلائية للانسان؟! و لماذا توفر الانسان على قدرتي الشهوة و العقل معاً؟!
الجواب الإجمالي

إن الانسان بالاضافة الى حاجته الى الامور المعنوية و القوة العقلية التي تميزه عن سائر الموجودات المادية بحيث إرتقى الى مرتبة " اشرف المخلوقات"، هو محتاج أيضا - كموجود مادي- الى ما يؤمن له استمرارية وجوده و ثبوت كيانه شأنه شأن سائر الكيانات المادية الحيّة.

و من هنا يمكن القول أن تأمين البعد الجنسي و اشباع هذه الغريزة من خلال الطرق المشروعة لا يمثل بحال من الاحوال تعارضاً و تنافياً مع خصوصية العقلانية التي يتسم بها الانسان، و إنما الذي ينافي العقل و يضاد المعنويات و يحط من مكانة الانسان الرفيعة[1] هو خروج الانسان عن مساره الصحيح و انحرافه عن الهدف الاصلي الذي خلق من أجله و انجرافه نحو الميول الحيوانية و اللذائذ المادية و الغفلة عن البعد المعنوي و العقلي في شخصيته، فحينئذ يسقط عن مكانته الرفيعة و ينحدر في مهاوي الانحطاط حتى يصل الى درجة يكون فيها أخس مرتبة من سائر الحيوانات؛[2] لعدم توفر الحيوانات على القوة العاقلة التي تمكنها من اعمال حالة التوازن بين البعد العقلي و الحيواني عندها، خلافا للانسان الذي توفر على القوتين معا، فاهماله للبعد العقلي في شخصيته يكشف عن تفريطه بتلك الجوهرة التي اودعها الله فيه.

من هنا، يكون الطريق الامثل هو العمل بصورة متوازنة و مشروعة بين البعد المادي و الغرائزي و البعد العقلي و المعنوي و استعمال كل واحد منها في المكان و الزمان المناسبين له، و حينئذ لا يحصل تصادم و تضاد بين الامرين، بل يتم الانسجام بينهما على أكمل وجه؛ لان العقل لا يرى بحال من الاحوال الاستفادة الصحيحة من البعد الغرائزي مضادة له، بل يراها تسير ضمن قوانينه و مقرراته التي بها يحفظ النسل البشري من الانقراض.

أضف الى ذلك ان لحالة الصراع بين العقلانية و الشهوانية في الشخصية البشرية دوراً مهما في تكامل الانسان و رقيه تكاملا اختيارياً لا ينطلق عن الجبر و الاكراه.

و نحن اذا رجعنا الى المصادر الروائية نجد ما يؤديد هذا المعنى تماما، فقد روي أَنَّ أَبا ذرٍّ رحمهُ اللَّهُ سأَل النبي (ص) عن قضية العلاقة الجنسية بينه و بين زوجه؟ فقال (ص): ائْتِ أَهلكَ تُؤْجرْ؟ فقال: يا رسول اللَّه آتيهمْ و أُوجرُ؟! فقال رسول اللَّه (ص): كما أَنَّكَ إِذا أَتيت الْحرام أُزرْتَ فكذلك إِذا أَتيتَ الحلالَ أُوجرت".[3]

 


[1] اشارة الى قوله تعالى: " وَ الَّذينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَ يَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَ النَّارُ مَثْوىً لَهُم‏" ، محمد، 12.

[2]  " وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ "، الاعراف، 179.

[3] الكليني، محمد بن یعقوب، الکافي، تحقيق و تصحيح: الغفاري، علي أکبر، الآخوندي، محمد، ج 5، ص 496، دار الکتب الإسلامیة، طهران، الطبعة الرابعة، 1407ق.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279472 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257343 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128200 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113318 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89032 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59887 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59592 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56884 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49824 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47194 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...