بحث متقدم
الزيارة
8682
محدثة عن: 2007/10/15
خلاصة السؤال
فی أی وقت جمعت سور القرآن و آیاته و دونت بشکل فعلی؟
السؤال
من المسائل المسلّمة فی صدر الإسلام أن الآیات التی کانت تنزل على الرسول (ص) تکتب من قبل جماعة یطلق علیهم اسم کتّاب الوحی، و لکن السؤال هو فی أی وقت جمعت سور القرآن و آیاته و دونت بشکل کلی؟ هذه المجموعة من السور التی أطلق علیها اسم (القرآن) و الموجودة فی متناول أیدینا، فی أی زمان وجدت؟
الجواب الإجمالي

توجد ثلاثة آراء بخصوص جمع القرآن:

أ- إن القرآن جمع على عهد رسول الله (ص) و بإشرافه و رعایته و فی ظل الهدایة الإلهیة، مع أن الرسول (ص) لم یکتب القرآن شخصیاً، و لم یجمع آیاته.[1]

ب- إن القرآن الموجود قد تم جمعه و تدوینه بعد رحلة النبی (ص) من قبل الإمام علی (ع)، و ذلک فی الوقت الذی کان فیه الإمام (ع) جلیس بیته.[2]

ج- إن القرآن جمع و دوّن بعد رحلة الرسول (ص) من قبل بعض الصحابة غیر الإمام علی (ع).[3]

یعتقد الکثیر من علماء الشیعة - و خصوصاً المتأخرین منهم - أن القرآن الکریم تم جمعه و تدوینه فی زمن رسول الله (ص) و فی ظل إشرافه و رعایته.[4]

و بعض الشیعة یتبنى القول الثانی، حیث اعتبر الإمام علیا (ع) هو الذی أدار هذا العمل و قام بإنجازه.[5]

و لکن الکثیر من أهل السنة اختار القول الثالث، و تبعهم المستشرقون على ذلک، حیث أخذوا بهذا الرأی أیضاً، و أضافوا: إن القرآن الذی جمعه علی (ع) لم یکن مورد اعتناء الصحابة و اهتمامهم.

و الواضح من الرأی الأوّل و الثانی إن جمع القرآن یستند إلى الله سبحانه، و إن مواضع السور و ترتیبها بهذا الشکل وضعت تحت رعایة الوحی الإلهی و فی أجوائه، لأن ما یتکلم به الرسول (ص)، و ما یأمر به بالنسبة لأمور الدین و ما یتعلق به، إنما یکون بتوجیه من الله سبحانه طبقاً للآیة الشریفة فی قوله تعالى: «وَ مَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْیٌ یُوحَى».[6]

و کذلک الأئمة المعصومون (ع)، فهم و إن لم یکونوا أنبیاء و لکنهم الاستمرار لمسیرة النبوة و حمل الرسالة و لهم منصب العصمة الإلهی، و من أصحاب العلم اللدنی.

و أما الذین یتبنون الرأی الثالث، فإنهم لیسوا عاجزین عن إثبات کون الأمرین الهیین و حسب - وجود السور و ترتیبها - و إنما هم فی واقع الأمر ینفون ذلک، کما أنهم یرون أن ذوق الصحابة و مزاجهم الشخصی له مدخلیة فی هذه القضیة.

و هنا نرى من الضروری الإشارة إلى بعض النقاط:

1- یقول العلامة الطباطبائی فی تفسیر الآیة الشریفة فی قوله تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»[7]: إن الخصوصیات التی ذکرت للقرآن الکریم کالفصاحة و البلاغة، و عدم وجود الاختلاف، و العجز عن الإتیان بمثله، جمیع هذه الممیزات موجودة فی القرآن المتداول بین أیدینا، و علیه فإن هذا القرآن الموجود بین أیدینا هو نفس القرآن الذی کان موجوداً على عهد رسول الله (ص).[8]

و هذا الکلام و إن کان ینفی التحریف عن القرآن الکریم، و لکنه لا یثبت أن هذه المجموعة رتبت و نظمت بأمر من الوحی و التوجیه الإلهی، کما هو ترتیب الآیات التی تشکل السورة الواحدة و ترتیب السور التی تشکل القرآن، کما هی علیه فی عهد رسول الله (ص).

2- إذا تمکن أحد أن یضیف الإعجاز العددی لأنواع الإعجاز المذکورة بالنسبة للقرآن الکریم، و ذلک الإعجاز بخصوص مورد المفردات و التراکیب القرآنیة فی البناء الداخلی للسور أو ترتیبها مع بعضها - بمعنى إیجاد علاقات عددیة خاصة بین آیات السورة و نفس السورة، بحیث تکون خارج نطاق قدرة البشر - فإنه یتمکن من إثبات کون الترتیب داخل السور و فیما بینها من قبل الوحی، و لکن على کل حال سوف یبقى إثبات کون ترتیب جمیع الآیات فی السورة الواحدة أمراً وحیاناً غیر ممکن.[9]

مصدر للمطالعة:

هادوی الطهرانی، مهدی، الأسس الکلامیة للاجتهاد.



[1] انظر: السید عبد الوهاب الطالقانی، علوم القرآن، ص83.

[2] انظر: السید محمد رضا الجلالی النائینی، تاریخ جمع القرآن الکریم، ص87.

[3] هذا الرأی تبناه الأکثریة من أهل السنة. المصدر السابق، ص19-51.

[4] انظر: السید عبد الوهاب الطالقانی، علوم القرآن، ص83؛ السید علی المیلانی التحقیق فی نفی التحریف عن القرآن الشریف، ص41-42 و ص46؛ محمد هادی معرفة، صیانة القرآن من التحریف، ص34.

[5] انظر: السید محمد رضا الجلالی النائینی، تاریخ جمع القرآن الکریم، ص80.

[6] «وَ مَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْیٌ یُوحَى»

[7] «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ». (الحجر: 9).

[8] انظر: العلامة الطباطبائی، المیزان، ج2، ص104 و 106 و 138.

[9] هادوی الطهرانی، مهدی، الأسس الکلامیة للاجتهاد، ص54-55، المؤسسة الثقافیة، بیت العقل، قم، الطبعة الأولى، 1377.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279471 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257339 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128200 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113315 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89031 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59883 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59591 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56883 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49823 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47192 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...