بحث متقدم
الزيارة
5840
محدثة عن: 2009/09/29
خلاصة السؤال
اذا أسر الکافر فلماذا یحکم على أولاده بالرقیّة؟
السؤال
لو قام الکافر بقتال المسلمین و وقع أسیرا بأیدیهم فتجری علیه أحکام الرقیّة و الاستعباد، و لکن الحکم برقیّة أولاده جیلا بعد جیل ـ حتى و لو أصبحوا مسلمین ـ أ ما ینافی الآیة الکریمة (و لا تزر وازرة وزر أخرى) و العدل الهی و حفظ الکرامة الانسانیة التی اهتم الاسلام بها کثیرا؟
الجواب الإجمالي

إن الرقیّة لا تنافی الکرامة الانسانیة، فکم من عبید نالوا على مقامات إنسانیة عالیة. و أما بقاء عنوان العبید على اولاد الکافر لیست عقوبة لهم حتى تنافی الآیة المذکورة أعلاه، بل هو لحرسهم و الحفاظ علیهم.

الجواب التفصيلي

للاجابة عن هذا السؤال، بدایة لابد أن نؤکد بأن نظرة الاسلام تجاه العبید لیست بالشکل الذی لا یتلائم الکرامة الانسانیة، بل الاسلام یفضل العبد المؤمن على الحر غیر المؤمن. و هذا التفضیل قد أثار عجب الناس آنذاک کما أشارت الیه الآیة القرآنیة[1].

و لهذا ما کان للمولى أن یتعامل مع عبیده کیفما شاء بل لابد أن یحترم کرامته الانسانیة مهما کانت الظروف، و على سبیل المثال یقول الامام الصادق(ع) فی هذا الصدد:لا ینبغی قذف المملوک، و قد جاء فیه تغلیظ و تشدید. سأل رجل من الانصار رسول الله (ص) عن إمراة له قذفت مملوکة لها، فقال رسول الله: قل لها فَلْتُصَبِّر لها نفسها و إلا اقیدت منها یوم القیامة[2].

و هناک روایات کثیرة تدل على هذا المعنى.

فکان تعامل المسلم الحقیقی آنذالک مع العبد ـ الذی شارک بنفسه فی القتال مع المسلمین و أصبح عبداً بعد أن وقع أسیراً بیدهم ـ تعاملاً إنسانیاً و إسلامیاً فضلا عن أولاده الذین لم یقاتلوا المسلمین.

اما بالنسبة الى جواب سؤالکم ـ لماذا الحکم برقیّة اولاد العبید ـ فنقول إن الحکم برقیّة اولاد العبید لیست عقوبة لهم حتى تنافی الآیة الکریمة التی احتججت بها، بل علینا أن نبحث عن بواعث هذا الموضوع فی عرف العلاقات القائمة فی ذلک العهد بین أفراد المجتمع. و بامکانک دراسة المسألة بمقارنة العلاقات الأسریة، فعندما یولد الطفل و یفتح عینیه على الحیاة یجد علاقة متقابلة مع أبویه، و علیه فإن الأولیاء یجب علیهم تحمل مسؤولیة حضانة و نمو و تربیة الولید، و على الولد أیضا أن یخضع لإدارة الأبوین و ولایتهم فی الاسرة، و على قدر الامکان یتبع توجیهاتهم ما دامت لا تخالف الأوامر الشرعیة.

و بهذا التوظیف، یقی النظام الاسری و الاجتماعی من الانهیار و من ولادة من لا قیم له و لا قدرة له على إدارة شؤونه، فوفقاً لهذا النظام تنتقل ولایة من فقد أبویه الى قرابته.

و کذلک الحال فی العبد، فمع أن الاسلام یسعى لاستئصال بیع و شراء العبید و وضَعَ طرقاً مختلفة لتحققه، لکن حتى الوصول إلى الغایة المتوخاة لابد من وجود نظام یحتضن و یتکفل العبد، و کما نعلم أن مسؤولیة ولایة العبد و رعایته کانت على عاتق مالکه, و لذلک کان للعبد صلة و علاقة اجتماعیة مع أسرة المالک و عشیرته و أقربائه الى حد تبقى ـ الصلة و العلاقة ـ بین العبد و بین سیده و عشیرة السد و لم تنقطع حتى بعد عتقه، فکان إمّا أن یصبح بمنزلة المولى أو یبقى تحت رعایة و حراسة المعتق و أسرته.

فمن الواضح، أن قطع هذا الارتباط و الإعلان عن إعتاق أولاد العبید أجمع، کان یسبب فقدان القیّم لعدد کبیر منهم؛ و ذلک لفقدان الأسرة و العشیرة التی تحمیهم و ترعاهم من جهة، و عدم إلزام مالک الأب بالاهتمام و الرعایة بشؤون الابن إذا لم تدر تلک الحمایة نفعا للمالک، من جهة أخرى.

و على هذا الأساس، لم یقبل الإسلام بهذا النمط من إعتاق أولاد العبید، بل استطاع أن یکافح ذلک بوضع أحکام الحمایة و أحکام العتق و الکفارات، مضافاً إلى أنه حث على عتق العبد فی حال عدم وجود کفارة تحرره من العبودیة، و جعله عتقاً یطلب به المعتق مرضاة الله فقط[3]. و بذلک انتهى الأمر شیئاً فشیئاً الى زمان قضى فیه الإسلام على بیع و شراء العبید من دون أیة ضرر اجتماعی یصیب شریحة العبید بل تأقلموا مع المجتمع الإسلامی و أصبحوا لا فرق بینهم و بین باقی أفراد المجتمع.

و قد استنتجنا هذه الإجابة من بعض الروایات، منها ما ورد عن محمد بن مسلم عن الإمام الباقر أو الصادق قال: سألته عن الصبی یعتقه الرجل؟ قال نعم قد أعتق علی (ع) ولدانا کثیرة[4].

کما شاهدتم إن مضمون هذه الروایة تدل على جواز عتق الصبیان من العبید و لکن من جهة أکدت على توفر شروط العتق، منها قدرة العبید على إدارة شؤونه بعد أن أصبح حرا.

و منها ما ورد عن علی بن جعفر عن أخیه أبی الحسن موسى (ع) قال: سألته عن رجل علیه عتق رقبة و أراد أن یعتق نسمة أیهما افضل أن یعتق شیخا کبیر او شابا أجرد؟ قال: أعتق من اغنى نفسه الشیخ الکبیر الضعیف أفضل من الشاب الاجرد[5].

فلننتبه أن الامام الکاظم(ع) اعتبر الملاک فی اختیار الشیخ الکبیر هی قدرته على دوام الحیاة المکرمة، و بتعبیر آخر استمرار رقیّة الشباب و الصبیان مع وجود الاهتمام و الاعتناء بشؤونهم أفضل من إخلاء سبیلهم و هم لا قدرة علیهم بتوفیق إمرار معیشتهم، مما یسبب انسیاقهم إلى ارتکاب الجرائم من قبیل السرقة و ...

و الثمرة التی نستخلصها مما طرح فی هذا البحث، هی ان الاسلام برغم تأکیده على القضاء على نظام بیع و شراء العبید، بحیث اشترى أمیر المؤمنین (ع) من کد یده ألف مملوک ثم اعتقهم[6]، لکن لیس من المعقول التخلص من هذا النظام باستعجال و من دون تدبیر لأن هذا الأمر یضر بالمالک و یلحق ضرراً اجتماعیاً بالعبد أیضا، و هذا هو المبرّر فی الحکم بالرقیّة على ذریة العبید، فالحکم شرّع للحفاظ علیهم من الضرر لا لأجل فرض عقوبة على الذین لم یصدر منهم ذنبً. و الشاهد على هذا، أنک ترى فی تأریخ الاسلام انه لم یبق من العبید على رقیته جیلا بعد جیل ـ کما عبرت أنت فی سؤالک ـ إلا القلیل بل و قد لا نجد منهم أحداً، لأنه کیفما کان إن عتق عبدٍ فی جیلٍ یوجب تلقائیا عتق ذریته فی الأجیال القادمة.

طبعاً ربما نجد شخصاً من أولاد العبید من دون واسطة بینهم، مع أن له القدرة على إدارة شؤونه لکنه ما زال باق على رقیته، و لکن یجب الالتفات إلى أن القوانین الموجودة فی الإسلام و المجتمع البشری عامة و شاملة، و لا نستطیع أن نلغی القوانین التی وضعت لمصلحة عامة المجتمع بسبب استثناء و هو بقاء عدد معدود من اولاد العبید على الرقیّة مع القدرة على إدارة شؤونهم.



[1]البقرة، 222.

[2]التمیمی المغربی، نعمان بن محمد، دعائم الاسلام، ج 2، ص 461 و 460، دار المعارف، مصر، 1385، هـ ق.

[3]البلد، 13.

[4]الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 23، ص 31، ح 29037، مؤسسة آل البیت، قم، 1409، هـ ق.

[5]نفس المصدر، ص32 و 31، ح 29038.

[6]نفس المصدر، ج 1، ص 88، ح 209.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279472 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257343 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128200 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113318 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89032 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59887 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59592 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56884 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49824 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47194 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...