بحث متقدم
الزيارة
6329
محدثة عن: 2009/10/20
خلاصة السؤال
هل أن الشذوذ الجنسی یمنع الإنسان من بلوغ الکمال المعنوی؟
السؤال
عندما کنت طفلاً تعرضت لتحرش جنسی «و لکن لیس إلى حد اللواط» و کنت خائفاً، و بعد سن 15 عام جرى بینی و ابن عمی حدیثٌ حول قضایا الجنس، و تولد بیننا علاقة «و لکن لیس إلی حد اللواط». و سؤالی هو: لماذا لم یساعدنی الله عندما کنت طفلاً حتى لا أکون تحت رحمة هؤلاء الناس؟ و هل أن الله یسمح بوقوع مثل هذه الأمور للصالحین «کأبناء الأئمة»؟ و بسبب ما حدث لی أصبحت الآن أمقت نفسی، و عاتب على الله تعالى! و الذی یؤذینی کثیراً أننی من عشاق علی (ع)، فکیف أنظر بوجه الإمام یوم القیامة؟، و لیس لی وجه یسمح لی بالحدیث مع الإمام، و هل یمکن لإنسان أغلق بوجهه طریق الکمال أن یتصل بالإمام (ع). أرجو الإجابة بالله علیکم.
الجواب الإجمالي

إن سنة الله فی هذا الکون هی إدارته بما فیه من مخلوقات عن طریق الأسباب و المسببات، و لم یتدخل الخالق مباشرةً فی منع الجرائم التی تحدث کالقتل و الظلم و مقارفة الذنوب. و إنما جعل الله لکل الموجودات و الأشخاص أحکاماً و واجبات، و لو أن الجمیع یعملون طبقاً لتکالیفهم و واجباتهم لما وقع الظلم.

و فی نظر الإسلام فإن الولد الذی یبلغ سن الخامسة عشر و البنت التی تبلغ التاسعة یکونان قد بلغا سن التکلیف، و قبل هذه السن لا یکتب علیهما ما یصدر من خطأ أو ذنب. و على هذا الأساس فإذا کان قد صدر عنک ذنبٌ أو خطأ فإنک لا تؤاخذ به لأنه واقعٌ فی مرحلة الطفولة، و کل ذلک یشمله عفو الله و رحمته، إضافة إلى أن الظاهر من سؤالکم أن ما وقع منکم کان من قبیل الإکراه و الإجبار، و معنى هذا أنه لم یکن ذنباً. و إذا ما بدأت حیاتک الآن بالعمل و السعی و التوکل على الله تعالى و الاقتداء بسیرة الأنبیاء و الأئمة المعصومین (ع) فإنک سوف تصل إلى درجات الکمال العلیا، و تکتسب قابلیة مجالسة الأئمة الطاهرین (ع) و منهم علی (ع).

کما أن هذا القلق و تأنیب الضمیر بسبب ما حدث لک یدل على طهارة نیتک، و إن الذنوب لم تلوث قلبک و لم تسوده، و هذا أمر فی غایة الأهمیة، و إذا ما استفاد منه الإنسان بشکلٍ صحیح فإنه یکون من أفضل أسباب الهدایة و النجاة.

أضف إلی ذلک أن زمن وقوع الذنب لیس مهما إذا أعقبته التوبة و قد وعد الله التائبین بحفظ ماء وجوههم فی الآخرة. فلا داعی للقلق من هذه الجهة.

و لک فی هذا الحدیث الذی رواه الکلینی فی الکافی بشارة سارة فقد روی ٍ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) یَقُولُ إِذَا تَابَ الْعَبْدُ تَوْبَةً نَصُوحاً أَحَبَّهُ اللَّهُ‏ فَسَتَرَ عَلَیْهِ فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ. فَقُلْتُ: وَ کَیْفَ یَسْتُرُ عَلَیْهِ؟ قَالَ: یُنْسِی مَلَکَیْهِ مَا کَتَبَا عَلَیْهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَ یُوحِی إِلَى جَوَارِحِهِ اکْتُمِی عَلَیْهِ ذُنُوبَهُ وَ یُوحِی إِلَى بِقَاعِ الْأَرْضِ اکْتُمِی مَا کَانَ یَعْمَلُ عَلَیْکِ مِنَ الذُّنُوبِ فَیَلْقَى اللَّهَ حِینَ یَلْقَاهُ وَ لَیْسَ شَیْ‏ءٌ یَشْهَدُ عَلَیْهِ بِشَیْ‏ءٍ مِنَ الذُّنُوبِ.

الجواب التفصيلي

إن الله یحب جمیع عباده، و خصوصاً الأطفال و الصبیان و الشباب منهم، و هو رحیمٌ بهم، و یتعامل دائماً مع أعمالهم و أقوالهم بلطفه و رحمته الواسعة التی لا حدود لها، کما أنه یصون ماء وجوههم أمام الجمیع حتى الملائکة و الأئمة، إلا أولئک الذی یتمادون و یسرفون فی ارتکاب المعاصی فیهلکون أنفسهم. و سن التکلیف فی نظر الإسلام بالنسبة للولد بلوغه 15 عاماً و للبنت بلوغها 9 أعوام و قبل هذا السن لا یکتب علیهم ما یأتون به من أخطاء و ذنوب. و على هذا الأساس إذا کان صدر منکم ذنب أو خطأ قبل هذا السن فإنه صادر فی زمن الطفولة التی یشملها الله بعفوه و رحمته، فلا موجب لجعل القلق و الاضطراب یسیطر على حیاتک. إضافة إلى أن ظاهر سؤالکم یدل على أن ما حدث کان بالإجبار و الإکراه. فلست مرتکباً ذنباً من هذه الجهة. و على أی حال فالأفضل أن لا تفشی ما وقع لک من حوادث أمام الآخرین، و إذا ابتدأت من الآن بالعمل و السعی فی طریق معرفة الإسلام و تحدید تکالیفک و واجباتک و العمل بها من خلال اختیار الصدیق المناسب و بالتوکل على الله و السیر على هدى أنبیاء الله و الأئمة المعصومین (ع)، فإنک سوف تصل إلى درجات الکمال العلیا. و سوف تکتسب قابلیة الإجتماع مع الأئمة الطاهرین(ع) و منهم علی(ع).

کما أن هذا القلق و تأنیب الضمیر بسبب ما حدث لک فی زمن الطفولة یدل على طهارة نیتک، و إن الذنوب لم تلوث قلبک و لم تسوده، و هذا أمر فی غایة الأهمیة، و إذا استفاد منه الإنسان بشکلٍ صحیح فإنه یکون من أفضل أسباب الهدایة و النجاة.

و من اللازم ذکره أن سنة الله فی إدارة هذا الکون و ما فیه من مخلوقات عن طریق الأسباب و المسببات، و لم یتدخل الله بشکلٍ مباشر فی منع وقوع الظلم على الإنسان البریء، أو یمنع وقوع الذنوب و المعاصی. و إنما جعل الله لجمیع الموجودات أحکاماً و واجبات، فإذا التزم الجمیع و عملوا بواجباتهم و تکالیفهم فلا یقع الظلم. فلو أن الآباء التزموا بواجبهم تجاه أبنائهم مثلاً، و اهتموا ب ت ربیتهم و توجیههم الوجهة الصحیحة و التزم الأولاد بما یقوله الآباء فإن أرضیة الظلم و الذنوب و الاشتباهات سوف تنحسر إلى أقل ما یمکن و قد تتلاشى و تضمحل. و على هذا الأساس فإن الله تعالى یکلف الإنسان عندما یهیء له الوسائل و الأسباب التی تجعل منه قادراً على أداء ما کلف به. و لا فرق فیه بین الناس العادیین و أبناء الأئمة من هذه الجهة. و لذلک نجد أن ابن نوح النبی أصابه العذاب مع الکفار و المنافقین عندما انحرف عن طریق الحق و ابتعد عن طریق الصواب. و على العکس من ذلک فکم من إنسان عادی اختار منهج الحق و الطریق المستقیم فبلغ أعلى مراتب الکمال.

و على أی حال لا بد من التوجه إلى أن العالم یسیر وفق نظام الأسباب و المسببات. و من الممکن أن یکون لبعض الظروف المحیطة و الأمور الخارجة عن اختیار الإنسان بعض التأثیر. و لکنها لا یمکن أن تسلب من الإنسان حق الاختیار و سلوک الطریق الصحیح. فبإمکان الإنسان أن یسیر فی طریق الهدایة رغم کل الظروف و الملابسات، و إذا ما أصر الإنسان فی مواجهة مثل هذه العقبات و تجاوزها فإنه سوف ینال الثواب مضاعفاً. و على هذا الأساس فإنک ترى نفسک من عشاق علی، فإذا ما اتخذته قدوة لک فی أعمالک و سیرتک بعد التوبة من کل الذنوب و المعاصی، فإن ذلک من أوثق العرى التی تحملک إلى أعلى درجات الکمال و السعادة الواقعیة. و لا تنسى اختیار الأصدقاء الذین یذکرونک بالله دائماً.

أضف إلی ذلک أن زمن وقوع الذنب لیس مهما إذا أعقبته التوبة و قد وعد الله التائبین بحفظ ماء وجوههم فی الآخرة. فلا داعی للقلق من هذه الجهة.

و ل ک فی هذا الحدیث الذی رواه الکلینی فی الکافی بشارة سارة فقد روی ٍ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) یَقُولُ إِذَا تَابَ الْعَبْدُ تَوْبَةً نَصُوحاً أَحَبَّهُ اللَّهُ‏ فَسَتَرَ عَلَیْهِ فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ. فَقُلْتُ: وَ کَیْفَ یَسْتُرُ عَلَیْهِ؟ قَالَ: یُنْسِی مَلَکَیْهِ مَا کَتَبَا عَلَیْهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَ یُوحِی إِلَى جَوَارِحِهِ اکْتُمِی عَلَیْهِ ذُنُوبَهُ وَ یُوحِی إِلَى بِقَاعِ الْأَرْضِ اکْتُمِی مَا کَانَ یَعْمَلُ عَلَیْکِ مِنَ الذُّنُوبِ فَیَلْقَى اللَّهَ حِینَ یَلْقَاهُ وَ لَیْسَ شَیْ‏ءٌ یَشْهَدُ عَلَیْهِ بِشَیْ‏ءٍ مِنَ الذُّنُوبِ . [1]

للاطلاع: راجع موضوع: طریق أحباء الله السؤال رقم 947 (الموقع: 1024) .



[1] الکلینی، الکافی، ج 2، ص 430-431، باب التوبة، الحدیث الاول.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279433 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257223 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128134 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113233 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88989 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59831 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59545 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56852 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49722 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47161 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...