بحث متقدم
الزيارة
6027
محدثة عن: 2009/10/28
خلاصة السؤال
هل أن السؤال فی یوم البعث عمومی؟ و بأی معنی یکون سؤال الأنبیاء فی ذلک الیوم؟
السؤال
ورد فی القرآن (فلنسألنّ الذین أرسل الیهم و لنسألنّ المرسلین) الأعراف: 6 و یقول فی موضع آخر (و لتسألنّ عما کنتم تعلمون) النحل: 93.
و حول هاتین الآیتین یتبادر للذهن سؤالان مهمّان:
1. یُفهم من هاتین الآیتین أن السؤال فی یوم القیامة عمومی و یشمل الأنبیاء أیضاً. فإذا کان الأمر کذلک فکیف یمکننا تفسیر الآیات و الأحادیث الدالّة علی دخول البعض الی الجنة أو جهنم من دون حساب؟
2. إذا کان بعض المؤمنین یدخلون الجنة من دون حساب، فهل ان الأنبیاء أقل منزلة من هؤلاء فی هذه الناحیة؟
الجواب الإجمالي

من المسائل المطروحة حول یوم القیامة فی النصوص الدینیة هو المساءلة فی هذا الیوم، و الذی یفهم من مجموع الآیات و الروایات هو أن السؤال و الجواب عمومی و شامل، حتی ان الأنبیاء الإلهییّن أیضاً لیسوا مستثنین منه. و لا شک ان اسئلة الله هذه لیست حقیقیة و استفهامیة و من أجل کشف الحقیقة، لأنه لا یخفی علی الله شیء، بل المقصود من هذه الأسئلة أغراض اخری مثل التهدید و اللوم و التعظیم و ... و مراحل و مواقف یوم القیامة مختلفة، و السؤال و الجواب هو فی بعض هذه المراحل فقط، و اما فی بعض المواقف الاخری فلا یسئل أی سؤال، و بعض آیات القرآن الکریم ناظرة الی هذه المراحل. و سؤال الله من الأنبیاء فی یوم القیامة هو من أجل تعظیمهم أو حول أداء الرسالة.

الجواب التفصيلي

من خصائص یوم القیامة التی وردت فی المصادر هو السؤال و الجواب فی ذلک الیوم، و یمکن تقسیم الآیات الموجودة فی هذا المجال الی طائفتین:

1. الآیات التی تتعرّض الی عمومیة المسألة و شمولیتها فی یوم القیامة، و فی هذا المجال یمکن ذکر الآیات التالیة:

(فلنسألنّ الذین أرسل الیهم و لنسألنّ المرسلین)[1]

(فو ربّک لنسألنّهم اجمعین عما کانوا یعملون).[2]

2. الآیات التی تقول ان المذنبین لا یسألون، یقول الله تعالی (فیومئذٍ لا یسأل عن ذنبه انس و لا جان).[3]

و حول هاتین الطائفتین من الآیات هناک سؤالان مهمّان:

1. کیف یرتفع التعارض و عدم الإنسجام بین هاتین الطائفتین من الآیات؟

2. ما هو معنی سؤال الأنبیاء؟

و قبل التعرّض للإجابة عن هذین السؤالین نقدّم مقدمة و هی ان السؤال و الإستفهام ینقسم الی قسمین:

الف. الحقیقی: تارة یکون الاستفهام حقیقیّاً، أی ان السائل یجهل أمراً من الامور فیسأل عنه لفرض الفهم مثل السؤال الذی سأله السحرة فرعون: (قالُوا إِنَّ لَنا لاجراً إن کنّا نحن الغالبین قالَ نَعَم‏).[4]

ب. المجازی: و اخری یکون الاستفهام مجازیّاً أی ان السائل لا یسأل لأجل الفهم بل لأغراض اخری مثل التهدید أو اللوم أو الإستهزاء أو التعظیم و .. و لکن ظاهر کلامه سؤال. و ربما کان عالماً بجواب سؤاله أیضاً، مثل قول الله تعالی فی مذمّة عبدة الأصنام: (أئفکا آلهة دون الله تریدون).[5]

و استفهامات الله هی من القسم الثانی، لأنه لا یخفی علی الله شیء فهو عالم بکل شیء و علیه فهو لا یسأل أبداً من أجل الفهم (وَ ما یَعْزُبُ عَنْ رَبِّکَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا فِی السَّماء ).[6]

و رغم ان کل أسئلة الله مجازیة و لکن لیست کلها من نوع واحد، فلها أقسام مختلفة، فهو یسأل أحیاناً لأخذ الإقرار و أحیاناً للنفی و أحیاناً بغرض اللوم و التأنیب و التعظیم و یسأل أحیاناً لأسباب اخری.

و السؤال فی یوم القیامة عمومی و لکن نوع الأسئلة مختلف، فبالرغم من ان جمیع أسئلة الله مجازیة و هو لا یسأل من أجل الفهم، و لکن الاسئلة المجازیة علی أنواع مختلفة فالسؤال من الناس لیس لکسب الاطلاع و کشف الحقیقة لأن الله یقول (یعرف المجرمون بسیماهم)[7] بل سؤال الله المجرمین سؤال توبیخی و بقصد مذمتهم و لومهم و انه مع وجود کل هذه الآیات و البیّنات لماذا عصیتم و تمردتم.

شمولیة السؤال و الجواب فی القیامة:

ان ما ورد فی بعض الآیات هو ان الله یدخل البعض الجنة أو جهنم من دون حساب و سؤال و جواب، و لکن قد ورد فی بعض آخر مثل الآیة 6 من سورة الاعراف من أن الجمیع یسألون و حتی أنبیاؤه لم یستثنهم أیضا. ففی الظاهر فإن هاتین الطائفتین متعارضتان و متنافیتان مع بعضهما. و قد ذکرت أجوبة لرفع التعارض الظاهری نتعرّض فیما یلی الی نموذجین من هذه الأجوبة:

1. کلما قیل ان الله لا یسأل، فالمراد هو السؤال الحقیقی، أی ان الله لا یسأل عباده من أجل معرفة محسنهم من مسیئهم، لأن الله بکل شیء علیم.[8] و الموارد التی یقول الله فیها ان الجمیع مسؤولون و مستجوبون فالمراد هو الاستفهام المجازی.

2. فی القیامة مواقف و مراحل مختلفة و فی بعض هذه المراحل لا یؤذن لأی أحد بالتکلّم و لیس فیها أی سؤال و جواب، و بعض الآیات فیها اشارة الی هذه المراحل، و لکن فی بعض المواقف و المراحل الاخری هناک سؤال و جواب، و بعض الآیات أیضاً ناظرة الی هذه المواقف.

سؤال الأنبیاء الإلهیین:

و هناک آراء مختلفة حول مراد الله من سؤال الأنبیاء:

1. یری البعض ان هذه الأسئلة لیست من أجل توبیخ الانبیاء بل هی لتوبیخ الکفّار.[9]

فهو یرید أن یفهم الکفّار بأنه مع أن الانبیاء قد أنذروکم من عواقب العصیان و الطغیان و أدّوا ما أوکله الله الیهم من المهام علی أحسن وجه، فلماذا عصیتم؟

2. و قال البعض أیضاً ان المراد من سؤال النبی هو ان یشهد النبی و یخبر عن الناس و موقفهم تجاه تبلیغ الرسالة الإلهیة من قبل النبی، و ما هو الجواب الذی أجابوه و کیف کان تصرّفهم معه.[10]

و قد نقل عن أمیر المؤمنین علی(ع) فی حیث قوله:" فیقام الرسل فیسألون عن تأدیة الرسالات التی حملوها الی امم فیخبرون أنهم قد أدّوا ذلک الی أممهم و تسأل الامم فیجحدون کما قال الله: فلنسئلن الذین أرسل الیهم و لنسئلن المرسلین َ

فیقولون ما جاءَنا مِنْ بَشِیرٍ وَ لا نَذِیرٍ فیستشهد الرسل رسول اللَّه فیشهد بصدق الرسل و یکذب من جحدها من الأمم ".[11]

3. و قال البعض أیضاً إن تعظیم الأنبیاء و تشریفهم هو بسبب هذا السؤال.[12] فبهذا السؤال تتضح عظمة الانبیاء للآخرین. فقد یسأل شخص أحیاناً أمام الآخرین لا بقصد الفهم بل لأجل الاشارة الی فضله.

4. لاستنطاق النبی أمام أمّته و بیان إدانة المذنبین کما قال الله: وَ إِذْ قالَ اللَّهُ یا عیسَى ابْنَ مَرْیَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونی‏ وَ أُمِّیَ إِلهَیْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَکَ ... .[13]



[1] الاعراف، 6.

[2] الحجر، 92و93.

[3] الرحمن، 39.

[4] الشعراء، 41.

[5] الصافات، 86.

[6] یونس، 61.

[7] الرحمن، 39.

[8] الطوسی، محمد بن الحسن، التبیان فی تفسیر القرآن، ج4، ص334، الطبعة الاولی، مکتب الاعلام الإسلاهی، 1409 هـ ق.

[9] الطبرسی، الفضل بن الحسن، مجمع البیان، ج4، ص 218، مؤسسة الاعلمی، بیروت 1415 هـ ق.

[10]الطبرسی، الفضل بن الحسن، جوامع الجامع، ج1، ص641، الطبعة الاولی، مؤسسة النشر الإسلامی، قم 1418 هـ ق.

[11] الفیض الکاشانی، تفسیر الصافی، ج2، ص180 و ج ‏1، ص 452، الطبعة الثانیة، مکتبة الصدر، طهران 1374هـ ش.

[12] الکاشانی، ملا فتح الله، تفسیر منهج الصادقین فی الزام المخالفین، ج4، ص5، الطبعة الثانیة، المکتبة الإسلامیة، طهران 1344هـ ش.

[13]المائدة، 116.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279422 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257171 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128118 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113186 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88976 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59797 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59519 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56845 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49697 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47148 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...