بحث متقدم
الزيارة
6191
محدثة عن: 2009/12/13
خلاصة السؤال
کیف تکون الأمور لو کانت الخلافة لأمیر المؤمنین(ع)؟
السؤال
ما الذی یحدث لو أن الخلافة کانت بید أمیر المؤمنین(ع)؟
الجواب الإجمالي

من المتیقن أن أهم ما یحصل أنه یکمل السیر على خطى رسول الله(ص) لینیر طریق الهدایة باتجاه الإسلام الصحیح، و الوصول إلى سعادة الدنیا و الآخرة. و هذا الطریق الواضح هو الذی عبر عنه الرسول الأکرم(ص) و علی (ع) بـ «المحجة البیضاء»، و حتى أولئک الذین ابعدوا الامام (ع) عن الخلافة یعترفون بهذه الواقعیة التی لا یمکن أن تنکر.

الجواب التفصيلي

لا یوجد هدف للصالحین و المتقین إلا إطاعة الله سبحانه و تحصیل رضاه، و هم مصداق للآیة الشریفة فی قوله تعالى: «الذین إن مکناهم فی الأرض اقاموا الصلاة و آتوا الزکاة و أمروا بالمعروف و نهوا عن المنکر و لله عاقبة الأمور»[1].

من أجل أن یتضح الجواب عن السؤال المتقدم یمکننا أن نستفید من الفرضیة التالیة: لو أن عمر النبی المبارک(ص) قد امتد إلى ثلاثین سنة أخرى، فکیف یمکننا أن نتصور ما تکون علیه الأوضاع فی العالم الإسلامی؟

و حیث إن النبی(ص) صرّح أن منزلة علی(ع) منه کمنزلة هارون(ع) من موسى(ع)[2]. و عندما یأتی التصریح فی القرآن الکریم بأن علیاً نفس رسول الله کما فی قوله «أنفسنا و انفسکم» فی آیة المباهلة[3] و قد أجمع المسلمون على أن مصادیق آیة المباهلة هم علی و فاطمة و الحسن و الحسین(ع)[4] فهذا یعنی جعل علی علیه السلام کنفس الرسول (ص).و هذا المعنى تکرر بصیغ مختلفة على لسان النبی(ص)، کما فی قوله «أنت منی و أنا منک»[5].

و على هذا الأساس فلا یمکن أن نتصور فی مسیرة أمیر المؤمنین التی امتدت لثلاثین عاماً بعد رسول الله إلا أن تکون استمراراً و إکمالاً لمسیرة النبی(ص)، و هذا الأمر محقق سواءً کان الإمام على کرسی الخلافة أم فی زاویة عزلته.

و لذلک فالجواب البسیط المختصر على هذا السؤال هو: لو أن الإمام کان الخلیفة بعد رسول الله(ص) مباشرة، لاستمر الخط الذی رسمه رسول الله و لسارت الأمور کما لو أن رسول الله کان موجوداً. و من جملة ما کان یتحقق سعیه لإبقاء طریق الهدایة واضحاً و میسراً لمن یرید السیر باتجاه السعادة و الفلاح، و یکون الوصول هذه الغایة المقدسة بأسرع وقت و أیسر سبیل.

هناک اصطلاح فی لغة العرب یطلق على الطریق الواضح و ذلک فی قولهم «المحجة البیضاء»، و قد خاطب النبی(ص) أصحابه فقال: «إن تستخلفوا علیاً ـ وما أراکم فاعلین ـ تجدوه هادیاً مهدیاً، یحملکم على المحجة البیضاء»[6]، و کذلک عبر أمیر المؤمنین بهذه العبارة عندما قسم ما فی بیت المال بالتساوی فبلغه اعتراضات بعض الصحابة فقال: «و الله إن بقیت و سلمت لهم لأقیمنهم على المحجة البیضاء»[7].

و أشار الإمام إلى نفس المفهوم عندما أعرض أهل الشورى عن اختیاره للخلافة فقال: «فلما لم یجدوا عندی إلا المحجة البیضاء و الحمل على کتاب الله عز و جل و وصیة الرسول (ص) أزالوها عنی»[8]. و من الطریف أن نعلم أن قضیة سیر الإمام على المحجة البیضاء لو کان الخلیفة بعد النبی، أمر اعترف به الخلفاء من قبله و لم ینکروا ذلک. یقول عمر بن الخطاب فی کلام خاص له مع ابن عباس: «إنهم إن یتبعوا علی بن أبی طالب لحملهم على المحجة البیضاء»[9].

و کذلک صرح به الخلیفة الثانی حینما اختار أفراد الشورى و شرع ببیان نواقص کل منهم، و وصف الإمام بالدعابة، و لکنه خاطب أمیر المؤمنین قائلاً: «و أما أنت یا علی فو الله لو وزن إیمانک بإیمان أهل الأرض لرجحهم، فقام علی مولیاً یخرج، فقال عمر: والله إنی لأعلم مکان رجل لو ولیتموه أمرکم لحملکم على المحجة البیضاء، قالوا: من هو؟ قال: هذا المولى من بینکم، قالوا: فما یمنعک من ذلک؟ قال: لیس إلى ذلک سبیل»[10].

و لعل افضل من اجاب عن السؤال المطروح هو السیدة الزهراء (س) فی خطبتها التی خطبتها فی المسجد حیث قالت: وَ مَا نَقَمُوا مِنْ أَبِی الْحَسَنِ نَقَمُوا وَ اللَّهِ مِنْهُ نَکِیرَ سَیْفِهِ وَ شِدَّةَ وَطْئِهِ وَ نَکَالَ وَقْعَتِهِ وَ تَنَمُّرَهُ فِی ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ اللَّهِ لَوْ تَکَافُّوا عَنْ زِمَامٍ نَبَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَیْهِ لَاعْتَلَقَهُ وَ لَسَارَ بِهِمْ سَیْراً سُجُحاً لَا یَکْلُمُ خِشَاشُهُ وَ لَا یُتَعْتِعُ رَاکِبَهُ وَ لَأَوْرَدَهُمْ مَنْهَلًا نَمِیراً فَضْفَاضاً تَطْفَحُ ضَفَّتَاهُ وَ لَأَصْدَرَهُمْ بِطَاناً قَدْ تَحَیَّرَ بِهِمُ الرَّیُّ غَیْرَ مُتَحَلٍّ مِنْهُ بِطَائِلٍ إِلَّا بِغَمْرِ الْمَاءِ وَ رَدْعِهِ شَرَرَهُ السَّاغِبَ وَ لَفُتِحَتْ عَلَیْهِمْ بَرَکَاتٌ مِنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْض‏.[11]

و على أساس ما تقدم من الروایات و الأخبار نقول: إن أهم ما کان یحصل على فرض استخلاف أمیر المؤمنین(ع) بعد النبی(ص) هو بقاء طریق الهدایة کما کان علیه من وضوح فی زمن رسول الله(ص)، حتى لا یبقى لأحد أی عذر أو ذریعة حینما یسلک طریق الانحراف و الضلال، و هذا ما عبر عنه أمیر المؤمنین: «لو ثنیت لی الوسادة لحکمت بین أهل القرآن بالقرآن حتى یزهر إلى الله، و لحکمت بین أهل التوراة بالتوراة حتى یزهر إلى الله، و لحکمت بین أهل الإنجیل بالإنجیل حتى یزهر إلى الله، و لحکمت بین أهل الزبور بالزبور حتى یزهر إلى الله»[12].

ما کان الإمام یعطی للخلافة و الحکومة لذاتها أی قیمة أو اعتبار. و إنما کان یرى أنها ذات فائدة و قیمة عندما تکون وسیلةً لإحقاق الحق و إبطال الباطل، و فی غیر ذلک فلیس للخلافة أی قیمة عنده، و لا تساوی قیمة نعل بالیة[13]، أو عفطة عنز[14]. و هذا ما کان یوصی به عماله مراراً و تکراراً حتى لا ینظروا إلى عملهم کطعمة و غنیمة ، و إنما هی أمانة الله فی أیدیهم فلیسیروا بها على أساس هذا الفهم[15]. و ما کان الإمام یعطی أهمیة إلى سعة الأراضی التی تضم إلى دولته و سلطته. و إنما کان کل همه أن یوجه الناس و یضعهم على طریق الهدایة الواضح الذی یوصلهم إلى الله. و هذا ما یمکن تأکیده من خلال کلامه و عمله فی مدة خلافته القصیرة، و مع أنه واجه الحروب المتعددة و المشاکل الکثیرة فی خلافته إلا أنها لم تکن مانعاً من وقوفه بوجه الانحرافات الفکریة و العلمیة، و تسلیط الضوء علیها. و من الطریف أن أهم المناطق التی انضمت إلى حوزة الإسلام فی زمن الخلفاء السابقین له هی العراق و إیران و الشام و مصر، و هذه الأقطار إما شیعیة فی وقتنا الحاضر و إما من محبی علی و أهل بیته. و هذا یعنی أن علیاً استحوذ حبه على قلوب هؤلاء الناس من دون أن یکون له نفوذ مباشر علیهم، فکان ذلک مصداقاً للآیة الشریفة فی قوله تعالى: «إن الذین آمنوا و عملوا الصالحات سیجعل لهم الرحمن ودا»[16].

و أخیراً فهذا السؤال یمکن أن یکون ناشئاً عن شبهة کان یثیرها أعداء أمیر المؤمنین(ع).و مفادها أن جمیع الفتوحات الإسلامیة کانت فی زمن الخلفاء و أما زمن علی فقد کان ملیئاً بالحروب و المشاکل الداخلیة.

و هنا لا بد من القول:

1ـ أن الحرب الداخلیة بدأت فی حصار الخلیفة الثالث و مقتله، و هذه الحادثة هی السبب الأول لجمیع الحروب التی وقعت فی زمن الإمام علی(ع).

2ـ لو أن الإمام(ع) ترک التصدی للناکثین و القاسطین و المارقین و انشغل بالفتوحات و التوسع لما بقی من الإسلام الحقیقی شیءٌ یذکر و لأصبح الإسلام مجرد غطاء و وسیلة لمطامع طلاب الدنیا و أهل المنافع و المطامع.



[1]الحج، 41،.

[2]صحیح البخاری، ج4، ص 208، دار الفکر، بیروت 1401 ق.

[3]آل عمران، 61، «فمن حاجک من بعد ما جاءک من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءکم و نساءنا و نساءکم و أنفسنا و أنفسکم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الکاذبین».

[4]صحیح مسلم، ج7، ص 121 ـ 120، دار الفکر، بیروت.

[5]صحیح البخاری، ج4، ص 207.

[6]المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 35، ص 398، نقلاً عن الحافظ أبو نعیم، أحد المؤلفین ن أهل السنة، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ق.

[7]ابن أبی الحدید، شرح نهج البلاغة، ج7، ص 37، مکتبة آیة الله مرعشی، قم 1404 ق.

[8]المجلسی،محمد باقر، بحار الأنوار، ج31، ص 347.

[9]المصدر نفسه، ص417.

[10]ابن أبی الحدید، شرح نهج البلاغة، ج 12، ص 260 ـ 259.

[11]بحار الأنوار، ج43، ص 158.

[12]المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 26، ص 182، ح 8، (و هنالک عشرات الروایات مضامین متشابهة فی کتب مختلفة).

[13]نهج البلاغة، ص 76، خطبة 33، منشورات دار الهجرة، قم.

[14]المصدر نفسه، ص 49، خطبة 3.

[15]المصدر، ص 366، رسالة 5.

[16]مریم، 96.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257244 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128140 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113244 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88996 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59835 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59551 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56855 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49733 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47164 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...