بحث متقدم
الزيارة
8660
محدثة عن: 2009/12/15
خلاصة السؤال
هناک آیة فی القرآن تنهی عن تهمة النساء العفیفات. کیف تنسجم هذه الآیة مع عقائد الشیعة حول عائشة؟
السؤال
هناک آیة فی القرآن تنهی عن تهمة النساء العفیفات و هی نازلة فی عائشة! فهذه الآیة تعتبر هذه المرأة مؤمنة! فکیف تنسجم هذه الآیة مع عقائد الشیعة حول عائشة؟
الجواب الإجمالي

أشاع المنافقون و بعض الأشخاص الآخرین ً بعد تخلّف عائشة عن القافلة، وجاء بها احد الاشخاص بعد ان رآها لوحدها قالوا من غیر الممکن ان ینفرد رجل بامراة شابة من دون ان یمارس معها الفاحشة و قد عرفت فیما بعد بحادثة "الافک". و قد کذّب الله هذه الاشاعة بإنزال آیات فیها، و الشیعة الذین لم یکن لهم أی دور فی إنتشار هذه الإشاعة لا یقبلون مثل هذه التهمة أیضاً. و لکن لهم انتقادات اخری علی عائشة لیست لها علاقة بموضوع "الافک"، بل انتقاداتهم هی علی موارد من قبیل أذائها للنبی(ص) حیث تعرّضت سورة التحریم بصراحة لهذا الموضوع و أشار إلیه المفسّرون و المؤرّخون من أهل السنة أیضاً. و کذلک قضایا اخری من قبیل دورها فی قتل الخلیفة الثالث ثم إشعال نار حرب الجمل الدامیة ضد أمیر المؤمنین(ع)، هی من جملة الموارد التی تثیر أسئلة کثیرة لدی المسلمین و حتی اولئک الذین کانوا معاصرین لها، و لم تجد تلک الأسئلة الی الآن أجوبة مناسبة لها من قبل ا لمدافعین عن السیدة عائشة.

الجواب التفصيلي

للبحث حول سؤالکم یجب التعرّض لمواضیع مختلفة و تحلیلها و بعد ذلک لنصل إلی الجواب الدقیق و المناسب. و هذه المواضیع هی عبارة عن:

1. اشارة الی الآیة التی قصدتموها و عن أی موضوع تتحدّث؟

2. ما هو المراد من کلمة "مؤمن" فی القرآن، و هل أنه لو ذکر شخص فی القرآن بهذا الوصف فإنه یتحوّل الی شخصیة اسطوریة و غیر قابلة للنقد؟

3. الی أی حدّ یمکن للرجال أن یؤثّروا فی حیاة أزواجهم، و هل أن الاقتران بالأنبیاء یمکنه أن یوجد حصانة تامة للنساء اللواتی یتمتّعن بهذا الامتیاز؟

4. ما هی عقیدتنا حول عائشة و ما هی انتقاداتنا علیها؟

و نتعرض فیما یلی الی البحث عن هذه الموارد بالترتیب:

1. یحتمل کثیراً أن الآیة التی تقصدونها هی الآیة 23 من سورة النور النازلة مع الآیات المتعلّقة بقضیة الافک و هی: "إن الذین یرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا فی الدنیا و الآخرة و لهم عذاب عظیم".

2. و یری بعض المفسّرین أن هذه الآیة تتحدّث حول کل شخص یتهم زوراً سیدة مؤمنة بارتکاب عمل قبیح، و یبدو أن مثل هذا التفسیر هو الأنسب لسیاق الآیة. و یری البعض الآخر إنها تختص بنساء النبی(ص). و فسّر فریق منهم أیضاً الآیة بأنها خاصة بحادثة الافک و فی خصوص عائشة[1]. و جمیع هذه التفاسیر تنتهی الی نتیجة واحدة عملاً و هی قبح إتهام الآخرین بلا دلیل مقنع، لأنه لا معنی لأن یکون إتهام عائشة قبیحاً و إتهام الاخرین لا بأس به! و بناء علی هذا فنفترض أن تفسیرک للآیة صحیح و أن هذه الآیة مختصة بحادثة الافک و شخص عائشة! و لکن ما هی حادثة الافک؟

3. و الأفضل أن نستمع الی الحادثة من لسان عائشة نفسها التی نقلت هذه الواقعة بالتفصیل و لکن خلاصتها ما یلی: "کان رسول الله (ص) إذا أراد أن یخرج الی سفر أقرع بین أزواجه فأیتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله(ص) معه فأقرع بیننا فی غزوة غزاها فخرج سهمی فخرجت مع رسول الله(ص) بعد ما نزل الحجاب و أنا أحمل فی هودجی و أنزل فیه فسرنا حتی إذا فرغ رسول الله(ص) من غزوته تلک و قفل. دنونا من المدینة قافلین آذن لیلة بالرحیل فقمت حین آذنوا بالرحیل فمشیت حتی جاوزت الجیش فلما قضیت شأنی أقبلت الی رحلی فإذا عقد لی من جزع ظفار قد انقطع فالتمست عقدی و حبسنی ابتغاؤه و أقبل الرهط الذین کانوا یحملون هودجی فرحلوه علی بعیری الذی کنت أرکب و هم یحسبون أنی فیه ... فبعثوا الجمل فساروا فوجدت عقدی بعد ما استمر الجیش فجئت منازلهم و لیس بها داع و لا مجیب فتیممت منزلی الذی کنت به فظننت أنهم سیفقدونی فیرجعون إلیّ... و کان صفوان بن المعطل السلمی ثم الذکرانی من وراء الجیش فأدلج فأصبح عند منزلی ... فانطلق یقود بی الراحلة حتی أتینا الجیش بعد أن نزلوا موغرین فی نحر الظهیرة فهلک فیّ من هلک ... و فی الختام فقد نزلت آیة الافک فثبتت براءتی ... .[2]

و لنر الآن من هم الذین کان لهم الدور الأکبر فی الترکیز علی هذه الإشاعة؟

أن المتحصّل من الروایات التاریخیّة هو أن عبد الله ابن ابیّ و حسّان بن ثابت و مسطح بن اثاثة کانوا علی رأس المثیرین لهذه الإشاعة.[3] و لکن ما هی المنزلة الإجتماعیة التی کان یتمتع بها هؤلاء؟ هذا هو السؤال الذی تسهم الاجابة علیه فی تکوین صورة صحیحة عن الواقعة:

الف: عبد الله ابن أبیّ: و قد کان من المنافقین المعروفین البارزین و کان یستغلّ الفرص للکید بالنبی (ص). و من الطبیعی أن یسعی لإستغلال هذه الحادثة فی سبیل مآربه.

ب: حسّان بن ثابت: و هو الشاعر الذی کانت له أشعار جمیلة حول مختلف الحوادث فی عصر النبی(ص) و لکن بالرغم من ذلک فإن الشیعة ینتقدونه علی مواقفه اللاحقة و وقوفه فی الجهة المقابلة للخط الفکری لأمیر المؤمنین(ع). و کان حسّان من الأشخاص الذین لهم أشعار مختلفة فی الدفاع عن الخلیفة الأول و حتی فی مدح عائشة و لکنه فی هذه الحادثة کان من المثیرین لهذه الإشاعة أیضاً! و بعد سنوات من ارتحال النبی(ص)، طلب حسّان فی قصیدة له أن تسمح له عائشة بلقائها فأنبتّه عائشة بصراحة بسبب اشتراکه فی اتهامها فی حادثة "الافک".[4]

ج: مسطح بن اثاثة: و هذا الشخص کان ابن خالة أبی بکر، و کان ابوبکر یساعده مالیّاً بسبب فقره. و یری مفسّروا أهل السنة أن أبابکر قطع عنه هذه المساعدة بعد حادثة الافک و اتهامه لابنته، و لکن نزلت آیة حول تخطئة مثل هذا السلوک، فاستأنف آبوبکر مساعدته.[5]

و قد نقل جمیع مفسّری الشیعة تقریباً حادثة الافک مثلما وردت فی کتب أهل السنة و رأوا أن آیة الافک واردة فی ذلک.[6] و هناک مفسّرون قلیلون لم یروا أن هذه الآیة مرتبطة بعائشة بل ترتبط بماریة، و لکنهم أقلّیة.[7] کانت هذه خلاصة لحادثة الافک التی نزلت الآیة التی تقصدونها فیها.

2. و الأمر الآخر هو إننا نفترض أن الآیة التی قصدتموها صریحة فی إیمان عائشة، و لکن السؤال هو: هل أن أی شخص یصفه القرآن فی مناسبة بأنه مؤمن یکون ذلک ضمانة له فی أن یبقی مؤمناً الی آخر عمره، أو أنه یجب أن تعتبر جمیع تصرّفاته قبل ذلک و بعده و حتی فی غیر المورد الذی ذکر فی الآیة غیر قابلة للانتقاد؟

نحن لا نوافق علی مثل هذا التفسیر، و ذلک لأنه توجد فی القرآن موارد تذکر أن بعض المؤمنین قد عادوا الی الکفر مرة اخری حتی إن کفرهم صار أشد من کفر باقی الکفّار أیضاً.[8] و کذلک فإن الله تعالی قد خاطب فی القرآن أفراداً مؤمنین لمرّات عدیدة و فی الوقت ذاته وجّه إلیهم أشدّ اللوم و التهدید.[9] و قد ارتکب نفس هذا الخطأ بعض إخواننا السنة فیما یتعلّق بصحابة النبی(ص) الکبار، -استناداً الی بعض آیات القرآن الکریم التی تعلن رضا الله عن الصحابة فی مرحلة زمانیة خاصة – فجعلوا للصحابة مقاماً لا یسمح بأی انتقاد یوجّه إلیهم، و یرون أنه بالرغم من أن کثیراً من الصحابة قد حارب بعضهم البعض جرت بینهم الدماء و لکن لا یحقّ لباقی المسلمین أن یتحدثوا حول ذلک و یبدوا رأیهم فیه بل علیهم أن یعتقدوا أن الصحابی القاتل علی حق و الصحابی المقتول أیضاً و کذلک الصحابی المعتزل! و یمکنکم مراجعة الأسئلة 3499 و 3517 أیضاً فی هذا المجال.

و النتیجة هی أنه حتی لو افترضنا أن المراد بالمؤمنات فی الآیة التی تقصدونها هو السیدة عائشة، فإنه لا یمکن اعتبارها شخصیة غیر قابلة للانتقاد عن طریق التمسّک بهذه الآیة.

3. ربما یظن أن کون عائشة زوجة للنبی(ص) یمنعنا من توجیه أی انتقاد لها! و فی الجواب عن ذلک نقول: إن مراجعة النصوص الدینیة و علی رأسها القرآن الکریم تقودنا الی العلم بأن السیّدات لهن شخصیة مستقلّة، و علیهن تقع مسؤولیة تعیین مصیرهن الحسن أو السیء.

و مع ذلک فإذا أردنا أن نقیّم السیدات بما یرتبط بأزواجهن فیمکننا تقسیمهن الی خمسة فرق:

1-3: الفریق الأول: و هو عبارة عن السیدات اللواتی یتصفن هن و أزواجهن بالإیمان بالله و یعملن بأوامره تعالی. و من الطبیعی أن یکون هذا التفاهم هو أفضل وضع ممکن، فإن الناس المؤمنین یطلبون فی أدعیتهم مثل هذا التوفیق و السعادة من الله و یقولون: "ربنا هب لنا من أزواجنا و ذریّاتنا قرة أعین و اجعلنا للمتّقین إماما"[10] و یمکننا أن نعتبر أمثال النبی(ص) و ام المؤمنین خدیجة(ع) و کذلک أمیر المؤمنین(ع) و سیدة نساء العالمین فاطمة(س)، نماذج بارزة لهذا الفریق.

2-3. الفریق الثانی: النساء الخبیثات الظالمات اللواتی یسعین مع أزواجهن الکفرة لمواجهة الأنبیاء و أولیاء الله.

و بخلاف الفریق السابق فإن مثل هؤلاء الأزواج فی أخس و أرذل المنازل و الدرجات! و قد ذکر القرآن الکریم نموذجاً لمثل هذه الموارد فی سورة المسد، فهو من خلال ذمّه و تقریعه لأبی لهب –الذی کان یتعرّض للنبی(ص) بالأذی و الاضرار بالرغم من قرابته معه- یذمّ زوجته امّ جمیل أیضاً و هی أخت أبی سفیان عدوّ الإسلام اللدود.[11]

3-3. و هناک نساء و رغم عدم توفّر ظروف الزواج لهن و حیاة العزوبة، لکنهن مؤمنات و عفیفات الی درجة بحیث صرن مورداً للعنایة الإلهیة الخاصة. فقد تحدّث القرآن الکریم عن السیدة مریم(ع) التی هی من هذا الفریق و ذکرها باجلال لمرّات عدیدة،[12]

حتی أن سورة من القرآن سمیت باسمها، أنها السیدة التی تنازع أهل الورع و التقوی علی کفالتها و حمایتها بسبب منزلتها الخاصة عند الله.[13]

و زکریا و هو ذلک النبی الإلهی و بعد أن شاهد العنایات الخاصة الإلهیة بهذه السیدة العظیمة توجّه الی الله بالدعاء و مع کونه شیخاً کبیراً و کون زوجته عاقراً طلب من الله ولداً و استجیبت له هذه الدعوة![14]

4-3. بمطالعة التاریخ نجد سیّدات بالرغم من اقترانهن بازواج کفرة و ظلمة، فإنهن بقین علی إیمانهن و تحمّلن المشاقّ الکبیرة فی مقاومة أزواجهن الظلمة، و یکمننا أن نذکر فی هذا المجال "آسیة" زوجة فرعون کنموذج مناسب لهذه السیدات. فهی التی لاقت الاذی و الآلام بعد ذلک من قبل فرعون حیث طلبت من الله الموت و الشهادة و قد نالت مبتغاها، و قد جعلها القرآن الکریم مثلاً و نموذجاً لجمیع المؤمنین (نساء و رجالاً) تخلیداً لهذه الشجاعة و الشهامة.[15]

5-3. و فی النقطة المقابلة تماماً للفریق السابق نجد نساء حصلن علی امتیاز کبیر فصرن زوجات للأنبیاء الإلهیین، و لکن و مع شدید الأسف فبدیلاً من أن یشکرن هذه النعمة الکبیرة و یکنّ عوناً لهم، قمن بالتآمر علیهم و توجیه الاذی و الإضرار لهم و کنّ یتحرّکن عملیاً فی الجانب المقابل لتوجّهات اولئک الأنبیاء العظام.

و من تلک النساء الخبیثات زوجة النبی نوح(ع)، فإنه بعد بدء الطوفان أمر الله نوحاً(ع) بأن یحمل فی السفینة من کل حیوان زوجین و لکنه منعه من أصطحاب زوجته و أحد أبنائه الذین لم یکونا مؤمنین به.[16]

و زوجة لوط(ع) أیضاً؛ فقد ابتلت بمصیر مشؤوم بسبب معارضتها لأوامر هذا النبی الإلهی فقد شملها العذاب مع باقی الکفّار.[17]

و قد اعتبر الله فی اواخر سورة التحریم هاتین الامرأتین نموذجاً للکفر بالنعمة حیث إنهنّ رغم زواجهن بأناس صالحین و جیّدین، الا انّهن ارتکبن الخیانة تجاههم، فلم تکن العلاقة الزوجیة مع الأنبیاء نافعة لهن فقیل لهن ادخلن النار مع باقی الکفار.[18]

و من الطریف أن تعلموا أن بدایة سورة التحریم و هی السورة القصیرة نسبیاً و التی تشیر الی مصیر زوجتی نوح و لوط، قد وبّّخت بشدّة زوجتی النبی(ص) بسبب سلوکهما المشین و المؤذی للنبی [19] و قد وصفتا للمجتمع الإسلامی بأن قلبیهما قد صدأ.[20]

و بغض النظر عن ماهیة هذا الاذی و الضرر، فإنه لا تردید بین المؤرخین و المفسّرین المعتمدین من الشیعة و السنة بأن زوجتی النبی(ص) هاتین هما عبارة عن عائشة بنت الخلیفة الأول و حفصة بنت الخلیفة الثانی!

و ان کنتم فی شک من  ذلک و ظننتم انه من المختلقات و الاساطیر الشیعیة، فلا بأس بأن تلاحظوا أهم کتب أهل السنة و سوف ترون أنهم یؤیّدون هذا الموضوع و لا یعرفون مصداقاً لهذه الآیات غیر عائشة و حفصة! و سنکتفی هنا بروایتین فقط من صحیح البخاری و صحیح مسلم کنموذج علی ذلک:

الف: یروی ابن عباس و یقول سألت الخلیفة الثانی عمر بن الخطّاب: من المرأتان اللتان تظاهرتا علی رسول الله(ص)؟ فما أتممت کلامی حتی قال: عائشة و حفصة.[21]

ب: و فی مورد آخر ینقل ابن عباس و یقول: "لم أزل حریصا أن أسال عمر عن المرأتین من أزواج النبی اللتین قال الله "أن تتوبا فقد صغت قلوبکم" حتی حجّ عمر و حججت معه فلما کان ببعض الطریق عدل عمر و عدلت معه بالاداوة فتبرّز ثم أتی فصببت علی یدیه فتوضأ، فقلت: یا أمیر المؤمنین من المرأتان من أزواج النبی(ص) اللتان قال الله "إن تتوبا الی الله فقد صغت قلوبکما" فقال: و أعجب لک یا بن عباس هما عائشة و حفصة![22]

و هنا یطرح السؤال التالی نفسه: ما هو السبب الذی من أجله ذکر الله تعالی بعد الآیات التی وبّخ فیها عائشة و حفصة بسبب آذاهما للنبی(ص) و فی السورة نفسها بعد فاصلة قصیرة مصیر امرأتین کانتا أیضاً کهاتین المرأتین کل منهما زوجة أحد الأنبیاء و لکن لم ینفعهما ذلک شیئاً؟

و بناء علی هذا فلا یصحّ اعتبار زوجات الأنبیاء غیر قابلات للنقد بشکل مطلق.

و بعد هذا الذی ذکرنا، یمکننا التعرّف علی منزلة عائشة فی رأی الشیعة و نوضح أن لها منزلتین فی رؤیتنا:

المنزلة الاولی: نحن بالرغم من جمیع اعتراضاتنا علیها، و لکن بسبب کونها إحدی زوجات نبیّنا اللواتی سمّاهنّ القرآن امّهات المؤمنین[23] فنری احترامها لازماً و نقتدی بمولانا أمیر المؤمنین علی(ع) الذی عاملها باحترام بعد انتصاره فی حرب الجمل و طلبها العفو و أعادها الی المدینة بصحبة و حمایة أربعین من النساء المسلحات[24]

و کذلک لا نقبل کباقی المسلمین التهمة الباطلة الموجهة الی عائشة فی حادثة الإفک و کما صرّحت بعض المصادر الشیعیة أیضاً فإن إرتکاب مثل هذه المعاصی لا یمکن صدوره من زوجة أی نبی و نعتقد أن ما ذکره القرآن و سمّاه خیانة هو بمعنی التمرّد علی باقی ألاوامر الإلهیة[25] و لا نرتضی أساساً أن نتهجّم علی کل من خالفنا بالتهم الباطلة، و نعتبر مثل هذا السلوک مخالفاً للعدالة طبقاً للنص القرآنی الصریح، لأن القرآن یأمرنا بأن لا یؤدّی إنتقادنا و خلافنا مع جماعة الی خروجنا عن مسیر العدالة[26].

المنزلة الثانیة: نعلم أن اطاعة الامّهات هی بالمقدار الذی حدّده الله تعالی. فلسنا مکلّفین بالطاعة الکاملة العمیاء[27] و للأسف فإن زوجة النبی(ص) هذه و أم المؤمنین قد ارتکبت بعض التصرّفات التی أثارت انتقاد الشیعة و حتی البعض من منصفی أهل السنة، و نشیر فیما یلی الی موردین مهمّین منها و نغضّ الطرف عن بقیّة الموارد:

المورد الأول: إن السیدة عائشة و فی طیلة حیاتها المشترکة مع النبی(ص) قد تسبّبت فی أذاه لمرّات عدیدة، و کما شاهدنا فی القسم الثالث من الجواب فقد نزلت آیات من القرآن الکریم فی توبیخها هی و زوجة اخری من زوجات النبی(ص).

المورد الثانی: إنها کانت من أهم الأشخاص المحرّضین علی أول حرب داخلیة و منظّمة بین المسلمین و لم تلتزم بوصایا النبی(ص) لها[28].

حیث إنها: فی زمان خلافة الخلیفة الثالث و حینما اشتدّت الاعتراضات الشعبیّة علی عمل بعض ولاته، کانت السیدة عائشة من الأشخاص الذین حرّضوا علیه بشدّة و قامت بتشبیه عثمان بشخص یهودی اسمه نعثل و حرّضت الناس علی قتله و تهتف بکل صراحة: "اقتلوا نعثلاً". و لکنها حینما اشتدّت الثورة غادرت المدینة متوجّهة الی مکة و کانت تظنّ أنه بمجرّد عزل عثمان عن الخلافة فإن قریبها طلحة و هو أیضاً أحد قادة التمرّد سیکون هو الخلیفة! و فی الطریق الی مکة وصل خبر مقتل عثمان ففرحت بذلک و سألت فوراً الشخص الذی جاء بالخبر عن الخلیفة بعد عثمان، و حینما سمعت بخبر خلافة أمیر المؤمنین علی (ع) غیّرت موقفها فجأة و أظهرت الأسف علی قتل عثمان! و قد أثار تغییر الموقف هذا تعجّب المخبر الذی جاءها بالخبر و سألها: ألم تکونی أنتِ من المحرّضین علی عثمان؟ فلمّاذا تغیّر موقفک؟ و لأجل أن تزیل عائشة هذا الانتقاد و من دون أن تنکر دورها فی ذلک التمرّد أجابت: نعم أنا کنت منذ البدایة من المعارضین لعثمان و لکن الناس استتابوه فلما تاب قتلوه! ثم رفعت شعار الثار لعثمان و هیأت مقدّمات حرب الجمل الدامیة.[29]

و ما ذکرنا هنا هو بعض الامور المنقولة عن مصادر أهل السنة و التی لا یمکن إنکارها و هناک أیضاً مواضیع کثیرة اخری فی تلک الکتب و فی کتب الشیعة أیضاً یمکن لکل منها أن یفتح المجال لانتقاد آخر و نحن نغضّ النظر عنها.

و هنا نسأل أیضا:

علی أی أساس و مبنی لا یجوز لنا انتقاد امرأة کان لها امتیاز أنها کانت زوجة لأعظم شخص فی عالم البشریة، و لکنها بسبب أذاها له أوجبت نزول آیات محدّدة، و إضافة الی ذلک کان لها دور رئیسی فی اشعال أول الحروب الداخلیة بین المسلمین، حیث کان لها دور فی قتل الخلیفة الثالث، و بمخالفتها لوصایا رسول الله(ص) و تحذیره لها و إشعال نار حرب الجمل قامت بسفک دماء الآلاف من أبنائها علی الأرض من دون الحصول علی أیة نتیجة. فإذا لم یجز انتقادها بسبب کونها زوجة للنبی! فلماذا اعتبر الله فی سورة التحریم نساء بعض الأنبیاء مستحقّات للنار بسبب سلوکهن الشائن؟ و لماذا خاطب نساء رسول الله(ص) بقوله:"یا نساء النبی من یأت منکنّ بفاحشة مبینة یضاعف لها العذاب ضعفین".[30] و هل هناک فاحشة أکبر و أوضح من اعلان الحرب ضدّ أخ النبی(ص) و وصیه و قتل عشرات الآلاف من الناس بذریعة الثأر لشخص کان لها الدور الأساسی فی اهدار دمه؟



[1] القرطبی، محمد بن أحمد، الجامع لأحکام القرآن، ج 13، ص 209، منشورات ناصر خسرو، طهران 1364، هـش.

[2] صحیح البخاری، ج3، ص154-155، دار الفکر، بیروت، 1401 هـ.ق.

[3] صحیح البخاری، ج6، ص 13.

[4] صحیح البخاری، ج5، ص61.

[5] الطبری، ابو جعفر،جامع البیان فی تفسیر القرآن، ج 18، ص 82، ذیل الآیة 22 من سورة النور، دار المعرفة، بیروت 1412، هـ ق.

[6] لاحظ: الطبرسی، الفضل بن الحسن، جوامع الجامع، ج 3، ص 98، منشورات جامعة طهران 1377، هـ ش؛ الطوسی، محمد بن الحسن، التبیان فی تفسیر القران، ج 7، ص 415، دار احیاء التراث العربی، بیروت.

[7] علی بن ابراهیم، تفسیر القمی، ج 2، ص 99، مؤسسة دار الکتاب، قم 1404، هـ ق.

[8] النساء، 137 ؛ المنافقون، 3، المائدة، 54 و ... .

[9] التوبة، 38؛ المائدة، 51؛ الاحزاب، 69؛ الحجرات، 1-2؛ الممتحنة، 1؛ الصف، 2؛ المنافقون، 9؛ الانفال، 5 و ... .

[10] الفرقان، 74، (ربنا هب لنا من أزواجنا و ذریاتنا قرة اعین و اجعلنا للمتّقین إماما).

[11] المسد، 1-5 (تبت یدا أبی لهب و تبّ ... و امرأته حمالة الحطب).

[12] التحریم، 12؛ آل عمران، 42-43 و ... .

[13] آل عمران، 44 ( و ما کنت لدیهم إذ یلقون اقلامهم ایهم یکفل مریم).

[14] آل عمران، 37-40 (... هنالک دعا زکریا ربه ...).

[15] التحریم، 11 (و ضرب الله مثلاً للذین آمنوا امرأت فرعون إذا قالت رب ...).

[16] هود، 40 (قلنا احمل فیها من کل زوجین اثنین و اهلک الا من سبق علیه القول).

[17] هود، 81 ( ... الا امرأتک إنه مصیبها ما أصابهم ... ).

[18] التحریم، 10 (ضرب الله مثلاً للذین کفروا امرأت نوح و امرأت لوط کانتا تحت عبدین من عبادنا صالحین فخانتاهما ...).

[19] راجع التفصیل الکامل لهذه الحادثة فی التفاسیر المعتبرة لأهل السنة و الشیعة فی ذیل سورة التحریم.

[20] التحریم، 4-6 (أن تتوبا الی الله فقد صغت قلوبکما و أن تظاهرا علیه فإن الله هو مولاه و جبریل و صالح المؤمنین و الملائکة بعد ذلک ظهیر).

[21] صحیح البخاری، ج6، ص 70.

[22] صحیح البخاری، ج6، ص 147-148؛ صحیح مسلم، ج4، ص 192، دار الفکر، بیروت.

[23] الاحزاب، 6 (و ازواجه امّهاتکم).

[24] الشیخ المفید، الجمل، 415، مؤتمر الشیخ المفید، قم 1413 هـ ق.

[25] المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 11، ص 308، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ ق.

[26] المائدة، 8 (و لا یجرمنّکم شنأن قوم علی الا تعدلوا ...).

[27] العنکبوت، 8 ؛ لقمان، 15(و إن جاهداک علی أن تشرک بی ما لیس لک به علم فلا تطعهما).

[28] ابن کثیر الدمشقی، البدایة و النهایة، ج6، ص 212، دار الفکر، بیروت 1407 هـ ق.

[29] تاریخ الطبری، ج4، ص 458 -459 ، دار التراث، بیروت، الطبعة الثانیة، 1387 هـ ق.

[30] الاحزاب، 30 (یا نساء النبی من یات منکن بفاحشة مبینة یضاعف لها العذاب ضعفین).

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279455 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257309 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128179 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113289 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89013 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59866 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59573 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56873 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49795 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47180 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...