بحث متقدم
الزيارة
5738
محدثة عن: 2010/01/25
خلاصة السؤال
کیف تفسّر و توجّه الشطحیات فی کلمات العرفاء؟
السؤال
کیف توجّه کلمات العرفاء و مدّعی وحدة الوجود و أشعارهم المشهورة؟
اولئک الذین یدعون الوصول الی الاؤلوهیة کمن قال: إذا رجعت الی نفسک فقد وصلت الی الله. أو القائل: أنا أقول لنفسی: إیاک نعبد و إیاک نستعین، إنهم لم یکونوا قادرین حتی أن یخلّصوا أنفسهم من الموت لقد قال النبی إبراهیم(ع) للشخص الذی ادّعی الالوهیة (إن الله یأتی بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب)، و نحن لا نطلب من هؤلاء ما طلبه النبی إبراهیم(ع) من نمرود أی بأن یغیّروا جهة حرکة الأرض الوضعیة، و لکن هل یستطیعوا أن یشرحوا لنا بطریقة علمیة و یوضّحوا کیفیة عمل خلیة واحدة –التی لو لا العلوم الغربیّة لما علمنا بها أیضاً- حیث إنهم هم الله أو هم محیطون بکل شیء! و علیه فیجب أن یکون علمهم فی حدّ الکمال.
و حین یرید هؤلاء التقریب بین الخالق و المخلوق فهم إما أن ینزلوا الخالق الی أسفل درجات المخلوق کذلک الذی سجد لکلب و قال: "لم أر شیئاً غیر الله، و إما إن یرتقوا بأنفسهم الی مستوی الخالق کذاک الذی قال:"یقولون بأنه لا یمکن الوصول الی کنه ذات الحق، و أنا وصلت الی أن کنه ذاته هو أنا" أو القائل "لیس فی جبتی غیر الله".
الجواب الإجمالي

إن المعنی الحقیقی لوحدة الوجود هو أن الوجود حقیقة واحدة و ازلیة و أنها لیست سوی الله، و لا وجود حقیقی لغیره و أن کل ما یظهر للبصر هو فی الحقیقة مظاهر متنوعة لتلک الحقیقة التی تجلّت بصورة الأشیاء، و إن کل هذه هی تجلّیات لذلک الوجود الحقیقی الواحد. و لیس معنی ذلک أن وجود الکثرات و الممکنات هو عین وجود الله، أو إن الله قد حلّ فی هذه الممکنات، بل نسبة هذه الکثرات الی الله کنسبة الظل الی ذی الظل. و أما الموارد التی اشیر الیها فی السؤال. و من جانب آخر فإنه لا ینبغی المساواة بین العرفاء الحقیقییّن الذین یؤمنون بالتوحید الصمدی القرآنی و بین جهلة الصوفیة و الذین لا شیء لدیهم سوی الادّعاء و قد رفضهم الأئمة المعصومون.

الجواب التفصيلي

نوضح الجواب علی شکل نقاط:

الف: الشطحیات فی کلام المعتقدین بوحدة الوجود:

"الشطح" اصطلاحاً هو الکلام الذی یصدر من العرفاء حین الوجد و الذهول عن النفس و الذی ربما کان مخالفاً فی الظاهر للعقل أو الشرع أو العرف.

و مثل هذه الکلمات فی شعر العارفین هی نتیجة لمحاولة بیان تجارب لا یمکن التحدّث بها. و مثال هذه الشطحیات: نفس الموارد التی أشیر الیها فی السؤال، و هناک موارد کثیرة اخری أیضاً کقول منصور الحلّاج: أنا الله أو لیس فی باطنی غیر الله و ... [1] .

ب: توجیه هذه الکلمات التی هی فی الظاهر باطلة:

إن مثل هذه الکلمات صحیحة علی أساس اصول العرفان النظری و العملی، لأن العارف و فی طریقة الوصول الی الله و طیّه للمنازل المتنوعة و عبوره الحجب الظلمانیة و النورانیة یصل شیئاً فشیئاً الی محلّ لا یری فیه غیر الوحدة فیؤدی ذلک الی أن یصبح وجوده الهیاً فلا یری شیئاً سوی الله و بسبب کونه فانیاً فی الله فإنه یتکلم  و یحکی عن انغماسه فی وجود الحق.

و بالطبع فإن العارف إذا لم یصل الی هذا المقام لا یجوز أن یتلفّظ بهذه الکلمات، و بناء علی هذا فمن یرید التلفظ بهذه الکلمات من دون أن یصل الی هذا المقام فإنه سوف لا یحصل الّا علی ظلمة الباطن. [2]

ج:الفرق بین جهلة الصوفیة و العرفاء الحقیقییّن:

إن جهلة الصوفیة لا یؤیّدهم أی من العرفاء الحقیقییّن الذین یؤمنون بالتوحید الصمدی القرآنی. و قد وردت روایات کثیرة فی رفض و ذم هذا الصنف من الصوفیة حاصلها إن الأئمة المعصومین(ع) کانوا یرفضون هؤلاء، و من تلک الروایات.

ما روی عن رسول الله(ص) إنه قال:

"یا أباذر یکون فی آخر الزمان قوم یلبسون الصوف فی صیفهم و شتائهم یرون أن لهم الفضل بذلک علی غیرهم، اولئک تلعنهم ملائکة السماوات و الأرض". [3]

النتیجة: من جمیع ما تقدّم اتّضح بجلاء أن المعنی الحقیقی لوحدة الوجود یختلف عما وقع مورداً للإنتقاد من قبل البعض، لأن معناها الصحیح هو أن هذه الکثرات تجلیات و ظهورات للحقّ، و لیس إنها هی نفس الحق. بل هی مثل الظل و صاحب الظل، و بفهم هذا المعنی و ادراکه –و لیس هو بالأمر الهیّن- یتضح الجواب عن هذا الإشکال و هو أنه إذا تلفظ عارف بهذه الشطحیات کالموارد المذکورة فی السؤال فلیس ذلک أمراً لا بأس به و حسب بل هو یحکی عن مقام ذلک العارف –إن کان حقیقیّاً طبعاً- و بناء علی هذا فلا ینبغی لنا فی هذه الموارد أن نبحث عن المعنی الظاهری لمثل هذه الکلمات بل یجب أن یکون النظر الی فهم معانیها الحقیقیة و الباطنیة، و معناها الحقیقی هو الوصول الی مقام الفناء للعارف.

و لتوضیح أکثر یمکنکم مراجعة الکتب التالیة:

1- الوحدة فی نظر العارف و الحکیم، العلامة حسن زادة الآملی.

2- قاموس الاصطلاحات العرفانیة، السید جعفر السجادی.

3- العرفان و المتشبّهون بالعرفاء، ترجمة محسن بیدار فر.

المواضیع المرتبطة:

1- وحدة الوجود، السؤال 6715 (الموقع: 7373) .

2- وحدة الوجود و سبب معارضة الفقهاء و المتکلّمین لها، السؤال 1031 (الموقع: 1088) .



[1] الیثربی، یحیی، العرفان النظری، ص 513، الطبعة الأولی، قم، مکتب الإعلام الإسلامی، 1372 هـ ش.

[2] الآشتیانی، السید جلال الدین، شرح مقدمة القیصری، ص 3890، الطبعة الثالثة، قم، مکتب الإعلام الإسلامی، 1372 هـ ش.

[3] المجلسی، بحارالأنوار، ج 74، ص 92، مؤسسة الوفاء بیروت – لبنان، 1404 قمرى‏.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279360 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    256924 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128057 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    112891 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88920 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59630 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59357 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56813 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49394 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47111 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...