بحث متقدم
الزيارة
6627
محدثة عن: 2006/11/22
خلاصة السؤال
هل تحجیز الشریعة الإسلامية السياقة للنساء؟ و لماذا يمنع هذا الأمر في دولة اسلامية كالسعودية؟
السؤال
هل تحجیز الشریعة الإسلامية السياقة للنساء؟ و إذا جاز ذلک فلماذا يمنع هذا الأمر في دولة اسلامية كالسعودية؟
الجواب الإجمالي

بيان حكم سياقة النساء يحتاج إلى بيان قوانين و أصول أخرى؛ لانه لم يرد في الكتاب و السنة حكم مباشر لسياقة النساء نفياً او اثباتاً فهو من المسائل الجديدة (المستحدثة). لكن علماء السعودية الذين أفتوا بحرمة سياقة النساء استندوا للمسألة على مجموعة من الأدلة جميعها قابل للمناقشة و لا تنسجم مع العقل. أما علماء الشيعة فقد أفتوا جميعهم بجوازه مع رعاية الحجاب و الأحكام الإسلامية الأخرى إستناداً لاطلاقات الآيات و الروايات و لعدم وجود دليل خاص يمنع من ذلك و يحرمة. كذلك أفتى جمع من علماء أهل السنة في باقي الدول العربية الإسلامية بجواز سياقة النساء و إباحة ذلك.

الجواب التفصيلي

قد تُستحدث مسائل و مواضيع جديدة في المجتمع لم يرد لها حكم في الشرع الإسلامي و حينئذ يجب استنباط حكمها عن طريق الإجتهاد و استعمال قواعد و أصول أخرى. و سياقة النساء من هذا القبيل.

لكن علماء السعودية الذين أفتوا بحرمة سياقة النساء استندوا للمسألة على مجموعة من الأدلة جميعها قابل للمناقشة و لا تنسجم مع العقل.

فقد جاء في استفتاء لعبد العزيز بن باز فيما يخص سياقة النساء، قوله: "لا شك في عدم جوازها لأن سياقة النساء تستدعي مفاسد كثيرة يجب الوقوف أمامها شرعاً"[1]

كذلك افتى محمد بن صالح العثيمين في هذا المجال: "لا تجوز لتوفرها على مفاسد كثيرة"[2] فقد جعل سبب حرمة سياقة النساء المفاسد التي تترتب عليها كما يظن العثيمين منها: نزع الحجاب، إزالة الحياء، كثرة الخروج من البيت، التمرد على أهل البيت أو الزوج، ازدحام الشوارع و الطرق، حرمان بعض الشباب من السياقة.[3]

فكما تلاحظون بأنه قد جعل لسياقة النساء ملازمات حتمية و رتّب عليها الحكم بالحرمة. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل تصدق كل هذه الملازمات على النساء المسلمات المؤمنات اللاتي يرغبن في السياقة؟ أو لا يمكن سياقة النساء بدون أيّ من هذه الأمور غير اللائقة؟

ففي المجتمع الإسلامي في إيران و منذ سنين طويلة يمارس كثير من النساء المؤمنات المسلمات السياقة بدون ترتبّ حتى مسألة واحدة من هذه المسائل، أيّ قد ثبت عملياً إمكان السياقة للنساء مع الحفاظ على الحياء و العفة و الحجاب و عدم ترتب الفساد على ذلك. فقد يظهر أن مفتي السعودية قد خلطوا بين مسائل شتى. فهل يحرم كثرة الخروج من البيت إذا كان بإذن من الزوج و مع الالتزام بمقررات الشريعة الإسلامية؟

و متى صارت السياقة سبباً لتمرّد المرأة و عصيانها؟ كيف يمكن ذلك؟ نعم، قد يحصل ذلك في حالة او حالتين أو أكثر أن تتمرّد المرأة التي تمارس السياقة، و لكن هذا الحالة ليست عامة و لا شاملة. فلا يمكن ان تعدد مبررا لتحريم ذلك على المرأة المؤمنة المحجبة التي تراعي كل المسائل الشرعية. و من قال ان ازدحام الشوارع محرم شرعا و يمكن أن يكون سبباً لحرمة السياقة على المرأة؟! فلو ثبت أن الرجال كانوا سبباً لإزدحام الشوارع فهل يحرم ذلك؟ و هل يكون دليلاً شرعياً على منعهم من السياقة؟ و هل تكون سياقة المرأة ـ على هذا الأساس ـ في المدن الصغيرة و القرى و الشوارع الخالية جائزة و لا إشكال فيها؟

يضاف الى ذلك أن عمل بعض الدول لا يعد مصداقاً لرأي الشريعة الإسلامية، فلا يمكن القول بحتمية جواز أمر ما، ليس إلا لأن الدولة (الإسلامية) الفلانية قد أجازته، أو القول بحرمته لأنها منعته، فالجواز و عدمه يحتاج إلى دليل شرعي موثق.

أما علماء الشيعة فقد أفتوا بجواز سياقة النساء اذا اقترن مع الحجاب الكامل و رعاية كل الأحكام و الموازين الإسلامية[4] استناداً إلى عدة أمور منها: لا يحق لأي أحد و بدون دليل شرعي موثق أن يحرم الحلال أو يحلل الحرام و كذلك لو شُك في شيء بأنه حرام، فالأصل في ذلك حليته. و هذا ما نراه في النساء المؤمنات العفيفات في ايران فكثير منهن يمارسن السياقة بدون أيّ مشكلة و مع حفظ جميع الأحكام الإسلامية.

كذلك نجد في كثير من الدول العربية الإسلامية غير السعوديةالنساء يمارسن السياقة من دون أي مانع، و قد انتقد جمع من علمائهم حكم علماء السعودية و لم يقبلوا به.[5]

 


[1]  الأدلة المختلف فيها عند الأصولين و تطبيقاتها المعاصرة، دكتر مصلح بن عبد الحي النجار (استاذ كلية الرياض)، ص 144، فوائد و فتاوي، عبد الله بن عبد الرحمن، ص 164، فتاوي المرأة، خالد الجريسي، ص 8.

[2]  نفس المصدر، ص 147.

[3]  نفس المصدر.

[4]  توضيح المسائل، المراجع، ج 2، ص 931، استفتائات الإمام الخميني (ره)، ج 3، ص 358، الأسئلة 35 ـ 41.

[5]  راجعوا: الأدلة المختلف فيها عند الأصولين و ...، قسم سدّ الذرائع، ص 144.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257230 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128138 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113237 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88993 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59834 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59548 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49726 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47163 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...