بحث متقدم
الزيارة
5548
محدثة عن: 2010/01/23
خلاصة السؤال
لماذا نری جمیع أنبیاء الأدیان الإبراهیمیة الذین یثنی علیهم القرآن کلهم من قوم بنی إسرائیل؟
السؤال
لماذا نری جمیع أنبیاء الأدیان الإبراهیمیة الذین یثنی علیهم القرآن کلهم من قوم بنی إسرائیل؟و لماذا اختار الله هؤلاء الأنبیاء من هذه الطائفة؟
الجواب الإجمالي

إن القرآن یثنی علی جمیع الأنبیاء الإلهییّن بسبب هدفهم المشترک، سواء الذین نقلت قصصهم فی هذا الکتاب السماوی أو الأنبیاء الذین لم تذکر فیه أسماؤهم، و لیس جمیع الأنبیاء المذکورین فی القرآن و حتی أتباع الدین الإبراهیمی هم من بنی إسرائیل بل کان فیهم أنبیاء مثل لوط و شعیب أیضاً و لم یکونوا من هذه الطائفة.

و من جانب آخر فبالرغم من أن الله قد اعتنی بطوائف من الناس و اختار منهم أنبیاء و أولیاء و لکن من المتیقّن وجود أدلّة حکیمة لهذا الانتخاب و قد ذکر الله بعضها لنا و احتفظ بالبعض الآخر عنده أیضاً.

الجواب التفصيلي

للإجابة عن هذا السؤال من الضروری الالتفات الی عدة ملاحظات و هی:

1- طبقاً للروایات فإن هناک عشرات الآلاف من الأنبیاء قد کلّفوا من قبل الله بالتبلیغ و هدایة الناس و تشیر أکثر المصادر الی أن عددهم هو 124000 نبی. [1] و قد ذکر القرآن أیضاً إنه و بغضّ النظر عن التفاضل الحاصل بین عدد من الأنبیاء وتفضیل بعضهم علی بعض [2] ، و لکن مع ذلک لانفرق بینهم  بملاحظة وحدة رسالتهم و أنهم کانوا جمیعا یدعون الناس الی هدف واحد. [3]

و من جانب آخر فقد أخبر الله نبیّه بأنه مع وجود قصص کثیرة عن الأنبیاء السابقین فی القرآن و لکن لم تنقل قصص کثیر من الأنبیاء أیضاً. [4] و هذا أمر طبیعی أیضاً فإن ذکر أسماء جمیع الأنبیاء وحده یستغرق مقدار کل کلمات القرآن، فضلاً عن التعرض لقصصهم أیضاً.

و علی هذا الأساس و بالالتفات الی کونهم جمیعاً مشترکین فی الرسالة فإنه یکفی فی غرض القرآن الکریم من نقل قصص الماضین أن تذکر عدة نماذج و کان من الأفضل و الأنسب أن تکون هذه النماذج المختارة سهلة الوصول و التناول.

و لو کان القرآن الکریم یذکر أسماء أنبیاء من الهند و الصین و قارة أمریکا و اوروبا، لتمکن المخاطبون الذین کانوا بنکرون الحقائق المسلمة أحیاناً أن یدّعوا بسهولة کذب ذلک و کونه لیس قابلاً للإثبات، و أما قصص الأنبیاء؛ مثل یوسف و موسی و عیسی(ع) فإنه لم یکن إنکارها بالأمر الهین، لأن العالم المتحضّر فی ذلک الزمان کان علی علم اجمالاً بقصص هؤلاء و لهذا کان بإمکان المخاطبین الاوائل للقرآن أن یحقّقوا فی هذا المجال، حتی أن القرآن نفسه کان یدعوهم الی هذا البحث و التنقیب أیضاً. [5]

و بناء علی هذا فإن ذکر أسماء بعض الأنبیاء فی القرآن حتی و إن کان أکثرهم من بنی إسرائیل لا یدلّ علی أن باقی الأنبیاء هم لیسوا مورداً لتأیید القرآن، بل اختیار هؤلاء یشابه ذکر بعض نعم الجنة مثل الأنهار من الماء و العسل و الشراب [6] ، أو الفرش و البسط و الأرائک المتنوعة. [7] و هی التی ورد التصریح بها فی القرآن، و لکن لیس معنی ذلک عدم وجود نعم اخری فی الجنة بل أن فیها کل ما یشتهی و یطلب [8] ، و تعطی لهم نعم أکبر إضافة الی ما یطلبون. [9]

2- إنه و طبقاً لعقیدة المسلمین عموماً و الشیعة بشکل خاص، فإنه لا یجوز الاعتراض علی الله بأنه لماذا رجّح فریقاً علی فریق آخر و کمثال علی ذلک، اختیار أکثر الأنبیاء من بنی إسرائیل و اختیار أئمة الشیعة من أهل بیت النبی(ص)، فإن الله یذکر فی القرآن إنه فضّل بعض الاسر الأصیلة علی باقی الناس و یقول:"إن الله اصطفی آدم و نوحاً و آل إبراهیم و آل عمران علی العالمین" [10] . و اما ما هو سبب هذا الاختیار؟ فذلک أمر لا یمکن أن یکون صدفة و اتفاقاً نظراً لکون الله حکیماً و عادلاً، بل لذلک حتماً أسباب ذکر بعضها لنا و خفی بعضها عنا. و من الأسباب التی تبرّر استمرار سلسلة النبوة فی اسرة إبراهیم(ع) هو مکافئته علی تضحیته فی سبیل الدین الإلهی و استجابة لدعائه حیث طلب ذلک. [11]

و کانت استجابة الله له بأن وهب له ولدین: اسحاق و اسماعیل و جعلهما نبیّین و جعل أکثر الأنبیاء من نسل اسحاق حتی ظهور النبی الأخیر، و اختار النبی الخاتم الذی سیستمر دینه الی قیام الساعة من سلالة اسماعیل. و بناء علی هذا فلا یصح لنا الاعتراض علی کون أکثر الأنبیاء هم من نسل إبراهیم(ع) [12] و لماذا کان أکثر أتباع الأدیان الإبراهیمیة هم من بنی إسرائیل فکذلک نؤمن بأن استمرار نسل الإمامة من ولد الإمام الحسین(ع) و عدم وجود إمام من نسل الإمام الحسن(ع) هو أیضاً من التدابیر الإلهیة التی یجب التسلیم أمامها.

3- و مع أنه یمکن القول تقریباً بأنه لا شک فی أن أکثر الأنبیاء الذین بعثوا بعد إبراهیم کانوا من ولد یعقوب(ع) أو بنی إسرائیل، و لکن اشیر فی القرآن الکریم الی أنبیاء آخرین أیضاً لم یکونوا من القوم و الجماعة، و کمثال علی ذلک:

1-3. أنبیاء قبل إبراهیم(ع) مثل آدم و نوح و هود و إدریس و مع أن سؤالکم لا یرتبط بهم اذ لیس هؤلاء من أنبیاء الأدیان الإبراهیمیة، و لکن القرآن تعرض لذکر قصصهم.

2-3. لا شک أن إسماعیل(ع) [13] و هو ابن إبراهیم(ع) بلا فصل و قد ذکر اسمه اثنا عشر مرة صریحاً فی القرآن، و لوط (ع) أیضاً و هو النبی المعاصر له و قد ذکر 27 مرة فی هذا الکتاب السماوی [14] کان من جملة الأنبیاء الذین کان لهم دین إبراهیمی و لکنهم لیسوا من بنی إسرائیل.

3-3. النبی شعیب(ع) و هو النبی الذی لجأ إلیه موسی(ع) بعد فراره من فرعون و تزوّج ابنته، لم یکن من بنی إسرائیل، بل کان من أحفاد إبراهیم فقد ولد من نسل ولد له یسمی "مدین بن إبراهیم" [15] و النبی ایوب(ع) أیضاً طبقاً لبعض الروایات لم یکن من هذه المجموعة. [16]

4-3. و الأهمّ من کل ذلک إن نفس النبی الأکرم(ص) الذی یعتبره القرآن من أفضل دعاة الدین الإبراهیمی [17] لیس من بنی اسرائیل بل هو من ولد إسماعیل.

و فی الختام ینبغی أن نقول: إن الأنبیاء الذین وردت اسماؤهم فی القرآن و حتی الذین جاؤا بعد إبراهیم(ع) لم یکونوا منحصرین فی بنی إسرائیل، و إذا وجد مثل هذا الانحصار فحیث إن مضمون رسالة جمیع الأنبیاء واحد فذلک لا یضر بهدف القرآن فی هدایة الناس.



[1] الشیخ الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج 4، ص 180، ح 5407، منشورات جامعة المدرسین، قم 1413 ق.

[2] البقرة، 253 (تلک الرسل فضلّنا بعضهم علی بعض).

[3] آل عمران، 84؛ البقرة، 136 و 285 (لا نفرّق بین أحد من رسله).

[4] غافر، 78 (و لقد أرسلنا رسلاً من قبلک منهم من قصصنا علیک و منهم من لم نقصص علیک).

[5] النحل، 43؛ الأنبیاء، 7 (فسألوا أهل الذکر إن کنتم لا تعلمون). و فیما یتعلّق بالامور المذکورة یمکنکم الحصول علی معلومات أکثر عن طریق مطالعة الجواب 2313 (الموقع: 3141) أیضاً.

[6] محمد(ص)، 15 (مثل الجنة التی وعد المتّقون فیها أنهار من ماء غیر آسن و أنهار من لبن لم یتغیّر طعمه و أنهار من خمر لذًة للشاربین ...).

[7] الغاشیة، 12-16.

[8] الزخرف، 71؛ فصّلت، 31 (... لکم فیها ما تشتهی أنفسکم و لکم فیها ما تدّعون).

[9] ق، 35 (لهم ما یشاؤن فیها و لدینا مزید).

[10] آل عمران، 33 (إن الله اصطفی آدم و نوحاً و آل إبراهیم و آل عمران علی العالمین).

[11] البقرة، 124 (قال إنّی جاعلک للناس إماماً قال و من ذرّیتی ...)؛ إبراهیم، 40 (رب اجعلنی مقیم الصلاة و من ذریتی).

[12] النساء، 54 (أم یحسدون الناس علی ما اتاهم الله من فضله فقد آتینا آل إبراهیم الکتاب و الحکمة و ...).

[13] البقرة، 125، 133، 136، 140 و ...

[14] الأنعام، 86؛ الاعراف، 80؛ هود، 77 و ...

[15] المجلسی، محمد باقر، بحارالانوار، ج 12، ص 375-376 (نقلاً عن مجمع الببیان للطبرسی) مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ق.

[16] بحارالانوار، ج 12، ص 384، ح 9.

[17] آل عمران، 68 (إن اولی الناس بإبراهیم الذین اتبعوه و هذا النبی و ...).

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279471 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257336 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128200 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113314 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89028 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59880 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59591 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56883 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49822 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47192 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...