بحث متقدم
الزيارة
8847
محدثة عن: 2008/07/21
خلاصة السؤال
ما هو الهدف من خلق الله الإنسان و إیجاده؟
السؤال
لماذا خُلق الإنسان؟ الإنسان الذی لم یکن مجیؤه إلى الدنیا باختیاره و لا رحلیه عنها، ما هو تکلیفه فی هذه الدنیا؟
الجواب الإجمالي

ألف. إن خالقیة الله سبحانه اقتضت أن یخلق الاشیاء.

ب. إن نظام الخلق نظامٌ حکیم و هادف.

ج. إن العلة الغائیة و الهدف النهائی لخلق الکائنات و إیجاد الموجودات هو الإنسان، لأن کل شیء خلق لأجله، و إنه أحسن المخلوقین کما أنه ربه أحسن الخالقین.

هـ . و أیاً کان الهدف من خلق الإنسان فالنتیجة و المحصلة تکون لصالحه و لیس لصالح الخالق فإنه غنی مطلق.

د. إن غایة الغایات و الهدف الأساسی من خلق الإنسان بلوغه مرتبة الکمال و السعادة الواقعیة و ارتقاؤه إلى مقام الإنسانیة الشامخ و سلوکه الطریق إلى عالم الملکوت، و کل ذلک فی سیاق المعرفة و العبودیة الواعیة لله سبحانه، و لا یتیسر إلا بذلک.

الجواب التفصيلي

إن کون الله فیاضاً دون انقطاع من المسائل الثابتة عن طریق کل اسم من أسمائه و صفة من صفاته سواء المتعلقة منها بالذات و التی هی عین ذاته بمقتضى بساطة الواجب تعالى کالعلم و القدرة، و القیومیة، و المالکیة و الحاکمیة، أو تلک المتعلقة بأفعاله و التی عرفت بصفات الفعل مثل الربوبیة و الرازقیة و الخالقیة و إرادة الله و رحمته و کل صفاته الثبوتیة، و من بین هذه الصفات صفة الخالقیة فهو لا ینفک سبحانه عن الخلق المستمر المتجدد: «کل یوم هو فی شأن».[1] و الأمر الآخر الجدیر بالالتفات و التوجه هو أن الله حکیم و الحکیم لا یصدر منه عمل عبثی و غیر هادف، و إن نظام الخلق نظامٌ هادف أشید على أساس الأهداف العالیة لذات الباری تعالى و لا وجود لأی خلل أو انحراف أو اعوجاج فی هذا المجال، و إن ذرات العالم کلها تنطق بلسان صریح و إن لم یکن لها لسان:

لا وجود لأی اختلاف فی دائرة أی نقطة

و أنا أرى أن هذه المسألة مسلمةٌ لا خلاف فیها.

و بحسب منطق الآیات القرآنیة، فإن خالق الموجودات و الأشیاء لم یخلقها باطلاً و لا لعباً، و إنما محور الخلق الأساسی هو الحق و إن الهدفیة من صفات هذا النظام الأحسن و حتى فی أصغر أجزائه، فإنها لا تخلو من الغایة و المقاصد العالیة، و لا توجد ذرة فی الکون معطلة و لیس لها دور أو عمل تؤدیه فی سیاق هذا النظام المتکامل الموحد: (لا یوجد شیء فی هذا النسیج من دون عمل).

و من اللازم ألا تغیب عن أذهاننا فکرة کون الهدف النهائی و العلة الغائیة من خلق الکائنات هو الإنسان، و بعبارة أکثر شفافیة و وضوحاً إن الله خلق العالم لیخلق آدم (ع) و ذلک لأنه أحسن المخلوقین کما أنه خالقه أحسن الخالقین، و لم یخرج فی عالم الخلق مخلوق مثله، فقد جاء فی الحدیث القدسی: «یا ابن آدم خلقت الأشیاء لأجلک و خلقتک لأجلی».[2]

و بعد هذه المقدمات ندخل فی صلب الموضوع و البحث الأساسی لنقول: أیاً کان الهدف من خلق الإنسان فإنه یعود إلیه و لیس إلى الخالق الغنی المطلق، و إن الممکنات و من جملتها الإنسان فی حاجة دائمة إلیه: «یا أیها الناس أنتم الفقراء إلى الله و الله هو الغنی الحمید».[3] کان موسى یقول لبنی إسرائیل: «و قال موسى إن تکفروا أنتم و من فی الأرض جمیعاً فإن الله غنی حمید».[4] و یقول الإمام علی (ع) فی خطبته لهمام: «أما بعد، فإن الله سبحانه و تعالى خلق الخلق حین خلقهم غنیاً عن طاعتهم، آمناً من معصیتهم، لأنه لا تضره معصیة من عصاه، و لا تنفعه طاعة من أطاعه».[5]

و أما فیما یخص خلق الإنسان فی القرآن الکریم فقد وردت خطابات مختلفة کل واحدٍ منها یشیر إلى بعدٍ من أبعاد هدف الخلقة، من جملتها: «و ما خلقت الجن و الإنس إلا لیعبدون».[6] و نقرأ فی مکان آخر: «الذی خلق الموت و الحیاة لیبلوکم أیکم أحسن عملا».[7] «و لا یزالون مختلفین إلا من رحم ربک و لذلک خلقهم».[8] و الملاحظ أن جمیع هذه الخطوط تنتهی إلى نقطةٍ واحدة و هی تربیة الإنسان و هدایته و تکامله، و من هنا صار معلوماً أن الهدف من خلق الإنسان و غایة الغایات فی ذلک هو الوصول إلى الکمال و السعادة و الوصول إلى ذروة الکرامة و القیمة الإنسانیة، و هذا ما لا یتیسر إلا بوجود المعرفة و العبودیة الخالصة الواعیة لصفات الذات الأحدیة المقدسة «العبودیة جوهرة کنهها الربوبیة»[9] و کل من یبلغ هذا المقام یتسلط على کل ما سوى الله.

فی روایة عن الإمام الصادق (ع): «إن الله عز و جل ما خلق العباد إلا لیعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه».[10]



[1] «کل یوم هو فی شأن»، الرحمن، 29.

[2] «یا ابن آدم خلقت الأشیاء لأجلک و خلقتک لأجلی»، المنهج القوی، ج 5، ص 516؛ علم الیقین، ج 1، ص 381.

[3] فاطر، 15.

[4] إبراهیم، 8.

[5] نهج البلاغة، فیض، ص 11 خطبة همام.

[6] الذاریات، 56.

[7] الملک، 2.

[8] هود، 118و 119.

[9] مصباح الشریعة فی حقیقة العبودیة.

[10] علل الشرائع، الصدوق، نقلاً عن المیزان، ج 18، ص 423.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279429 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257214 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128130 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113226 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88984 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59826 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59539 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56849 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49717 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47157 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...