بحث متقدم
الزيارة
6083
محدثة عن: 2008/06/21
خلاصة السؤال
هل یرى الإسلام ان ذنب القاتل أو المتجاوز الکافر، یغفر عند اعتناقه للإسلام؟
السؤال
فی حالة إذا کان هنالک کافر قد ارتکب جریمة القتل أو کان متجاوزاً على حقوق الآخرین و بعد ذلک اعتنق الإسلام، فهل سوف تغفر جرائمه السابقة فی نظر الإسلام أم سوف یعاقب علیها؟
الجواب الإجمالي

توجد فی الإسلام قوانین تحدد الموقف من الکافرین الذین یعتنقون الدین الإسلامی. من جملة هذه الاحکام و القوانین، انه إذا کان مضیعاً لحق من حقوق الله عز وجل، کعدم القیام بالاعمال العبادیة الواجبة، أو ارتکابه بعض الذنوب و المعاصی، فان الله سبحانه سوف یغفر له و یعفو عنه. و لکنه لا یعفى عن حقوق التی تجاوز علیها، و فی هذه الحالة إما علیه إن یؤدی هذه الحقوق أو یحصل على رضا و عفو أصحابها. و بالاستناد إلى ذلک، إذا کان هنالک کافر قد قام بعملیة القتل أو قام بالتجاوز على حقوق الآخرین نتیجة لجهله و نتیجة لحالة الضلالة التی کان یعیشها، ثم اعتنق الإسلام بعد ذلک فانه سوف یأمن العذاب الإلهی المستحق لارتکاب هذه الذنوب فقط، و لکن یجب علیه تحمل العقوبات البدنیة الدنیویة و الغرامات المالیة المترتبة على ارتکاب هذه الذنوب، إلا أن یعفو عنه أولیاء دم المقتول أو أصحاب الحقوق التی تجاوز علیها، لان هذه الحقوق لیست هی حقوق الإسلام لکی یغض الطرف عنها عند إسلامه، بل هی حقوق للناس، و ان لهذه الحقوق حرمة فی جمیع الأدیان و عند جمیع عقلاء العالم.

الجواب التفصيلي

یقول سبحانه و تعالى فی قرآنه الکریم بخصوص الاعمال القبیحة التی ارتکبها الکفار قبل إیمانهم: " قُلْ لِلَّذِینَ کَفَرُوا إِنْ یَنْتَهُوا یُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَ إِنْ یَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِین‏". [1]

یقول الرسول الأکرم (ص) أیضا: " الإسلام یجب ما قبله، کما التوبة تجب ما قبلها"[2]، إن هذا الحدیث الشریف أصبح اساساً لقاعدة فقهیة فی الإسلام تسمى قاعدة "الجبّ".

و ان المقصود فی الآیة الکریمة و الحدیث الشریف المذکورین أعلاه هو أن الذی یرید أن یعتنق الإسلام، فلا یخاف من الاعمال السابقة القبیحة التی قام بها، لان الله سبحانه یتجاوز و یعفو عن عدم أداء حقوقه الله قبل اعتناق الإسلام، و لذلک لا یجب علیه أن یقضی العبادات التی یؤدیها أو یزکی الأموال التی لم یزکها سابقاً، لان الله سبحانه هو غفور رحیم و یتجاوز و یعفو عن التقصیر فی حقوقه.[3]

و ان الشخص الذی اعتنق الإسلام، إذا کان قد ارتکب أعمالاً لها عقوبات خاصة بها فی الإسلام کشرب الخمر مثلا، فانه لا یعاقب بهذه العقوبات عن هذه الاعمال التی قام بها فی زمان کفره، بل یتعامل معه الإسلام بأقصى درجات العطف و الرحمة، و إن هذا العفو و التجاوز یختص بحقوق الله و حقوق الإسلام، و لو کان هنالک حق أو حقوق للناس فی رقبته، أو کان ظالماً أو متجاوزاً على احد من الناس، فیجب علیه أداء حق هؤلاء الناس أو یتحمل العقوبات و الجزاء المترتب على هذه الإعمال و هذه التجاوزات.

مثلاً، إذا اقترض مبلغاً من المال من شخص معین و لم یرجع هذا المبلغ لصاحبه، أو سرق مقداراً من المال، فعلیه إرجاع المال إلى صاحبه أو یطلب منه رضاه و الصفح عنه، و کذلک إذا کان مرتکباً لجرم معین کالضرب و القتل و الجرح، فهو مسؤول عن هذه الاعمال و یجب علیه تحمل العقوبات على هذه الاعمال، لان الله سبحانه یتجاوز و یعفو عن حقوقه و لا یهب و لا یتجاوز عن الحقوق التی تتعلق بالآخرین، و لذلک فان حقوق الآخرین المضیعة تکون محفوظة فی مکانها و یجب على المتجاوز أداؤها و تعویضها بأی شکل من الاشکال.

ثم یجب الالتفات إلى أن هذه القوانین و الاحکام لا تختص بالإسلام و حده، بل هی قوانین و أحکام لجمیع الأدیان و لجمیع الشرائع و کذلک هی قوانین لجمیع العقلاء فی العالم.[4]

و قد أضاف بعض العلماء هذه الملاحظة و التی تقول انه إذا کان هنالک شخص قد اعتنق الإسلام، و کانت هنالک حقوق لأشخاص على عاتقه و لم تکن له القدرة على أدائها، حینئذ یستطیع الحاکم الشرعی عن طریق الصلاحیات التی خولت إلیه أن یؤدی هذه الحقوق من بیت المال، و بهذا الشکل تنحل مشکلة هذا الفرد المعتنق للإسلام حدیثاً، و کمثال على ذلک، إذا کان علیه دیة لقتل قد ارتکبه فی زمان الشرک و قد اسلم بعد ذلک، فان الدیة لا تسقط عنه و یجب علیه دفعها، فان الحاکم الإسلامی یمتلک الصلاحیة لدفع هذه الدیة من خزینة الدولة.[5]

و على کل حال فان مثل هذا الشخص سواء کان تحت ظل الحکومة الإسلامیة أم ای حکومة أخرى فهو مستحق للجزاء، و یستطیع الأشخاص الذین ظلمهم أو تجاوز علیهم، فی نظام إسلامی معین رفع الشکوى علیه فی المحاکم الشرعیة و المطالبة بمجازاته.



1- الأنفال 38.

2- الطریحی، مجمع البحرین، مادة "جب"؛ السیرة الحلبیة، ج 3، ص 105، و قد نقل هذا الحدیث باشکال أخرى، مثل: الإسلام یجب ما قبله، راجع: المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج40، ص230.

3- راجع، المحقق الهمدانی، مصباح الفقیه، کتاب الزکاة، ص 17؛ نجفی، محمد حسن، جواهر الکلام، ج 17، ص 10.

4- راجع: مکارم شیرازی، ناصر، القواعد الفقهیة، ج 2، ص 169- 183 (قاعدة الجبّ).

5- الحسینی جرجانی، أبو الفتح، تفسیر شاهی، ج 2، ص 96.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257237 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128140 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113242 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88996 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59835 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59549 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49728 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47164 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...