بحث متقدم
الزيارة
5205
محدثة عن: 2011/09/18
خلاصة السؤال
هل صحیح أن من کانت علاقته بالله أقوی یشتد ابتلاؤه بالمصائب و المحن أکثر؟
السؤال
ان القضیة التی اطرحها علیکم لیست سؤالاً خطر فی ذهنی فجأة. بل قد عشت معها زمناً و لکنی علمت بها أخیراً. و هذه القضیة ترتبط بفهمی لبیت من الشعر لحافظ یقول فیه: من کان أکثر فهماً فی هذا العالم فان نصیبه فی البلاء أکثر. و حینما أقارن بین هذا البیت مع الحیاة الحقیقیة و القضایا المتنوعة تاریخیة کانت وغیر تاریخیة أعن بصحة هذا المعنى. لکن من جانب آخر فان هذا الامر قد أقلقنی وشوف ذهنی کثیراً. لاننی کلما عزمت علی تقویة تقرّبی و توکلی علی الله خشیت النتیجة التی ساحصل علیها و شعرت بانّ علیّ أن اتوقع منذ تلک اللحظة وقوع البلایا السماویة علی رأسی، و لذا فان التقرب الی الله لیس فقط لا یکون معیناً لی بل هو یضعف معنویتی، و أشعر- بالنظر الی التجارب التاریخیة و المعاصرة- بانی سادخل فی سجل مثل هؤلاء المحبطین و هذا تناقض مؤلم فکأن السنّة الالهیة هی أن کل من تقوی علاقته بالله یکون محکوماً بتحمل البؤس و الشقاء و حتی الذل أحیاناً. و هذا الأمر تشاهدونه عند مطالعة تاریخ کثیر من المؤمنین و طلاب الحقیقة فی التاریخ و فی صرنا الراهن. و قد أدی هذا الفهم الی عدم توطید علاقتی مع الله و عدم تکوین آصرة جیدة معه سبحانه و قد اقلقتنی تلک الافکار کثیراً حیث کنت أتوقع انی بالتوکل و التقرب الی الله سوف یزداد یقینی و ساواصل الحیاة بخطوات مطمئنة، و لکن الآن اشعر بانی علی العکس من ذلک. ارجو منکم ان ترشدونی و تنقذونی من هذه المحنة مع جزیل الشکر.
الجواب الإجمالي

الشیطان هو العدو اللدود لابناء آدم و قد اقسم بعزة الله و جلاله أن لا یکف عن إغواء بنی آدم حتی یضلهم جمیعاً باستثناء المخلصین الذین لا لاسلطان له علیهم. و من هنا فانه یجب الانتباه دوماً و عدم الغفلة عن دسائس الشیطان لان المؤمنین و إن تعرضوا للبلاء و الاختبار من قبل الله تعالى و لکن یجب الالتفات الی ما یلی:

أ‌-                    کما ذکر أهل اللغة فان البلاء هو بمعنی الاختبار و الامتحان.

ب- الدنیا محل للامتحان و الناس جمیعاً یتعرضون للامتحان، غایة الأمر أن الامتحان یختلف شدة و ضعفاً بالنسبة للاشخاص، فهم یمتحنون تبعاً للمستوی و الدرجة التی هم فیها.

ج- من موارد الامتحان هو الابتلاء بالمشاکل و المصائب، و هذا لا یختص بالمؤمنین، و ان کانت امتحاناتهم ربما تکون أشد.

د- ان التقرب الی الله هی اعلی درجة للکمال یمکن ان یصل الیها العبد. ومن هنا تکون مرتبتها الامتحانیة أهم و اصعب من المراحل السابقة.

والنتیجة هی ان من یصل الی درجة الکمال العالیة، یجب ان یتوقع امتحاناً اصعب و لیس عذاباً و مصیبة أشد، اذن فعلیک السعی فی طریق التقرب و الوصول الی الکمال بالتوکل و الاستعانة بالله.

الجواب التفصيلي

لاجل اتضاح الأمر جیداً، نقدم الاجابة  ضمن عدة خطوات:

الاولی: ان الشیطان هو العدو اللدود لابناء آدم و قد اقسم بعزة الله وجلاله ان لا یکف عن إغواء بنی آدم حتی یضلهم جمیعاً الا المخلصین الذین لا سلطان له علیهم. [1] و من هنا فانه یجب الانتباه دوما و عدم الغفلة عن دسائس الشیطان، و ذلک لانه یوسوس للانسان دائماً- تنفیذاً لما اقسم علیه- و ینبغی الالتفات الی أن الشیطان یدخل من الطریق الذی یمکنه إغفال الانسان منه بذرائع تبدو مقبولة ظاهراً، حتی أنه یأتی للانسان عن طریق العبادة فیمنعه من الوصول الی الکمال.

الثانیة: کما ورد ف ی متن السؤال ، فان الروایات تقول بان المؤمنین یتعرضون للبلاء، ولکن ینبغی الالتفات الی:

أ- انه کما یقول اهل اللغة فان البلاء لغة بمعنی الاختبار والامتحان- [2] و بناءً علی هذا فلیس معنی الامتحان دائما هو اصابة الشخص بمصیبة.

ب- الدنیا محل للامتحان [3] و لا یوجد انسان لا یتعرض للامتحان. غایة الأمر أن ذلک یختلف شدة و ضعفاً، فان الناس یمتحنون طبقاً لمستواهم و درجاتهم فی سلم الکمال، کما هو الحال لمن یمر فی مرحلة الابتدائیة و المتوسطة و الاعدادیة و الجامعیة، فان من الطبیعی أن کل شخص یتعرض لامتحان مرحلته التی هو فیها، فلا یکون امتحان الجامعی امتحان من هو فی الابتدائیة و لا امتحان الابتدائی امتحان الجامعی.

ج-ان من موارد الامتحان هو الابتلاء بالمشاکل و المصائب، و هذا لا یختص بالمؤمنین، و إن کان امتحانهم ربما یکون اشد بسبب طیهم لمدارج عالیة فی الکمال [4] و لکن لیس معنی ذلک أن الآخرین لا یبتلون بالمشاکل و المصائب، بل کثیراً ما یبتلی العاصون أیضاً بالبلایا و المشاکل. أی ان کثیراً من الذنوب ینال مرتکبها عقابه علیها فی هذه الدنیا. [5]

ان التقرب الی الله یمثل أعلی درجات الکمال التی یمکن للعبد أن یصل الیها، و من هنا تکون مرتبة امتحانه أهم واشد من المراحل السابقة.

اذن فعلی من یرید الوصول الی مراتب الکمال العلیا ان یهیئ نفسه للامتحان الاشق، والا فعلیه القناعة بما لدیه. و النتیجة هی ان علی من یصل الی درجة عالیة فی الکمال ان یتوقع امتحانا اصعب و لیس عذاباً و مصیبة أشد. فعلیک السعی فی طریق التقرب و الوصول الی الکمال بالتوکل و الاستعانة بالله.

المواضیع المرتبطة:

الجمع بین آیات وروایات النعم الالهیة و البلایا 4591(الموقع5113)

الکوارث الطبیعیة (السیل،الزلزال،الطوفان و...) والعذاب الالهی 1475 (الموقع   2535 )



[1] سورة ص:82و83، "قالَ فَبِعِزَّتِکَ لَأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعینَ *إِلاَّ عِبادَکَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصینَ".

[2] ابن منظور، محمد ن مکرم، لسان العرب، ج14،ص83، نشر دار صادر،بیروت، الطبعةالثالثة، 1414ق، بلوت الرجل بلواً وبلاءً وابتلیته: اختبرته، وبلاه یبلوه بلواً اذا جربه واختبره.

[3] الملک: 2 " الَّذی خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَیاةَ لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَ هُوَ الْعَزیزُ الْغَفُورُ".

[4] مستدرک الوسائل، ج2،ص427، حدیث 2368-31 وَ قَالَ النَّبِیُّ (ص): إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً ابْتَلَاهُ فَإِنْ صَبَرَ اجْتَبَاهُ وَ إِنْ رَضِیَ اصْطَفَاهُ

[5] الکلینی، الکافی، ج2،ص347، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1365ش، حدیث 4، َ عن أَبِی جَعْفَرٍ (ع) قَال: فِی کِتَابِ عَلِیٍّ (ع) ثَلَاثُ خِصَالٍ لَا یَمُوتُ صَاحِبُهُنَّ أَبَداً حَتَّى یَرَى وَبَالَهُنَّ الْبَغْیُ وَ قَطِیعَةُ الرَّحِمِ وَ الْیَمِینُ الْکَاذِبَةُ.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257239 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128140 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113243 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88996 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59835 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59550 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49729 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47164 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...