بحث متقدم
الزيارة
8688
محدثة عن: 2013/08/24
خلاصة السؤال
ما موقع الامارة في علم الاصول و ما الفرق بينها و بين الاصل العملي؟
السؤال
أولاً، يرجي توضيح معنى الامارة و موقعها في أصول الفقه. ثانياً: يرجي التوضيح بالامثلة. ثالثاً: ما الفرق الدقيق بين الأمراة و الأصل العملي؟
الجواب الإجمالي
الإمارة: هو كل شيء يثبت متعلقه، و لايبلغ درجة القطع و اليقين؛ كخبر الواحد، و الظواهر، و بناء العقلاء و...، أما الأصول العملية فهي مالا تثبت متعلقها، بل وضعت لرفع حيرة المكلف و شكه بالنسبة للحكم الواقعي، ليتمسك بمفادها عند الشك بالحكم؛ كالاستصحاب، والاحتياط و التخيير و البراءة.
و حجيتها مطلقة؛ لأن الله سبحانه لم يضعها لشخص خاص أو لزمان و مكان ذي خصوصية معينة، وعليه فهي باقية على حجيتها حتى لو انفتح باب العلم و استطاع المكلف أن يصل إلى الأحكام الشرعية عن طريق العلم، يمكنه العمل بوظيفته التي توصل اليها عن طريق الأمارة الظنية.
الجواب التفصيلي
يلزم القول قبل كل شيء، أن حالات المکلّف، أمام الأحكام الإلهية على 3 انواع:
  1. قد يكون المكلّف عالماً بالحكم الإلهي الواقعي، كمن سأل بنفسه النبي (ص) أو أحد الائمة (ع) عن الحكم و قد أجابه المعصوم –بكل حرية و دون احتمال تقية- و بيّن له الحكم الواقعي، و على فرض كون المكلف عارفاً بقواعد الكلام و كيفية الاستنباط منه.
  2. و قد يكون المكلف ظانّاً بالحكم الواقعي، كمن سأل أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) الثقة عن حكم مسألة ما فيجيبه أن الإمام (ع) يقول فيها كذا و كذا، فخبره يفيد الظن لأنه خبر واحد و من غير قرينة.
فعن سليمان بن خالد عن الإمام الصادق (ع) قال: «سألته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شيء؟ قال: يعيد الغسل قلت: فالمرأة يخرج منها شيء بعد الغسل قال: لا...».[1]
  1. و قد يكون لا عالماً و لاظاناً بالأحكام، بل شاك بها، فمثلاً دخل الشهر القمري و لايدري هل توجه له تكليف في شيء أم لا؟ أو إنه يعلم أنه مكلف بشيء أو لايعلم ما هو متعلقه؟ مثلا يعلم أنه مأمور بشيء لكنه لايعلم صلاة أم دعاء. أو أنه قد توضأ قبل الزوال، ثم شك بعده بالإتيان بالناقض و بطلان وضوئه. و عليه ففي جميع هذه الموارد تطرأ للمكلّف شكوك إما بالحكم أو بالموضوع.
وظيفة المكلف في الحالات الثلاث:
الف: يجب على المكلف بناءً على حكم العقل، العمل بعلمه في الحالات التي عنده علم بالحكم الشرعي و لاحاجة عندئذ للإجازة و جعل الحجية من قبل الشارع؛ لأن حجية العلم، ذاتية و تتضمنه، و جعل الحجية من قبل الشارع أو نفيها يستلزم تحصيل حاصل أو نفي اللوازم الذاتية من الذات، و كلاهما مستحيل عقلاً.[2]
ب: لولم يكن للمكلف علم بالأحكام الشرعية بل كان عنده ظن بها، فبما أن الأصل و القاعدة الأولية في الظنون، حرمة العمل و عدم الحجية، يحتاج المكلف للعمل بهذا الظن الخاص الى دليل قطعي على جعل الحجية و الاعتبار من قبل الشارع المقدس. إذ لو لم يجعل لها الاعتبار و الحجة من قبل الشارع المقدس نبقى على القاعدة الاولية في عدم جواز العمل بالظن و لايمكن العمل بمفاده عندئذ.[3]
ج: لو لم يكن للمكلف لاعلم و لاظن بالنسبة لحكم من الاحكام الالهية، في هذه الحالة وضع الشارع المقدس تحت اختياره أصولاً عملية، لكي تخرجه من شكه و حيرته، فمؤدى الأصول العملية هو ليس الحكم الواقعي، و إنما هي في حقيقتها مرجع للمكلف في مقام العمل عند الحيرة و الشك في الواقع و عدم ثبوت حجة عليه. و غاية شأنها أنها تكون معذرة للمكلف تؤمنه من العذاب عند ارتكاب خلاف الواقع.[4]
تعريف الإمارة و الأصل العملي:
الإمارة: الإمارة هي «کل شیء يثبت متعلقه و لايبلغ درجة القطع و اليقين».[5] و بعبارة أوضح، يقال لكل ما يوجب الظن بالأحكام الشرعية إمارة، و بعض هذه الأمارات وردت حجيتها من قبل الشارع المقدس؛ كخبر الواحد، و الظواهر، و البناء على سيرة العقلاء، و العقل، و الكتاب و السنة، و الروايات الواردة عن المعصومين. بيد أن البعض الاخر لم ترد حجيتها من قبل الشارع بل قسم منها ورد تصريح بردّها، كالقياس و الاستحسان و...، و عليه فكل ظن وردت حجيته و اعتباره من قبل الشارع يسمى ظن معتبر و يمكن العمل بمؤدّاه.[6] و تمسى الظنون التي لم يرد لها حجية من الشارع ظنون غير معتبرة و لايمكن العمل على أساسها.
الأصول العملية: و هي ما[7] لاتثبت متعلقها كأحكام شرعية، لأنه ليس لسانها لسان إثبات الواقع و الحكاية عنه، و إنما هي في حقيقتها مرجع للمكلف في مقام العمل عند عدم علمه بالحكم الواقعي و عدم ثبوت حجة عليه كالأارات المعتبرة، فيتمسك بها لتخرجه من الشك و الحيرة.[8]
و مثاله: لو توضأ المكلف قبل الزوال، و عند الزوال شك في طروء الناقض و بطلان وضوئه أم لا؟ ففي هذه الحالة، جعل الشارع المقدس له اصل الاستصحاب ليستصحب الحالة اليقينية السابقة و يبني على البقاء على الطهارة.
موطن و محل حجية الإمارة:
قد يطرأ السؤال الاتي في الذهن و هو ، ما هو موطن الإمارة و مجال حجيتها و إلى أي حد و مقدار تبقى على اعتبارها؟ فهل هي حجة عند زمان عدم وجود العلم بالأحكام الشرعية فقط، و تفقد حجيتها في حال إمكان تحصيل العلم بالواقع فلايمكن التمسك بها؟ أم أن مجال حجيتها أوسع من ذلك فيشمل حتى حالات إمكان تحصيل العلم بالواقع فتبقى على اعتبارها و حجيتها و يمكن التمسك بها و العمل على مؤدّاها؟ و بعبارة أدق، هل إن الإمارة موطنها عند انسداد باب العلم أو حتى على فرض أن باب العلم بالنسبة إليه مفتوحاً تبقى الإمارة على حجيتها، فيسع المكلف بدلاً أن يرجع إلى المعصوم (ع) رأساً فيأخذ الحكم منه مشافهةً على سبيل اليقين، يمكنه الأخذ بخبر زرارة و هو خبر واحد و لايفيد الحكم؟ إطلاق أدلة حجية الأمارة يثبت أنها حجة على نحو الإطلاق، لاخصوصية لحجيتها لشخص خاص أو زمان معين، و عليه فموطن حجية الإمارة، مطلق و يشمل حتى زمان انفتاح باب العلم و لاتختص حجيتها بزمان انسداد باب العلم.[9]
و لمزيد من الاطلاع عن الفرق بين الإمارة و الأصول العملية راجع هذا الموضوع: الاصل العملي و الدليل الاجتهادي، 17174
 

[1] . الكليني، محمد، الكافي، المحقق، المصحح، الغفاري، على اكبر، الاخوندي، محمد، ج3، ص 49، دارالكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الرابعة، 1407 ق.
[2] . المظفر، محمدرضا، اصول الفقه، ج2، ص21، اسماعيليان، قم، الطبعة الخامسة، بي تا.
[3] . نفس المصدر، ج2، ص 17-18.
[4] . نفس المصدر، ص15-16.
[5] . نفس المصدر، ج2، ص12.
[6] . نفس المصدر، ج2، ص14.
[7] . الاستصحاب، الاحتياط، و الاشتغال، و التخيير، و البرائة.
[8] . اصول الفقه، ج2، ص15-16.
[9] . نفس المصدر، ص 26-27. 
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279472 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257343 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128200 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113318 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89033 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59887 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59592 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56884 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49824 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47194 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...