بحث متقدم
الزيارة
8858
محدثة عن: 2008/01/22
خلاصة السؤال
هل الغایة من «ستة أیام» التی ذکرت فی الآیات القرآنیة، هی الأیام الطبیعیة التی تنقسم الى (24) ساعة؟
السؤال
کنت أناقش ذات یوم صدیقی المسیحی حول ما جاء فی الانجیل والقرآن فی مسألة الخلقة. جاء فی الانجیل أن الله خلق الأرض فی ستة أیام و خلق سیدنا ادم فی الیوم الاخیر (السادس) .هل القرآن أیضا یؤید هذه النظریة؟
هل ماعٌبر عنه القرآن بـ(ستة أیام) یشیر الى أیام أطول من الایام الطبیعیة (24ساعة)؟ و طبعاً صدیقی المسیحی لا یقبل هذا المضمون معتبرا أن المعنى الدقیق هو الیوم الطبیعی (24ساعة) فیا حبذا لو تشرحون لی رؤیة الاسلام حول هذه المسألة؟
الجواب الإجمالي

ذکرت فی القرآن الکریم المدة التی خلقت فیها السماوات و الارض و عبر القرآّن عنها بـ(ستة ایام)دون ان یشیر الى خَلقْ ادم فی الیوم السادس او یخبر عن تفاصیل ما فعله الله تعالى فی کل یوم.

یبدو أن المراد من تعبیر(ستة ایام ) هو ستة مراحل، کما ان (الیوم) بهذا المعنى ًاستعمل فی آّیات قرآنیة اخرى و روایات عن الائمة و اکثر الشعراء و الادباء من استعمال هذا المعنى فی کلماتهم و اشعارهم. فلذلک یمکن ان السماء و الارض کانتا قد خلقتا قبل ملایین أو حتى ملیارات السنین و هذا ینطبق على خلق آدم أیضاً. و هذه ما تؤکدها اکتشافات علم الآّثار من دراسة بقایا اجزاء البشر الاولی التی تعود الى قبل ملایین السنین. و طبعاً عندما یقال أن نبی الله آدم ُخلقَ قبل ستة أو سبعة الاف سنة لایستحیل أن یکون المقصود منه هو النشأة البشریة الحدیثة التی تبدأ من آدم فلربما الاف الأجیال البشریة سبقت هذه النشأة الحدیثة و خلت.

الجواب التفصيلي

جاء فی القرآن الکریم و التوراة ان السماوات و الارض ُخلقت فی ستة أیام[1] الا أن:

القرآن المجید لم یشر الى تفاصیل ما فعله الله تعالى فی کل یوم[2] بینما الکتاب المقدس أشار الى تفاصیل هذه الافعال[3] هذا اولا، و ثانیاً: لم یشر القرآن الى ان الله خلق آدم فی الیوم السادس.

ثم هل المقصود من (الیوم) فی الآیة الکریمة: «و لقدخلقنا السماوات و الأرض و ما بینهما فی ستة أیام»،[4] هو الیوم الطبیعی (24ساعة) أم ...؟

فنقول: من الواضح أن اللیل و النهار، اللذین ینشآن من حرکة الأرض حول مدارها و أمام شعاع الشمس، لم یکونا فی بدایة الخلیقة کما علیه الان و ذلک لأنه لم تخلق الشمس و لا الارض فی تلک المرحلة. فاذن لایمکن القول ان المقصود من (الیوم) هی حرکة الأرض حول مدارها و ان یمکن أن نجعل الیوم الطبیعی (24ساعة) یوماً مماثلاً له.

و لکن بما أن الاکتشافات العلمیة الحدیثة تشیر الى أن السماء و الأرض تحولتا الى ما نشاهده حالیاً بعد ملائین السنین فلا داعی الى أن نساوی بین (الیوم) و (الیوم الطبیعی) سیما ان مفردة الیوم لها مفهوم واسع و معانی عدیدة و هی قد استعملت و ما زالت تستعمل فی مفهوم "المرحلة" و "عهد من الزمن" سواءً کانت تلک المدة قصیرة أو طویلة کآلاف السنین بل ملائین السنین.

فعلى سبیل المثال القرآن عٌبر عن الحشر "یوم القیامة" بینما الاخرة و الحشر مرحلة طویلة جداً حیث أنه جاء فی القرآن نفسه: «تعرج الملائکة و الروح الیه فی یوم کان مقداره خمسین ألف سنة».[5]

اذن على أقل التقادیر لم تؤید الآیات القرآنیة التساوی بین "الیوم" و الـ "24 ساعة" هذا بالاضافة الى أن مفردة "الیوم" استعملت على لسان عامة الناس و الشعراء و الأدباء و حتى أئمة الدین فی معنى "المرحلة" (طویلة کانت أم قصیرة)، کماقال أمیر المؤمنین علی (ع): «الدهر یومان، یوم لک و یوم علیک».[6]

و علیه أنشد کلیم الکاشانی:

مرارة الحیاة لم تکن أکثر من یومین

و أقولها لک یا "کلیم" کیف أنها أنقضت

یومٌ هوى قلبی لهذا و ذاک

و الیوم الأخر بمفارقتی لهذا و ذاک[7]

کذلک علماء اللغة فسٌروا مفردة الیوم بمفهوم واسع: فمثلاً راغب الأصفهانی یقول: الیوم یعٌبر به عن وقت طلوع الشمس الى غروبها و قد یعبٌر به عن مدة من الزمان أیٌ مدة کانت.[8]

نستخلص مما ذکرناه: أن الله تعالى خلق السماوات و الأرض فی ستة مراحل متتالیة و ان بلغت هذه المراحل الاف بل ملایین السنین و لاتتعارض الآیات القرآنیة و الأکتشافات العلمیة فی هذا المجال.

و کذلک لو أننا فسٌرنا ماجاء فی الکتاب المقدس من "الیوم" بـ "المرحلة"، کما أن المفردة تحتمل هذا التفسیر، فأنه لایحصل هذا التناقض فی العبارة.[9]



[1] قد وردت هذه المسألة فی سبع آیات من القرآن الکریم: الأعراف،54؛ یونس،3؛ هود، 7؛ الفرقان، 59؛ السجدة، 4؛ ق، 38؛ الحدید، 4.

[2] ان الآیات الکریمة 1، 12 من سورة فصلت هی المورد الوحید فی القرآن الکریم الذی ذکر فیه بعض التفاصیل من خلق الأرض و تقدیر الأرزاق فیها فی أربعة أیام و کذلک خلق السماوات فی یومین، و قد أستند بعض المفسرین على هذه الآیات الکریمة لتخمین مراحل الخلقة بشکل احتمالی. لاحظ: تفسیر نمونه،ج 6، ص 202.

[3] الکتاب المقدس،سفر التکوین، الباب الأول رقم 1، 31.

[4] ق ، 38.

[5] المعارج، 4.

[6] نهج البلاغة، ص 546.

[7] کلیم الکاشانی. نقلاً عن تفسیر نمونة،ج 6،ص 202.

[8] مفردات الفاظ القرآن، مصطلح "یوم".

[9] للاطلاع أکثر لاحظ: بحث فی الاعجاز العلمی فی القرآن، محمد علی رضائی، ص 105، ۱۲۶.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

  • ما المراد من التلبیة \"لبّیک اللهم لبّیک\"؟
    6069 الحقوق والاحکام 2012/07/19
    التلبیة لغة مصدر من لبی تلبیة الرجل أجابه و قال له لبیک، فهی کالتهلیل من لا إله إلا اللّه، و لبیک مصدر من لبّ و ألبّ بمعنى أقام بالمکان ثنی للتکرار و حذف نونه للإضافة إلى کاف الخطاب، و حذف فعله و أقیم مقامه فالأصل ألب ...
  • من هم الاخباریون و الاصولیون؟
    9263 الفلسفة التاریخ 2010/11/09
    الاخباریة اتجاه فکری ظهر فی اوساط الشیعة یتبنى فکرة مخالفة للمنهج الذی یعتمده الاصولیون فی الاجتهاد و استنباط الاحکام الشرعیة من مصادرها الاساسیة حیث وقفت الاخباریون فی وجه الاجتهاد و اعتبروه امراً باطلاً، اما الاصولیة فهی اتجاه معاکس للاخباریة یمثل هذا الاتجاه طائفة کبیرة من علماء و ...
  • ما هو حدیث عنوان البصری الذی اشار الیه آیة الله قاضی؟
    7858 العملی 2011/03/10
    یعد حدیث عنوان البصری منهجا عملیا قیما للسائرین على هدى الائمة (ع) رواه العلامة المجلسی (ره) فی بحار الانوار عنخطِّ الشیخ الْبَهَائِیِّ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، و الحدیث یشتمل على مجموعة من الوصایا و الارشادات التی وجهها الامام الصادق (ع) الى عنوان البصری لما ...
  • ما حکم تناول الدیدان (الحشرات) لضرورة التداوی؟
    5739 الحقوق والاحکام 2011/02/14
    الاجابة الواصلة الینا عن هذا السؤال من مکاتب المراجع العظام بالنحو التالی:مکتب آیة الله العظمی السید الخامنئی (مد ظله العالی):طاهرة ...
  • ما هو سب عدم جواز تبدیل الذهب الجدید (المصوغ) بمقدار اکبر من الذهب القدیم؟
    8748 الفلسفة الاحکام والحقوق 2008/08/28
    ورد الذّم الشدید و التحریم للربا فی الآیات و الروایات و اشیر الی بعض حکم تحریمه کانعدام المیل الی القرض فی المجتمع و کون الربا ظلماً و زوال رغبة الناس فی التجارة التی یحتاجها المجتمع.و لکن یجب الالتفات الی ان جمیع ما ورد بعنوان حکمة تحریم الربا تتعلق بالربا ...
  • هل لا یوجد إشکال على ما یضیفه القرّاء الى قصائدهم فی کل عام؟
    6950 تاريخ بزرگان 2008/03/16
    إن واقعة عاشوراء و تاریخ کربلاء لها جنبتان: جنبة بیضاء ناصعة و نورانیة تمثل الجانب الملحمی البطولی و الذی یکون مدعاة للإفتخار، و جنبة سوداء قاتمة، تتمثل بالجرائم التی لم یکن لها نظیر او قلّ نظیرها فی تاریخ البشریة، و لذلک یجب علینا ان لا نتصور ان الحوادث و المصائب ...
  • لماذا یحرم زواج اُخت الملوط به علی اللائط فی الفقه الشیعی؟ لماذا جعل بعض المراجع تفاوتاً فی هذا الحکم بین وجود الشک و عدم الشک؟
    7628 الفلسفة الاحکام والحقوق 2009/04/21
    لا تنحصر المصادر الفقهیة فی الإسلام علی القرآن الکریم فهناک مصادر أخری یعتمدها کلا من الفقه الشیعی و السنی. من أهم تلک المصادر هی السنة الشریفة فهناک جملة من الأحکام و الجزئیّات تتوضح لنا عن طریق سنة النبی(ص) و أهل البیت(ع).إذن لا یمکن الإکتفاء بالقرآن الکریم و هذا ما ...
  • هل کان أهل السنة یعتقدون بالتوسل قبل ابن تیمیة؟
    10634 الکلام القدیم 2009/04/09
    التوسل هو من الامور التی کانت مورداً لاهتمام المسلمین منذ صدر الاسلام و منهم أعلام أهل السنة الذین منهم الامام البخاری و هو صاحب احد الکتب الروائیة المعتبرة عندهم، حیث ینقل السیرة العملیة للخلیفة الثانی عمر بن الخطاب فی جواز التوسل، و کذلک الامام مالک (مفتی المدینة) الذی أمر ...
  • هل یجوز العقد على البنت الرضیعة؟
    8319 الحقوق والاحکام 2011/02/15
    لم یشترط الإسلام فی صحة عقد الزواج عمراً معیناً و قد فوض هذا الأمر إلى الطرفین (إن کانا بالغین) أو الى أولیائهم. و قد أجازت جمیع المذاهب الإسلامیة زواج الطفلة غیر البالغة و زواج الولد الصغیر الذی لم یبلغ، بإذن و لیهما الشرعی (الأب والجد للأب). ...
  • کیف یستفید المیت العاصی من اعمال الاحیاء وکیف تؤثر فی مصیره؟
    9368 الکلام القدیم 2008/04/19
    المعنى الذی أشرتم له فی السؤال لا یمکن أن یقبل و لا یرد على إطلاقه و إنما یتعلق الأمر بنوع الذنوب المرتکبة و شخص المذنب نفسه، لأن بعض الذنوب غیر قابلة للمغفرة کالشرک بالله و البعض الآخر لا یمکن أن یغفر بواسطة الدعاء و طلب المغفرة و الإحسان من قبل ...

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    282315 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    264313 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    131182 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    120589 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    91161 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    62870 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    62785 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    58411 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    54471 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    50930 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...