بحث متقدم
الزيارة
7962
محدثة عن: 2011/09/13
خلاصة السؤال
مع الاخذ بنظر الاعتبار التحولات العالمیة و تطور المجتمعات المعاصرة فهل بقی دور یؤدیه الدین فیها أم لا؟
السؤال
مع الاخذ بنظر الاعتبار التحولات العالمیة و تطور المجتمعات المعاصرة فهل بقی دور یؤدیه الدین فیها أم لا؟
الجواب الإجمالي

الاجابة عن السؤال المطروح تلحظ من زاویتین الزاویة النظریة و العملیة.

الف) اما من الزاویة النظریة، فجوابه على نحو الاختصار، بان الانسان یتوفر على بعدین، البعد المادی و البعد المعنوی، و ان التطور الحاصل فی العالم و التقدم التقنی یتعلق فی الاعم الاغلب بالبعد المادی للانسان فقط، و اما الحاجات و المتطلبات المعنویة للانسان فهی عین المتطلبات و الحاجات التی کان الانسان القدیم یشعر بها، و بما ان الدین متکفل ببیان البعد المعنوی للانسان فهو المسؤول عن عرض الافکار و وضع المعالجات النافعة و الحلول المفیدة التی یحتاج الیها الانسان فی عالمنا المعاصر.

ب) اما البعد العملی، فلابد من القول: إن التحدیات بین التطور و الدین لا تواجه الدین الاسلامی فقط بل تعم کافة الادیان، و لکن التجربة الناجحة للجمهوریة الاسلامیة فی ایران (و لاندعی لها العصمة المطلقة) عرضت على مدى اکثر من ثلاثة عقود حکومة معاصرة و تجربة جدیدة تتبنّى المفاهیم و القیم الاسلامیة، یعنی أن منشأ القدرة فیها قائم على أساس تفسیر و معرفة المفاهیم و القیم الدینیة. اضف الى ذلک أن دور الجمهور یحظى هو الآخر بأهمیة کبیرة فی الفلسفة السیاسیة للجمهوریة الاسلامیة و هذا قائم على اساس تفسیر الرؤیة الدینیة للجماهیر و دورها فی الحیاة أیضا.

و بهذا نستطیع القول: ان هذه الحکومة و التجربة تکشف بدورها عن مدى فاعلیة الدین فی الحیاة المعاصرة رغم تطورها و رغم تجدد الحاجات و اختلاف المتطلبات التی اقتضاها الزمان و المکان معاً.

الجواب التفصيلي

قبل الخوض فی الاجابة عن التساؤل المطروح لابد من الاشارة الى قضیة ضروریة و هی أن دائرة هذا التساؤل لا تنحصر فی المجتمع الایرانی فقط بل القضیة مثارة بعد عصر النهضة الدینیة العالمیة و التی حصلت بعید الثورة الاسلامیة المبارکة حیث أثیر السؤال المذکور فی شتّى بقاع العالم و اکتسب صفة العالمیة و الشمولیة.

ففی عام 2008م فی المؤتمر الاقتصادی العالمی الذی عقد فی دافوس السویسریة تحت عنوان الدین و العصرنة و التطور کان السؤال الاساسی المطروح فی ذلک المؤتمر: ما هو دور الدین فی العالم المعاصر و هل ما زال یحتفظ بمنزلته أم لا؟

و کانت تونی بلیر یدیر تلک الجلسة و بحضور کل من عبد الله بدوی رئیس الوزراء المالیزی و عدد من الشخصیات الامریکیة، فکان الجواب [1] الذی طرح هو ضرورة النظر الى القضیة من زاویتین الزاویة النظریة و العملیة.

الف) اما الزاویة النظریة فجوابها على نحو الاجمال [2] ، بان الانسان یتوفر على بعدین، البعد المادی و البعد المعنوی، و ان التطور الحاصل فی العالم و التقدم التقنی یتعلق فی الاعم الاغلب بالبعد المادی للانسان فقط، و اما الحاجات و المتطلبات المعنویة للانسان فهی عین المتطلبات و الحاجات التی کان الانسان القدیم یشعر بها و الذی جاء قبل آلاف السنین، و بما ان الدین متکفل ببیان البعد المعنوی للانسان فهو المسؤول عن عرض الافکار و وضع المعالجات النافعة و الحلول المفیدة التی یحتاج الیها الانسان حتى فی عالمنا المعاصر.

علما ان التفسیر الذی تذکره مدرسة أهل البیت (ع) و بعض المدارس الاخرى للدین لا یحصر الدور الدینی فی البعد المعنوی فقط بل للدین دور فی معالجة الابعاد المادیة ایضا و أن الآصرة قویة بین البعدین فاذا ما تعرض الانسان لای خلل فی بعده المادی فسوف یؤدی ذلک الى توجیه ضربة قاصمة الى بعده المعنوی، و کذلک التطور و التسامی فی البعد المعنوی أو الانحطاط فیه ینعکسان على البعد المادی للانسان أیضاً.

فالتعالیم الاسلامیة التی تربط بین الایمان و الکفر و بین الفقر و التردی الاقتصادی " کاد الفقر أن یکون کفراً" [3] و هذه الرؤیة التی ترى العلاقة بین الدنیا والآخرة بان "الدنیا مزرعة الاخرة" [4] انما ترید تنظیم حیاتنا بنحو یؤمن لنا الحیاة السعیدة فی العالمین معاً. هذا هو البعد النظری فی القضیة، و المسألة تحتاج الى الکثیر من التفصیل لا یسع المجال للتعرض لها هنا.

الجدیر بالذکر - و کما مرّ الحدیث عنه [5] - أن الدین هو تلک الحقیقة التی تسایر الانسان و ترسم له الطریق من البدایة بل ما قبل النشوء و تواصل المسیر معه حتى الانتقال الى العالم الآخر، و هذه الحقیقة تعایش الانسان و تضع له الحلول فی جمیع الظروف الموضوعیة و مع اختلاف الشروط و الاحوال لتشمل جمیع ابعاد الانسان وشتى مراحل حیاته، ولقد تمثلت النسخة الأخیرة للدین فی الرسالة الخاتمة للنبی الأکرم (ص) المفسّرة من قبل مدرسة أهل البیت (ع).

ب) أما البعد العملی، فهذه القضیة هی الأخرى بحثت فی مؤتمر دافوس الاقتصادی و تم التأکید على کون التحدیات بین الدین و بین التطور لا تواجه الدین الاسلامی فقط بل تعم کافة الادیان، و لکن التجربة الناجحة للجمهوریة الاسلامیة فی ایران [6] و نحن لا ندعی النزاهة من النقص لانه النقص موجود فی أفضل حکومة أقیمت بعد رسول الله (ص) و هی حکومة الامام المعصوم علی بن ابی طالب (ع) فهناک بعض العمال من ارتکب بعض الاخطاء، و لکن الذی ندعیه أنه و على مدى اکثر من ثلاثة عقود عرضت حکومة معاصرة تتبنّى المفاهیم و القیم الاسلامیة، یعنی أن منشأ القدرة فیها قائم على أساس تفسیر و فهم المفاهیم و القیم الدینیة و تطبیقها.

أضف الى ذلک أن دور الجمهور یحظى هو الآخر باهمیة کبیرة فی الفلسفة السیاسیة للجمهوریة الاسلامیة و هذا قائم أیضاً على اساس تفسیر الرؤیة الدینیة للجماهیر و دورها فی الحیاة.

و هکذا دور القوى الثلاثة (التشریعیة، و القضائیة، و التنفیذیة) قائم على اساس الادوار التی حددها الدین لکل واحدة منها؛ و من هنا لو أردنا ان نشیر الى نموذج معاصر لحکومة تتبنّى الدین نشیر الى الجمهوریة الاسلامیة بالرغم من بعض النواقص التی تحدث هنا أو هناک، و هذه الحکومة تکشف بدورها عن مدى فاعلیة الدین فی الحیاة المعاصرة و الذی تجلى فی حکومة الولی الفقیه التی تحظى بشعبیة کبیرة رغم بعض المشکلات التی تعترض طریق الحکومة، و لعل من ابرز شواخص ذلک الدعم الشعبی، الاستقبال الجماهیر الکبیر الذی حظی به السید القائد فی زیارته الاخیرة لمدینة قم المقدسة و الذی یعکس العلاقة الوثیقة بین الجماهیر و القیادة الدینیة و السیاسیة المتمثل فی شخصه الکریم فما زالت الجماهیر تشعر بان الدین جاء بحکومة إن لم تتفوق على سائر النظریات الحکومیة الأخرى فعلى اقل تقدیر هی مساویة لها فی العطاء و النجاح.

فالحاکم الاسلامی حاکم یتصف بالمعنویة و حقیقة قدرته تکمن فی هذا البعد المعنوی و هذا ما لا یتوفر فی سائر الحکومات الاخرى حتى الحکومات التی وسمت نفسها بالدینیة کحکومة الفاتکان التی تحظى هی الاخرى بمنزلة خاصة، و بحسب تعبیر السید القائد أن الحکومة فی الجمهوریة الاسلامیة حکومة القیم و المعاییر و حکومة المفاهیم، ففی حکومة القیم لا یکون الحاکم صنفاً خاصاً و لیست الحکومة –حسب قوله – حکومة رجال الدین و إن کان الروحانیون فی قمة الهرم الحکومی؛ لان المفاهیم تتجلى فی الروحانیة فالروحانیة لیست صنفاً او حزبا.ً

لمزید الاطلاع انظر:

العلاقة بین الدین و المعنویات السؤال رقم، 3228 (الموقع: 3986).

دور الدین فی الحیاة المتطورة السؤال رقم، 2399 (الموقع: 2874 ).



[1] المجیب هو سماحة آیة الله هادوی الطهرانی.

[2] البحث یحتاج الى الکثیر من التفصیل و التحلیل.

[3] الکلینی، الکافی، ج 2، ص 307، دارالکتب الاسلامیة، طهران، 1365.

[4] ورام بن ابی فراس، ج 1، ص 183، مکتبة الفقیه، قم.

[6] لا ندعی انه لایوجد نقص او اخطاء قد ترتکب هنا او هناک و لم تخالف الشریعیة مطلقا!! و انما الذی ندعیه قیام تلک الحکومة على اساس القیم و المعارف الاسلامیة.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279433 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257224 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128134 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113233 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88991 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59832 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59546 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56852 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49722 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47161 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...