بحث متقدم
الزيارة
6913
محدثة عن: 2011/10/06
خلاصة السؤال
على أیّ أساس نستطیع أن نؤمن بحقانیة الأنبیاء، مع أنه من الممکن أن یکونوا سحرة أو مرتاضین بارزین؟
السؤال
إن المرتاضین و السحرة یقومون بأعمال خارقة للعادة من قبیل اجتیاز النار و المشی على الماء و غیرها. إذن فعلى أی أساس نستطیع أن نثق بصدق الأنبیاء مع أنه من الممکن أن یکونوا سحرة أو مرتاضین بارزین و کان تحدیهم بسبب ثقتهم بحذاقة أنفسهم؟
الجواب الإجمالي

إن دلیل الإیمان بالأنبیاء فی جمیع العصور هو مضمون تعالیمهم التی قاموا من أجلها قبل أن تکون رؤیة المعاجز الخارجیة للأنبیاء. و فی الواقع کانت هذه المعاجز فی ضمن الحجج الواضحة التی کانت مدعاة لإیمان الناس، مضافا إلى أن هناک فوارق ذاتیة بین الأعمال الخارقة للعادة و معاجز الأنبیاء بحیث یمکن التفکیک بینهما و من أهم هذه الفوارق مقطعیة أثر السحر و دوام أثر المعجزات.

الجواب التفصيلي

من أجل الجواب عن هذا السؤال یمکن أن نتناول الموضوع من عدّة جهات و بتعابیر مختلفة:

1. أدلة حقانیة الأنبیاء

فی البدایة نواجه هذا السؤال و هو هل أن الدلیل الوحید على حقانیة الأنبیاء هو المعاجز التی کانت تشبه الأفعال الخارقة للمرتاضین بحسب الظاهر؟

إن عمدة الأدلة التی کانت تلزم طلاب الحق على اتباع نهج الأنبیاء تکمن فی فطریة تعالیم الأنبیاء و انطباقها على احتیاجات الإنسان فی حرکته التکاملیة. نحن نعلم أن تعالیم الأنبیاء کانت على مرّ التاریخ و فی جمیع المراحل فی قمّة المعرفة و الإدراک البشری و کان أعداء الأنبیاء جمیعا من الجهلاء و الظالمین الذین ما کانت لهم أیة رغبة بتکاملهم و تکامل المجتمع البشری سوى الایغال فی التوحّش و التهام الشعوب و نهبها.

فی هذه الظروف ظهر رجال مصطفون قاموا بهدایة الناس و نهضوا أمام الظلم و کانوا سبباً لنجاة الناس فی جمیع العصور. إنّ الرجال الأفضل کمالا کانوا یستلمون القیادة الفکریة و المعنویة بین الناس بشکل تلقائی و لکن عملیة الهدایة التی کانت تجرى على ید أنبیاء الله العظام کانت تثیر ثورات عظیمة و تحولا کبیرا على مستوى الوعی العام.

إن کثیرا من الصفات و القدرات و العلوم التی کان یحظى بها هؤلاء المصطفون من الناس کانت بالنسبة إلى الناس العادیین أمراً خارقاً من قبیل قدرتهم فی البیان و العلم الکثیر سواء فی العلوم الظاهریة أم العلوم الباطنیة و کذلک عصمتهم و براءتهم من الذنوب و کشفهم و مشاهداتهم الغیبیة و جاذبیتهم الشخصیة و… مع هذا کان الأنبیاء فی بعض الظروف الخاصة و بإذن الله یأتون بمعاجز ضخمة و باهرة لیتموا الحجة على الناس جمیعاً و لا یترکون ذریعة لدى المنکرین، أو کانوا ینصرون أتباعهم ویدفعون بمعاجزهم شر الظلمة و المتفرعنین الذین کانوا یستثمرون الضعفاء، من قبیل الکثیر من المعاجز التی کان یأتی بها النبی موسى (ع) کإظهار الثعبان و فلق البحر… و کثیر من أعمال النبی عیسى (ع) فی إشفاء المرضى رأفة و شفقة بالناس، فهی کانت فی الواقع مجرى لانتقال رحمة الله و فیضه على عباده المبتلین.

إذن دلیل إیمان المؤمنین بالأنبیاء فی أیّ عصر هو مضمون تعالیمهم التی قاموا من أجلها قبل أن تکون رؤیة المعاجز الخارجیة للأنبیاء، و فی الواقع کانت هذه المعاجز فی ضمن الحجج الواضحة التی کانت مدعاة لإیمان الناس. و فی المقابل عندما شاهد الظالمون و الکفار هذه المعاجز لم یفعلوا سوى أن أظهروا عجزهم فلم یحصل فیهم أی إیمان بل ازدادوا جحدا و إنکارا کفرعون و نمرود و شداد و غیرهم الذین کانوا قد شاهدوا أکبر المعاجز.

إذن من الخطأ أن نتصور أن سبب توسع الأدیان و إقبال الصالحین إلیه إنما بسبب رؤیة هذه الأمور الخارقة للعادة التی یمکن أن تصدر من أیّ ساحر و لکن الناس کانوا عاجزین عن مواجهة هذه الأعمال!!. إذن لم یؤمن أحد بأی دین عن کره و إرعاب و بلا إدراک و معرفة عمیقة تجاه دینه إلا طائفة المنافقین الذین لم یجدوا بدا سوى إظهار الإیمان.

2ـ الفرق بین معاجز الأنبیاء و أعمال السحرة و المرتاضین

بالإضافة إلى الفوارق الذاتیة الموجودة بین أعمال السحرة و المرتاضین و بین معاجز الأنبیاء التی قد ذکرت فی محلها، [1]   أحد   أهم الفوارق الرئیسیة تکمن فی الهدف من إظهار هذه المعاجز و کان یجد هذا الهدف کل من کان یرى شخصیة الأنبیاء. إذن هذه الأعمال الخارقة التی لم یکن منشؤها سوى الاستعراض و إظهار البطولات و لم تمارس ضمن رسالة سامیة و إلهیة و إنسانیة فهی بنفسها تکشف عن أنها تصدر من مصدر شیطانی کالسحر و الشعوذة.

یقول القرآن حول أفعال السحرة:

"فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى‏ ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَیُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا یُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدین"‏ [2]

یعنی قد یبقى أثر هذه الأعمال لمدة قصیرة بقدر أثر الکثیر من السحر و الشعوذة التی کانت دائما، و لکنها إن أقیمت لإثبات دعوى باطلة، یبطلها الله و یفضحها و یلغ أثرها، بخلاف معاجز الأنبیاء التی لا یمکن أن تبطل أبدا.

3ـ شأن الإعجاز فی رسالة الأنبیاء

لابد أن نتناول هذا البحث و هو لماذا کان الأنبیاء یمارسون الإعجاز و هل أن کل رسالتهم هی أن یدعو الناس لتبعیتهم عن طریق الإعجاز أو کان الإعجاز أمرا عرضیا یظهره الأنبیاء حسب الظروف؟

نحن نعلم إنه لم یکن الأنبیاء سواء فی ممارسة المعاجز الظاهریة. ففی الإسلام قد تمّ أکثر الاهتمام بالحجج المعرفیة و نادرا ما اعتمد النبیّ على المعاجز الظاهریة. و فی جمیع أو أکثر الموارد التی أشار فیها القرآن الکریم إلى الذین طالبوا النبیّ بالإعجاز، لم یعتبر هذه المطالبات رغبة فی الهدایة و لم یلبّ طلبهم آنذاک، إذ أن تلبیة طلبهم فی الواقع عبارة عن نزول عذاب خاتم لکل هذه المجادلات و النقاشات:

"سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ * لِلْکافِرینَ لَیْسَ لَهُ دافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِی الْمَعارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلائِکَةُ و الرُّوحُ إِلَیْهِ فی‏ یَوْمٍ کانَ مِقْدارُهُ خَمْسینَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْراً جَمیلاً * إِنَّهُمْ یَرَوْنَهُ بَعیداً * وَ نَراهُ قَریباً * یَوْمَ تَکُونُ السَّماءُ کَالْمُهْلِ * وَ تَکُونُ الْجِبالُ کَالْعِهْنِ" [3]

إذن قد صبّ القرآن أکثر اهتمامه بالإیمان الحاصل عن طریق الحجج المعرفیة بدلا عن إرغام المخالفین عن طریق المعاجز ـ غیر بعض الموارد الخاصة التی مدعاة للتأمل-. إن هذه الظاهرة أی عرضیة الإعجاز فی رسالة الأنبیاء مشهودة فی جمیع الأدیان الإلهیة إلى حد ما و لکن بلغت کمالها فی الإسلام، حیث إن المعجزة الأولى للنبی الأعظم (ص) هی القرآن و هو کلام الله و کتاب معرفة الله.



[2]  یونس، 81.

[3] المعارج،1-9.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279433 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257224 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128134 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113233 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88991 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59832 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59546 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56852 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49722 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47161 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...