الزيارة
9600
محدثة عن: 2010/05/16
کد سایت fa8221 کد بایگانی 31191
خلاصة السؤال
هل المجردات المثالية تشغل حيزاً من الفراغ و لها حجم و مكان؟
السؤال
من المعروف أن الادراكات الخيالية من سنخ المجردات المثالية التي تتوفر على البعد و الشكل الا انها غير قابلة للتقسيم. فهل يستفاد من كون الادراكات الخيالية ذات ثلاثة ابعاد أنها ذات حجم أيضا؟ و اذا كانت كذلك فهل تحتاج الى المكان؟ و اذا كان المكان ينتزع من الحجم فما الفرق من هذه الحيثية بين الادراكات الخيالية و الموجودات المادية و الجسمانية؟
الجواب الإجمالي

لا يمكن القول بوجود مكان مادي لكل من الصور المثالية و الصور الخيالية و إن كانت ذات ابعاد و اشكال؛ و ذلك لان احكام الاشياء تابعة لظرف تحققها، فان كان ظرف تحققها الخارج، تكون أحكامها خارجية أيضاً، و إن كان ظرف تحققها الذهن، تكون أحكامها ذهنية أيضا؛ من هنا كل حكم يحمل على الموجود الذهني لابد ان يكون ذهنيا، و كذلك اذا كان الموجود مثاليا لابد أن تكون أحكامه – و من ضمنها المكان- مثالية أيضاً.

الجواب التفصيلي

إن المكان تابع للجسم؛ و الجسم المادي يكون مكانه مادياً أيضا، و أما إذا لم يكن الجسم ماديا فسيكون مكانه كذلك؛  فعالم المثال[1] - على سبيل المثال- يمكن أن يتوفر على صورة مثالية للمكان احيانا و يمكن القول أنه لا يتوفر على الصورة المثالية للمكان أيضاً؛ فان كان المراد من المكان، المكان المادي فمما لاريب فيه أن صور عالم المثال لا مكان لها و لا يمكن نسبة هذا النوع من المكان الى الصور المثالية لانها مجردة عن المادة، و إن كان المراد من المكان، المكان غير المادي، فان الصور المثالية تتوفر على المكان و مكانها يكون من سنخها مثالياً أيضا.

و قد ذهب افلاطون و كبار الفلاسفة الاوائل و كذلك المتألهون من اصحاب الذوق و الشهود الى القول بان موجودات عالم المثال  قائمة في وجود ليس في مكان و لا جهة مادية، و صور عالم المثال ذات نوع من التجرد لتنزهها عن الجهات و المكان، لكنها تشتمل على نوع من التجسم من ناحية الشكل و المقدار.[2]

أما بالنسبة الى حقيقة المكان و ماهيته فقد طرحت مجموعة من النظريات المختلفة، تتصدرها النظريات الثلاث التالية:

1. ذهب بعض المتكلمين الى إنكار الوجود الخارجي للمكان و اعتباره بعداً موهوماً، عبّروا عنه بالفراغ المتوهم الذي يملأه الجسم.

2. هناك من آمن بالوجود الخارجي للمكان و واقعيته و أنه يقبل الاشارة الحسية كما يقال إجلس هنا و لا تجلس هناك، فان هنا و هناك ادوات اشاره، و الشيء الذي يقبل الاشارة ليس بعدم. و قد انقسم اصحاب هذه النظرية بدورهم الى طائفتين:

الف: ما ذهب اليه المدرسة المشائية من أن المكان هو السطح الباطن من الجوهر الحاوي، المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوي؛ كالسّطح الباطن من الكوز المماس للسطح الظّاهر من الماء الموضوع فيه، فان للكوز – مثلا- سطحا ظاهريا الذي هو ظاهر الكوز و له سطحا باطنيا هو المماس لظاهر الماء الموضوع فيه. و يعبر عن السطح الباطن للكوز بالحاوي و عن السطح الظاهر للماء بالمحوي، و الاول شامل و الثاني مشمول، فمكان الماء طبقا لنظرية المشائين نفس السطح الباطن. إلا ان هذه النظرية واجهت هذه مجموعة من الاشكالات و الاعتراضات.

ب. رأي الحكماء من المدرسة الاشراقية - و الذي مال اليه صدر المتألهين- المتمثل بان ماهية المكان بعد مجرد موجود نظير تجرّد الموجودات المثالية التي هي العالم بين العالمين، أعني المفارقات النورية و المقارنات المظلمة. و تجرده من قبيل تجرد الموجودات المثالية و هو ليس من عالم المثال؛ لانه يختلف عن عالم المثال لانها غير قابلة للحلول في المادة و لا المادة تحل فيها، خلافا لهذا البعد المجرد (المكان) فانه يحل في المادة كما ان المادة تحل فيه، و هو في الحقيقة يتداخل مع البعد المادي؛ من هنا قال حكماء الاشراق: بانّ المتمكن يحل بتمامه في المكان لان الفطرة حاكمة بان جميع هذا الشيء في المكان لا ان الموجود فيه طرف منه فقط كالسطح الظاهري للماء كما هو عند المشائين. علما أنه من الممكن تداخل الموجود المجرد مع المادي، نعم، الممتنع تداخل الموجودين الماديين في بعضها البعض.[3]

أما بالنسبة الى الصور العلمية فيجب القول بان: الصور العلمية مجردة عن المادة و خالية من القوة و الاستعداد؛ لان الصورة العلمية من جهة كونها معلومة لنا هي فعلية لا استعداد فيها لتكون شيئاً آخر، و انها غير قابلة للتغير، و ان مجرد التغير فيها يعني تحولها الى صورة أخرى مغايرة للصورة الاولى فالصورة العلمية للتفاحة الموجودة في الذهن اذا تحولت الى صورتين لنصفي التفاحة لا يعني ذلك بقاء الصورة الاولى، بل الحاصل الجديد هو حدوث صورتين جديدتين لا ان الصورة الاولى انقسمت الى قسمين؛ إذن لم يحصل التغير في الصور العلمية، فان كانت الصورة العلمية مادية  فانها لا تأبى التغيّر و من الممكن نسبة خواص المادة كالانقسام و الزمان و المكان اليها. و العلم بما هو علم غير قابل للتثليث و التقسيم و.. و كذلك ليس مقيدا بالزمان؛ لانه لو كان ماديا فان الصورة العلمية سوف تتغير بتغير الزمان، و كذلك الصورة العلمية لا تقبل الاشارة المكانية.[4]

من هنا يتضح بان الصور العلمية مجردة عن المادة، و لهذا عرّف الفلاسفة الادراك بانه حضور مجرد لمجرد؛ و عليه لا يمكن القول بان لها مكانا مادياً، و أما الذهن فهو مكان للصور المتخيلة.

ثم ان احكام الاشياء تابعة لظرف تحققها، فان كان ظرف تحققها الخارج، تكون احكامها خارجية أيضاً، و ان كان ظرف تحققها الذهن، تكون احكامها ذهنية أيضا؛ من هنا كل حكم يحمل على الموجود الذهني لابد ان يكون ذهنيا.

و اما كون الادراكات الخيالية ذات ابعاد ثلاثة (الطول و العرض و العمق) فلابد من الالتفات الى أن هذه الابعاد الثلاثة هي الاخرى خيالية نظير ما لو تصورنا جسما بطول و عرض و عمق خاص و حجم معين، كما لو تصورنا قمة جبل أحد، فلا يمكن ان ندعي وجود مكان مادي له و لا يمكن القول ايضا بان مكانه الذهن، و اذا ما فرض وجود مكان له فهو مكان خيالي غير مادي، و هذا بنفسه دليل على تجرد الصور الخيالية.

إذن لا يمكن تصور المكان المادي للصور المتخيلة و الصور المثالية سواء عرفنا المكان بما ذهبت اليه المدرسة المشائية او بما ذهب اليه الاشراقيون؛ نعم، يمكن القول بان لها مكانا مثاليا.

و الجدير بالذكر ان جميع ما مر (من تجرد عالم المثال عن المادة) تابع للتعريف المشهور للمادة. و الا قد تعرف المادة تعريفا آخر يشمل الامور المثالية أيضاً.

لمزيد الاطلاع انظر: 16521 (الموقع: 16252)  عالم المثال.

 


[1] الجوهر المثالي يعتبر لوناً آخر من الموجودات، فهو ليس من مثل الجوهر العقلاني الفاقد للصفات و الحدود الجسمانية تماماً، و ليس مثل الجوهر الجسماني القابل للقسمة و ذي المكان، و انما هو من قبيل الصور الخيالية المرتسمة في ذهن الانسان. ( مصباح اليزدي، المنهج الجديد لتعليم الفلسفة، ج2، ص186، الدرس الخامس و الاربعون، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعية المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الاولى، 1409هـ)

[2] جوادي آملي، رحيق مختوم،  القسم الرابع من المجلد الاول، ص 209، الطبعة الاولى،  نشر اسراء، 1375،  هـ .ش.

 

[3] الشيرازي، سيد رضي، درسهاي شرح منظومه حكيم سبزواري= دروس في شرح منظومة السبزواري، ج 2، ص 1563-1567، الطبعة الاولى، مؤسسه اتشارات حكمة، طهران، شتاء عام 1383،  ه. ش.

 

[4] الطباطبائي، سيد محمد حسين، نهایه الحکمة،  ص 294، مؤسسة النشر الاسلامي ، قم ، 1422، ه. ق.

 

س ترجمات بلغات أخرى