الزيارة
7176
محدثة عن: 2008/12/10
کد سایت fa1977 کد بایگانی 3690
خلاصة السؤال
لماذا ینتقل اهل الجنة من لذة الى اخرى مع عدم فناء الاولى؟
السؤال
ذا کانت لذات الجنة لا یتسرب إلیها الملل فما هو تفسیر ترک أهل الجنة لذة ما و الانتقال إلى غیرها؟
الجواب الإجمالي

یبدو من السؤال أنه فیه نوع مقارنة للخصائص و القوانین الجاریة فی الحیاة الدنیا بما یجری فی الآخرة، فالنقص و العیب و المرض و الضعف و الموت و الحاجة کلها من خصائص الحیاة الدنیا، لکن الآخرة وفقا لما ورد فی الآیات و الروایات لا تشابه فی خصائصها و قوانینها ما هو جار فی هذا العالم.

فرفع الید عن نعمة و الانشغال بغیرها (على فرض وجود هکذا حالة فی الجنة) لیس بسبب الملل من تلک النعمة، بل بسبب تنوع اللذات و تجددها، فالجنة هی الکمال الذی یبتغیه الأنبیاء و الأئمة و الصالحون، و حسب قول أمیر المؤمنین: " فلو رمیت ببصر قلبک نحو ما یوصف لک منها لعزفت نفسک عن بدائع ما أخرج إلى الدنیا من شهواتها، و لذاتها و زخارف مناظرها".

فالانسان فی الجنة فی سعی دائم مستمر، تشرق علیه التجلیات، و یرتقی من التجلیات الجسمانیة نحو رضوان الله، و یستقر فی عالم الربوبیة لیشاهد عالم الخلق.

و المسألة الأخرى المتعلقة بأهل الجنة أن لذتهم تقوم على أساس استضافة الله لهم، فهم یجلسون على مائدة ضیافته، أی هم متصلون بهذه الحقیقة فلا معنى للتعب و الملل فی حقهم.

الجواب التفصيلي

یبدو من السؤال أنه فیه نوع مقارنة للخصائص و القوانین الجاریة فی الحیاة الدنیا بما یجری فی الآخرة، فالنقص و العیب و المرض و الضعف و الموت و الحاجة کلها من خصائص الحیاة الدنیا، لکن الآخرة وفقا لما ورد فی الآیات و الروایات لا تشابه فی خصائصها و قوانینها ما هو جار فی هذا العالم. فلا یوجد فی الجنة جهات عدم و نقص، فتکون اللذة متواصلة لا یتسرب إلیها التغییر و الخلل، یقول تعالى: (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِیَ الْحَیَوَانُ لَوْ کَانُوا یَعْلَمُونَ)[1]، فعالم الآخرة و کل ما فیه مفعم بالحیاة، و التجدد، و الإنسان فی الجنة دائم السعی لأنه فی معرض مختلف التجلیات، یرتقی من التجلیات الجسمانیة إلى الرضوان الإلهی، و یستقر فی عالم الربوبیة لیشاهد عالم الخلق. فرفع الید عن نعمة و الانشغال بغیرها لیس بسبب الملل من تلک النعمة، بل بسبب تنوع اللذات، و اتصاف النعم الأخرویة بالحیاة و التجدد.

«الجنة» منزل رفیع خالد، و هی الکمال المقصود لجمیع الأنبیاء و الأولیاء، و المؤمنین، و بعبارة أشمل هی غایة آمال کل عباد الله الصالحین.

الإمام علی(ع) یصف جانبا من نعم الجنة فی أحد خطبه قائلا:

"فلو رمیت ببصر قلبک نحو ما یوصف لک منها لعزفت نفسک عن بدائع ما أخرج إلى الدنیا من شهواتها و لذاتها و زخارف مناظرها، و لذهلت بالفکر فی اصطفاق أشجار غیبت عروقها فی کثبان المسک على سواحل أنهارها، و فی تعلیق کبائس اللؤلؤ الرطب فی عسالیجها و أفنانها، و طلوع تلک الثمار مختلفة فی غلف أکمامها. تحنى من غیر تکلف فتأتی على منیة مجتنیها، و یطاف على نزالها فی أفنیة قصورها بالأعسال المصفقة، و الخمور المروقة. قوم لم تزل الکرامة تتمادى بهم حتى حلوا دار القرار، و أمنوا نقلة الأسفار. فلو شغلت قلبک أیها المستمع بالوصول إلى ما یهجم علیک من تلک المناظر المونقة لزهقت نفسک شوقا إلیها، و لتحملت من مجلسی هذا إلى مجاورة أهل القبور استعجالا بها"[2].

النقطة الأخرى التی ینغی الالتفات الیها أن الجنة هی الجائزة الإلهیة للمؤمنین التی وعدهم الله ایاها ثوابا و تفضلا لتجارتهم مع الله سبحانه. أساس استضافة الله لهم، فهم یجلسون على مائدة ضیافته، أی هم متصلون بهذه الحقیقة فلا معنى للتعب و الملل فی حقهم. فی الحیاة الدنیا لذة النکاح و الطعام اللذیذ و الشراب المنعش یضعف تأثیره و یزول بالتدریج، بسبب نقص هذه الدنیا، و لو فرضنا أنه لا یوجد هناک أی نقص؛ فلن یتحول السرور و البهجة إلى غم و حزن أبدا، و کل لذة ستبقى خالدة إلى الأبد، دون أی نوع من الضعف و الفتور.

و کأن القرآن یجیب عن هذا التساؤل بعینه قال تعالى: «ان الذین امنوا و عملوا الصالحات کانت لهم جنات الفردوس نزلا، خالدین فیها لایبغون عنها حولا»[3]. فلا یواجه أهل الجنة أی شعور بالملل و التعب، و لا یرغبون بالتحول عنها.



[1] - العنکبوت، 64.

[2] - نهج البلاغة، خ 165.

[3] - الکهف، 108.

س ترجمات بلغات أخرى