Please Wait
الزيارة
6663
محدثة عن: 2010/11/09
کد سایت fa6141 کد بایگانی 10809
گروه التفسیر
خلاصة السؤال
کیف تفسر الآیة التاسعة من سورة الجن؟
السؤال
کیف تفسر الآیة التاسعة من سورة الجن؟
الجواب الإجمالي

للمفسرین نظریات متفاوتة فی تفسیر هذه الآیات و ما یشابهها من الآیات، فالکثیر من المفسرین القدماء یصرون على حفظ ظاهر الآیة و التمسک به، و لکن الآلوسی أشار إلى عدة إیرادات على هذه التفاسیر ثم أجاب عنها.

و بعض المفسرین مثل صاحب «الظلال» یرى فی هذه الآیة و أمثالها أنها من مقولة الحقائق التی لا یمکن إدراکها، و لذلک مرّ علیها بسهولة. و ذهب بعض المفسرین إلى أبعد من ظاهر هذه الآیات حیث قالوا إن السماء التی ذکرت مقراً للملائکة هی عالم ملکوتی ما ورائی، و أنه خارج دائرة هذا العالم المحسوس و أعلى منه، و أن المراد من اقتراب الشیاطین لهذا السماء و استراق السمع ورجمهم بالشهب هو أنهم حاولوا الاقتراب من عالم الملائکة لیطلعوا على أسرار الخلق و حوادث المستقبل، و لکن الشهب أرجعت الشیاطین غیر القادرین على تحمل الأنوار المعنویة لعالم الملکوت.

الجواب التفصيلي

جاء فی الآیة التاسعة من سورة الجن قوله تعالى: «وَأَنَّا کُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ یَسْتَمِعِ الْآنَ یَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا»[1]. و قبل تفسیر الآیة لا بد من إیضاح بعض المصطلحات:

أولاً: الاستراق من «السرقة»[2] و السرقة تعنی أخذ مال الغیر بالخفاء دون أن یکون عارفاً بذلک، و أما استراق السمع فمعناه سرقة الکلام، و بعبارة أخرى إذا تحدث شخصان بصوت خافت و لا یریدان لغیرهما أن یسمع کلامهما فیأتی شخص ثالث للاستماع و معرفة الکلام بشکل مخفی، و هذا من الذنوب الکبیرة[3].

ثانیاً: الشهاب: فی اللغة یعنی شعلة النار التی یرتفع لهبها[4].

ثالثاً: الرصد: «بمعنى الاستعداد للمراقبة، نصب الکمین و تهیؤ الکامن فیه»[5].

و إن مضمون هذه الآیة ورد مکرراً فی سورتین من القرآن الکریم:

1ـ سورة الصافات: « إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ»[6].

2ـ سورة الحجر: «إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِینٌ»[7].

و الآیة المشار إلیها فی سورة الجن و الآیتان الأخرییان من الآیات التی أطال المفسرون الکلام فیها و قد توصلوا إلى نتائج مختلفة و نظریات متعددة منها:

1ـ البعض مثل کاتب تفسیر «فی ظلال القرآن» فإنه یمر على هذه الآیة و الآیتین الأخریین مروراً سریعاً و ذلک بقوله أن هذه من الحقائق التی لا یمکننا إدراکها، و علینا أن نتوجه إلى ما یمس حیاتنا العملیة، و هکذا فقد اقتنع و اکتفى بتفسیر مجمل، و قد صرف النظر عن التوغل فی هذه المسألة.

و یقول بصدد العجز عن إدراک هذه الحقائق: «و ما الشیطان؟ و کیف یحاول استراق السمع؟ و أی شیء یسترق؟. کل هذا غیب من غیب الله، لا سبیل لنا إلیه إلا من خلال النصوص. و لا جدوى فی الخوض فیه، لأنه لا یزید شیئاً فی العقیدة؛ و لا یثمر إلا انشغال العقل البشری بما لیس من اختصاصه، و بما یعطله عن عمله الحقیقی فی هذه الحیاة. ثم لا یضیف إلیه إدراکاً جدیداً لحقیقة جدیدة»[8].

و أما صاحب تفسیر الأمثل فقد اعتبر هذا الموقف مرفوضا وبعیدا عن الموضعیة حیث قال: «و ینبغی التنویه هنا إلى أنّ القرآن کتاب سماوی جاء لتوجیه الإنسان إلى الحق، و هو کتاب حیاة و تربیة، فإن کان فیه ما لا یخص الحیاة الإنسانیة فمن الأولى أن لا یطرح أصلا، و هذا خلاف التخطیط و المنهج الرّبانی، و کلّ ما فیه دروس لنا و منهج قویم للحیاة.

و التسلیم بوجود حقائق غامضة فی القرآن أمر مرفوض .. أو لیس القرآن کتاب نور، و کتابا مبینا؟! أو لم ینزل کی یفهمه الناس و یسیروا بهدیه؟! فکیف إذن .. لا یهمنا فهم بعض آیاته؟! و بکلمة: فإنّ هذا التّفسیر مرفوض؟!»[9].

2ـ هناک عدد من المفسرین القدماء یصرون على الاحتفاظ بالمعنى الظاهری للآیات فقالوا: «فالسماء هی هذه السماء، و الشهاب هو ما نراه و نسمیه شهاباً (أی الکرات الصغیرة التی تسبح فی الفضاء، و تخترق بین الحین و الآخر جاذبیة الأرض فتنطلق نحوها بسرعة فتحترق نتیجةً لاحتکاکها بالهواء المسبب لزیادة حرارتها).

و الشیطان هو ذلک الموجود الخبیث المتمرد الذی یحاول أن یخترق أعماق السماوات لیطلع على أخبار ذلک العالم لیوصل تلک الأخبار إِلى أولیائه الأشرار على الأرض من خلال استراقه السمع، و لکنّه یُمنع من الوصول إِلى هدفه برمیه بالشهب»[10].

ذکر هذا التّفسیر الفخر الرازی فی تفسیره الکبیر، و کذلک الآلوسی فی (روح المعانی) بعد طرح الإشکالات المختلفة فی الموضوع اعتمادا على علم الهیئة و الطبقات الفلکیة القدیم و أمثال ذلک. و أکثر العلماء فیه البیان من خلال الإجابة على تلک التساؤلات. و لا ضرورة لذکرها لما وصل إلیه علم الفلک فی یومنا[11].

3ـ و ذهب جمع من المفسّرین مثل العلّامة الطّباطبائی فی (تفسیر المیزان) إلى حمل هذه الآیات على التشبیه و الکنایة و ضرب الأمثال، أو ما یسمّى بـ (البیان الرمزی) ثمّ شرحوا ذلک بصور عدّة:

نقرأ فی تفسیر المیزان: (أورد المفسّرون أنواعا من التوجیه لتصویر استراق السمع من الشیاطین و رمیهم بالشهب، و هی مبینة على ما سبق إلى الذهن من ظاهر الآیات و الأخبار، إنّ هناک أفلاکا محیطة بالأرض تسکنها جماعات من الملائکة و لها أبواب لا یلج فیها شی‏ء إلّا منها، و إنّ فی السماء الأولى جمعا من الملائکة بأیدیهم الشهب یرصدون المسترقین للسمع من الشیاطین فیقذفونهم بالشهب.

و قد اتّضح الیوم اتضاح عیان بطلان هذه الآراء.

و یحتمل- و اللّه العالم- أنّ هذه البیانات فی کلامه تعالى من قبیل الأمثال المضروبة تصور بها الحقائق الخارجة عن الحس فی صورة المحسوس لتقریبها من الحس، و هو القائل عزّ و جلّ فی سورة العنکبوت (43): "وَ تِلْکَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما یَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ" و هو کثیر فی کلامه تعالى و منه العرش و الکرسی و اللوح و الکتاب.

و على هذا یکون المراد من السماء التی تسکنها الملائکة عالما ملکوتیا ذا أفق أعلى، نسبته إلى هذا العالم المشهود نسبة السماء المحسوسة بأجرامها إلى الأرض، و المراد لاقتراب الشیاطین من السماء و استراقهم السمع و قذفهم بالشهب اقترابهم من عالم الملائکة للاطلاع على أسرار الخلقة و الحوادث المستقبلة و رمیهم بما لا یطیقونه من نور الملکوت»[12].

4. اما صاحب تفسیر الامثل فانه بعد أن استعرض التفاسیر المذکورة خلص الى النتیجة التالیة حیث قال: و من کل ما تقدم یمکننا القول: إن «السماء» کنایة عن سماء الحق و الإیمان، و الشیاطین تسعى أبدا لاختراق هذه السماء و التسلل إلى قلوب المؤمنین المخلصین عن طریق تخدیر حمارة الحق بأنواع الوساوس لصرعهم.

و لکن علم و تقوى أولیاء اللّه و قادة دعوة الحق من الأنبیاء و الأئمّة علیهم السّلام و العلماء العاملین کفیل بأن یبعد عبدة الجبت و الطاغوت عن هذه السماء.

و هذا ما یساعدنا على فهم ذلک الترابط بین ولادة النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أو ولادة المسیح علیه السّلام، و بین طرد الشیاطین عن السماء.

و یساعدنا کذلک على أن نفهم تلک الرابطة بین الصعود إلى السماء و الاطلاع على الأسرار، لتیقننا بعدم وجود أخبار خاصّة بین طبقات هذه السماء المشاهدة، و کل ما هناک لا یتعدى عجائب الخلقة التی صورها الباری جل شأنه و التی یمکن دراسة الکثیر منها على سطح الأرض، و الذی ربما أصبح شبیه بالبدیهی من أن الأجرام السماویة المنتشرة فی الفضاء اللامتناهی بعضها أجرام فاقدة للحیاة و أخرى حیة، و لکنّ حیاتها لیست کحیاتنا.[13]

یمکن القول أن ما ذکرناه یمثل أشهر الأقوال التی تعرض لها المفسرون فی تفسیر الآیة و الآیات المشابهة لها.

 



[1]  الجن: 9.

[2]  لسان العرب، ج10، ص156.

[3]  الطیب، سید عبد الحسین، أطیب القرآن، ج8، ص20، منشورات إسلام، الطبعة الثانیة، طهران، 1378 ش.

[4]  الراغب، مفردات فی غریب القرآن، ج1، ص465.

[5]  قاموس القرآن، ج3، ص101.

[6]  الصافات، 10.

[7]  الحجر: 18.

[8]  الشاذلی، سید بن قطب، تفسیر فی ظلال القرآن، ج4، ص2133، الناشر دار الشروق، الطبعة السابعة عشر، بیروت، 1412 ق.

[9]  مکارم الشیرازی، ناصر، التفسیر الأمثل، ج8، ص41، مدرسة الامام علی بن ابی طالب، الطبعة الأولى، قم، 1421هـ.

[10]  مکارم الشیرازی، ناصر، التفسیر الأمثل، ج8، ص41.

[11]  انظر: الآلوسی، سید محمود، روح المعانی، ج7، ص270، دار الکتب الإسلامیة، الطبعة الأولى، بیروت، 1415 ق.

[12]  انظر: تفسیر المیزان، ج 17، ص 124( فی تفسیر الآیات من سورة الصافات).

 الامثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج8، ص46-47.[13]