الزيارة
5708
محدثة عن: 2011/03/03
کد سایت fa7960 کد بایگانی 12700
خلاصة السؤال
هل صدر ترک الاولى من الائمة المعصومین؟
السؤال
هل صدر ترک الاولى من الائمة المعصومین؟ الرجاء بیان مستند المدعى إن کان الجواب بالنفی.
الجواب الإجمالي

لم تکن الادعیة و طلب الاستغفار الصادرة من المعصومین (ع) ناشئة عن إقتراف الذنوب و المعاصی؛ ولا تنافی بین ذلک و بین ما نعتقده نحن معاشر الشیعة من عصمتهم (ع)؛ لان هذه الادعیة اما أن تحمل بعدا تعلیمیاً لاتباعهم و للسائرین على نهجهم، و إما أن تکون استغفارات واقعیة، فعلى القول الاول القضیة واضحة، و اما على القول الثانی فیمکن توجیه القضیة بان الذنب الصادر منهم لیس من قبیل الذنوب التی یقترفها سائر الناس، بل هناک قضایا لا تعد ذنبا بالنسبة الى عموم الناس و لکنها لو صدرت من هؤلاء العظماء تعد ذنباً، و من هنا قیل "حسنات الابرار سیئات المقربین".

و هذا التوجیه یطلق علیه علمیاً عنوان "ترک الاولى"، فیکون جواب السؤال المطروح: نعم، قد صدر منهم (ع) ما یعد من قبیل ترک الاولى. لکن لو نظرنا الى القضیة من زاویة أخرى و هی عدم احاطتنا بالاسباب التی دعت المعصوم لارتکاب تلک الامور، و هذا الجهل وعدم الاحاطة یجعل من الصعب تحدید مصادیق ترک الاولى بنحو دقیق، حیث هناک الکثیر من الامور تظهر للوهلة الاولى أنها من قبیل "ترک الاولى" لکن الامعان فیها و فی الاسباب التی دعت الیها تخرجها عن کونها ذنوباً سواء بالمعنى المتعارف للذنب او من قبیل ترک الاولى.

الجواب التفصيلي

من المسلّمات لدى اکثر علماء الشیعة قضیة عصمة النبی الاکرم (ص) و الائمة (ع)، و انطلاقا من هذا لا یصدر من الائمة (ع) ما یعد ذنباً و خطأ من وجهة نظر القرآن و السنة.

و فی المقابل عندما نرجع الى القرآن الکریم هناک بعض الآیات یدل ظاهرها على صدور الذنب من الانبیاء، و التی بحثت فی محلها.[1]

اما بالنسبة الى الائمة (ع) فهناک روایات کثیرة جداً تشیر الى استغفارهم (ع) و طلبهم الرحمة و العفو من الله تعالى.

فقد ورد فی دعاء کمیل: " اللهم اغفر لی الذنوب التی تهتک العصم اللهم اغفر لی الذنوب التی تنزل النقم اللهم اغفر لی الذنوب التی تغیر النعم اللهم اغفر لی الذنوب التی تحبس الدعاء اللهم اغفر لی الذنوب التی تنزل البلاء اللهم اغفر لی کل ذنب أذنبته...".

و فی خبر ضِرَارِ بن حمْزَةَ الضَّبَائِیِّ عِنْدَ دُخُولِهِ عَلَى مُعَاوِیَةَ وَ مَسْأَلَتِهِ لَهُ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ (ع)؟ قال: فَأَشْهَدُ لَقَدْ رَأَیْتُهُ فِی بَعْضِ مَوَاقِفِهِ وَ قَدْ أَرْخَى اللَّیْلُ سُدُولَهُ وَ هُوَ قَائِمٌ فِی مِحْرَابِهِ قَابِضٌ عَلَى لِحْیَتِهِ یَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِیمِ وَ یَبْکِی بُکَاءَ الْحَزِینِ وَ یَقُولُ: یا دُنْیَا یَا دُنْیَا إِلَیْکِ عَنِّی أَ بِی تَعَرَّضْتِ أَمْ إِلَیَّ تَشَوَّقْتِ لا حَانَ حِینُکِ هَیْهَاتَ غُرِّی غَیْرِی لا حَاجَةَ لِی فِیکِ قَدْ طَلَّقْتُکِ ثلاثاً لا رجعةَ فیهَا فَعَیْشُکِ قَصِیرٌ و خَطَرُکِ یَسِیرٌ وَ أَمَلُکِ حَقِیرٌ، آهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ وَ طُولِ الطَّرِیقِ وَ بُعْدِ السَّفَرِ وَ عَظِیمِ الْمَوْرِد.[2]

من هنا قد یقع التعارض الظاهری بین هذه النقولات و الاحادیث و بین القول بعصمة الائمة.

و لکن الباحثین و المحققین حاولوا رفع هذه الاشکالیة و حل التعارض من خلال طرح مجموعة من النظریات، نشیر الى اثنتین منها:

1. یذهب اصحاب هذه النظریة الى أن الائمة (ع) لم یصدر منهم ما یحتاج الى الاستغفار و طلب العفو، و ان ما صدر منهم من أذکار و أدعیة کلها تحمل بعداً تعلیمیاً لغیرهم و لاتباعهم و السائرین على نهجهم.

و هذه النظریة لا یمکن الرکون الیها و الاخذ بها، و ذلک لانها و ان صحت فی بعض الاحیان حیث نرى الائمة یعلّمون اتباعهم طریقة الدعاء و الاستغفار کدعاء " أم داود" المعروف.[3] و لکن ما ذا نصنع بالادعیة التی کانوا یرددونها فی خلواتهم و فی منتصف اللیل مقترنة بالبکاء و التضرع و التذلل الى الله؟! هل یمکن التعامل مع ذلک على انه شبه عملیة تمثیلیة – نعوذ بالله- یمارسها الائمة أو انها مجرد تصنع و تظاهر بالخشوع و التذلل؟!! او القول بانها نابعة من الاعماق و انهم یدعون الله صادقین فی المغفرة التی یشعرون بالحاجة الیها حقیقة؟.

و لاریب ان اختیار الرأی الثانی یثیر السؤال التالی: ما هی نوعیة الذنوب التی صدرت منهم و التی یطلبون (ع) من الله غفرانها؟

2. النظریة الثانیة: تذهب الى أن دعاء الائمة و استغفارهم (ع) حقیقی و واقعی، و ان کانوا معصومین من الذنوب التی نحن نقترفها و نقع فیها، لکنّ هناک أمورا لا تعد بالنسبة الینا ذنبا لو قدر ان اقترفناها، و لکنها فی الوقت نفسه تعد ذنباً للمعصوم ان قام بها؛ و الاستغفار الصادر منهم یختص بهذا النوع من الاعمال.

الجدیر بالذکر ان مفهوم "ترک الاولى" لم یرد فی المصادر الدینیة (القرآن و السنة" و انما هی من العبارات التی ابتکرها العلماء و الباحثون فی معالجة هذه القضیة.

و مصداق "ترک الاولى" هو، اختیار الحسن فیما لو تردد الامر بین الحسن و الاحسن؛ و من الواضح هنا ان الانسان لم یقترف ذنبا فی اختیاره للحسن و ترکه للاحسن، و لکن الاولى و الافضل اختیار الاحسن، فغفلة الانسان عن ارتکاب الاحسن تحرمه من الوصول الى نتیجة افضل و ثمرة أتم.

و لعل من افضل الادلة المثبتة لصدور ترک الاولى من الائمة (ع) تلک المقاطع من الادعیة و التوسلات و التضرعات الصادرة عنهم علیهم السلام و التی یتوسلون الى الله تعالى فیها فی طلب المغفرة؛ فاذا لم یکن کل هذا طلبا لمغفرة الذنوب المصطلحة فلابد ان یکون طلبا لمغفرة ما صدر عنهم من "ترک الاولى" و هذا ما یناسب منزلتهم الرفعیة، و من هنا قیل: " حسنات الابرار سیئات المقربین".[4]

و یمکن تقریب ذلک بمثال حسّی، فقد ترى شابا یفنی الکثیر من عمره هدراً و عبثاً و فی الوقت نفسه لا یشعر بأی حسرة أو ندم على ما فرط به من رأس مال ثمین المتمثل فی عمره الذی لا یقدر بثمن، و لکن فی المقابل نجد الباحث و المحقق العارف بقیمة الزمن یتحسر و یتألم کثیراً للتفریط بساعات قلیلة من عمره لم یستفد منها، و لا ریب ان تحسّر هذا العالم و تألمه لیس قضیة مصطنعة و عملیة تمثیلیة بل تنطلق من أعماقه حقیقة لعلمه بقیمة الوقت.

و قد اوضح الامام الخمینی (ره) هذه النظریة بالنحو التالی: "لو یتأمل الانسان فی الأدعیة الصادرة عن الأئمة (ع)، فی شهر رمضان و غیره من الایام.... لقنط من رحمة الله تعالى لولا النهی الوارد فی القرآن الکریم عن النهی عن القنوط من رحمة الله تعالى. فهذا الامام السجاد (ع) ترون مناجاته و ترون کیف یرتعد من المعاصی و الذنوب. فالقضیة أکبر مما نتصوره نحن، و هی أعظم مما یجول فی ذهننا و عقولنا و ما تجود به کلمات العارفین، المسألة ان الاولیاء یدرکون حقیقة هذا الامر و یعرفون واقع القضیة. فهم (ع) یدرکون من نحن؟ و أمام أی عظیم نقف و مع أی سلطان نتعامل؟!! انهم یعلموننا ذلک و لکن هذا لا یعنی ان أدعیتهم ذات صبغة تعلیمیة صرفة، بل کانوا یدعون لانفسهم؛ هم یخشون الله تعالى و یبکون من ذنوبهم حتى الصباح.

فالکل، بدأ النبی الاکرم (ص) و حتى امام العصر (عج) یخشون الذنب، لکن ذنوبهم لیست من سنخ ذنوبنا، إنهم یدرکون عظمةً، تجعلهم یعدون الالتفات الى الکثرة کبیرة لا ینبغی القیام بها. فهذا الامام السجاد (ع) روی عنه ان بات لیلته یردد "اللهم ارزقنی التجافی عن دار الغرور و الانابة الى دار السرور و الاستعداد للموت قبل حلول الفوت".[5] فالمسالة مسألة کبیرة و خطیرة، انهم عندما یضعون انفسهم بین یدی العظمة الالهیة، یرون انهم لیسوا بشیء قیاسا الى تلک العظمة الالهیة و لا یملکون شیئاً، و الواقع کذلک: کل ما سواه لا شیء، من هنا لا یتسحق عالم الکثرة الالتفات الیه.

و لذلک نسب الى النبی الأکرم (ص) أنه قال: "إِنَّهُ لَیُغَانُ عَلَى قَلْبِی وَ إِنِّی لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِی کُلِّ یَوْمٍ سَبْعِینَ مَرَّةً".[6]

ان هذه القضیة لیست کما یحدث عندنا. انهم علیهم السلام فی ضیافة الله، بل هم فی موقع أسمى من الضیافة. فهم فی ضیافة الله و حاضرون بین یدی الحق تعالى، و لکنهم مع ذلک ملکفون بالدعوة و الارشاد فی اوساط الناس. من هنا یحصل بعض الکدر، ان الالتفات من الغیب الى بعض المظاهر الالهیة، و الالتفات من الغیب الى الشهادة، و ان کان الجمیع لله تعالى، و لکنه مع ذلک یعد بالنسبة الیهم ابتعاد بنحو ما عن الانقطاع للغیب المطلق الذی یرومونه "بنی کمال الانقطاع الیک"، من هنا یعدون الالتفات الى المظاهر ذنباً کبیراً لایغتفر، و حسب تعبیر الامام السجاد (ع) "دار الغرور" الالتفات الى الملکوت دار غرور بل الالتفات الى ما فوق الملکوت دار غرور ایضا. و الالتفات الى الحق تعالى من دون التفات الى الضیافة، هذا المقام مقال الکمّل من الاولیاء، لانه فی هذا المقام ینتفی الالتفات الى الضیافة بالکامل.[7]

لکن ینبغی الالتفات الى قضیة أخرى، و هی صحیح أن النظرة الکلیة للادعیة و الاذکار الصادرة عنهم (ع) یبدو منها لأوّل وهلة أنها واقعیة و ناشئة من بعض الکدر الذی قد یحصل لهم و انها من قبیل ترک الاولى بلحاظ انها ابعدتهم و لو للحظات عن الدرجات السامیة للعبادة ، لکن الالتفات الى کون هؤلاء الائمة (ع) یدرکون بما لاریب فیه افضل منا المصالح المترتبة على العبادة، فمن هنا لا نستطیع الحکم على ما یصدر منهم مما هو فی ظاهره من قبیل "ترک الاولى" و لا یمکن جرد هذه الحالات فی قائمة معینة نضعها تحت یدی السائل؛ و ذلک لان الائمة (ع) یحاولون فی بعض الاحیان الحد من ظاهرتی الافراط و التفریط التی یصاب بها اتباعهم، و لذلک یصدر منهم ما یظهر منه انه من قبیل "ترک الاولى" لکن التأمل فی القضیة و امعان النظر فیها یعطی العکس من ذلک.

فعلى سبیل المثال، نحن لا نشک بان الصیام نهاراً و القیام لیلاً سبیل لنیل المراتب السامیة و الدرجات المعنویة العالیة، لکن نرى النبی الأکرم (ص) ینهى عن الافراط فی هذه القضیة الذی قد ینجر فی نهایة المطاف الى ترک العبادة بالکامل، من هنا نراه یقول: "أَلَا إِنَّ لِکُلِّ عِبَادَةٍ شِرَّةً ثُمَّ تَصِیرُ إِلَى فَتْرَةٍ فَمَنْ صَارَتْ شِرَّةُ عِبَادَتِهِ إِلَى سُنَّتِی فَقَدِ اهْتَدَى وَ مَنْ خَالَفَ سُنَّتِی فَقَدْ ضَلَّ وَ کَانَ عَمَلُهُ فِی تَبَابٍ أَمَا إِنِّی أُصَلِّی وَ أَنَامُ وَ أَصُومُ وَ أُفْطِرُ وَ أَضْحَکُ وَ أَبْکِی فَمَنْ رَغِبَ عَنْ مِنْهَاجِی وَ سُنَّتِی فَلَیْسَ مِنِّی".[8]

و برؤیة أخرى، نحن نعلم بان عدم الاهتمام بالمظاهر الدنیویة، کاللباس و الفراش و الطعام، أمر مستحسن و خاصّة بالنسبة الى الائمة و الاولیاء[9] و لکن مع ذلک نرى الامام الصادق (ع) الذی یعد نموذجا من سلسلة المعصومین علیهم السلام، یحاول ابطال ما یتظاهر به مدعو الزهد و التقشف فیلبس افضل اللباس و اجملها و یدعم موقفه هذا بآیات من الذکر الحکیم لیرد بها على المعترضین.[10]

فقد یترآى للوهلة الاولى أن هذا السلوک من الامام یعد من قبیل"ترک الاولى" لکن التأمل الدقیق فی القضیة یظهر لنا: ان الائمة لو قاموا فی ذلک العصر خاصة، بلبس الصوف و الابتعاد عن الطعام و الشراب و هجر الفراش و النوم، لکان سلوکهم هذا داعماً و مؤیداً للافکار الانحرافیة الافراطیة التی کانت شائعة.



[1]انظر: السؤال رقم 1973 من هذا الموقع.

[2] نهج‏البلاغة ص : 480، الحکمة 77، نشر دار الهجرة، بدون تاریخ.

[3]المجلسی محمد باقر، بحار الانوار، ج47، ص307، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404هـ.

[4]نفس المصدر، ج70، ص 317.

[5]نفس المصدر، ج95، ص 63. فی البحار "دار الخلود" بدلا عن "دار السرور".

[6]نفس المصدر، ج25، ص204.

[7]صحیفة الامام، ج 268-269، مؤسسة تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی، طهران، 1386، الطبعة الرابعة.

[8]الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج2، ص85، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1365هـ ش.

[9]نفس المصدر، ج1، ص410، ج3؛ و کشف الغمة، ج1، ص163.

[10]انظر: الکافی، ج5، ص65، ج1.

س ترجمات بلغات أخرى