الزيارة
6910
محدثة عن: 2008/10/28
کد سایت fa1000 کد بایگانی 3139
خلاصة السؤال
کیف یمکن إثبات کون الله رحیماً، مع الأخذ بنظر الاعتبار وجود الخیر و الشر، و القبح و الحسن فی العالم؟
السؤال
کیف یمکن إثبات کون الله تعالى رحیماً، و بمقدار ما یوجد فی هذا العالم من خیر حسن یوجد فیه شر قبیح، ففی عالم الحیوان مثلاً یوجد حیوانٌ جمیل و یوجد حیوان قبیح و هناک المفترس و الألیف. فهل یحتمل وجود إلهین أحدهما للخیر و الآخر للشر؟ و کیف یمکن أن ندحض هذه الفکرة؟
الجواب الإجمالي

فی بحث مسألة رحمة الله و صفاته الأخرى لابد من الأخذ بنظر الاعتبار خصوصیات کل موجود و الالتفات إلى عظمة وجوده و ما فیها من أبعاد لتدرس دراسة مفصلة، فمثلا إن الله خلق الإنسان على أحسن حالاته، و قد تکفل بسد جمیع احتیاجاته فی هذا العالم و فی العالم الآخر، بل سخر جمیع الموجودات لخدمة الإنسان و هذا أفضل دلیل على رحمة الله بالنسبة للإنسان، و کذلک فإن الله سبحانه رحیم بجمیع الموجودات حیث أوجدها من العدم و أظهرها إلى عالم الوجود، و أمن لها جمیع احتیاجاتها و هداها جمیعاً إلى کمالها، و من جهة أخرى فإن کل قبیح و مزعج فی عالم الوجود له دلیل و تفسیر خاص، یتضح للإنسان بعد الاطلاع علیه، و لا توجد أی منافاة بینه و بین الرحمة الإلهیة.

الجواب التفصيلي

فی بحث مسألة رحمة الله و صفاته الأخرى لابد من الأخذ بنظر الاعتبار خصوصیات کل موجود و الالتفات إلى عظمة وجوده و ما فیها من أبعاد لتدرس دراسة مفصلة، فمثلاً تکون الرحمة بالطفل الرضیع فی منعه من تناول الآلات الحادة التی تسبب له الأذى، و فی إعطائه کمیة الغذاء المناسبة لسد حاجته. أما بالنسبة لرحمة الوالدین بولدهما الرضیع فتتعدى إلى أبعد من ذلک لتشمل إبعاده عن الخطر و تأمین کل احتیاجاته من المأکل و الملبس و غیرها، إضافة إلى الحفاظ علیه من خطر الأمراض المعدیة من خلال الإقدام على تزریقه بکل اللقاحات الواقیة التی قد تکون خلافاً لرغبته و رضاه و قد تسبب له الآلام و التشنجات و ارتفاع فی درجة الحرارة و قدراً من الالتهابات و الأعراض الأخرى، و لکن الوالدین مع ذلک یقدمان على هذا العمل و یحرصان على أن یؤدیانه بکل دقة، و ذلک لأنه یمثل عین الرحمة لطفلهما. لعلمهما بما ینتظر هذا الطفل من الأمراض فی حالة عدم إعطائه اللقاحات اللازمة لوقایته، و لو أن الوالدین ترکا أداء هذا العمل من أجل أن لا یزعجا طفلهما، فإن الجمیع یوجه لهما الملامة و التوبیخ؛ لأنها مقصران بحق طفلهما، و لم یولیاه القدر اللازم من الرحمة و العطف.

فکما ان رحمة الوالدین متفاوتة کذلک الرحمة الالهیة بالنسبة الی عباده فانها بدرجة عالیة من الرحمة و الرأفة فلا یقاس بها رحمة.

 فلو إنا نعلم أن حیاة البشر تختم بموته و لا تتعداها إلى عالمٍ آخر فمن الممکن أن لا نجد تبریراً و تفسیراً لبعض المزعجات و الظروف غیر الملائمة، و نصفها خلافاً للطف و الرحمة، و لکن الأمر مختلف عندما ننظر إلى حیاة الإنسان بکل مراحلها ابتداءً بعالم الأجنة ثم عالم الحیاة الدنیا مروراً بالموت و عالم البرزخ و القبر و انتهاءً بمصیره المحتوم، إما إلى الجنة أو إلى النار، و ندرس مسألة الرحمة الإلهیة على أساس سعة هذه العوالم، فإن ذلک یجعلنا نرى بکل وضوح مقدار الرحمة الإلهیة بهذا المخلوق، و أن جمیع الحوادث و الوقائع غیر خارجة من هذه الرحمة.

لأننا سوف نکتشف أن الله تعالى أمن لکل المخلوقات جمیع احتیاجاتها و مهد لها سبل الوصول إلى الکمال الذی یتلاءم مع طبیعة خلقها. أی أن الله هیأ لکل مخلوق ما یتلاءم و طبیعته من أسباب الکمال. و هذا دلیل اللطف و المحبة من قبل الباری بمخلوقاته، إضافة إلى قدرة الله اللامتناهیة و علمه المحیط بکل شیء، فلا یوجد أی مانع یحول بین المخلوقات و وصول الرحمة الإلهیة، و ذلک لأنه لا یوجد لدیه حسد، و لا خوف على نفاد قدرته، و لا یعتری ساحته الجهل و لا سبیل إلى النقص حتى یکون ذلک مانعاً من وصول لطفه و رحمته عباده، فکیف یمکن قبول نسبة التقصیر له فی حق مخلوقاته؟ نرى أنه سبحانه أوجد «أفضل عالم» من خلال علمه و قدرته، العالم الذی یتوفر فیه أکبر قدرٍ من الخیر، و هذا الخیر و الرحمة تتناسب مع العظمة الإلهیة.

و من جهة أخرى فإن الذی جعل کل هذا الحب و الرحمة فی قلب الوالدین لولدهما ـ و الأم على الخصوص ـ لابد و أن یکون له من الرحمة و اللطف درجة أعلى و أکمل، و لا یفتقد المحبة، و کما یقول الفلاسفة «إن من یعطی الکمال للآخرین لا یکون فاقداً للکمال».[1]

و أما بالنسبة إلى ما نشاهده فی العالم من ظلم و مصاعب و مصائب و نکبات و مزعجات فإنها تقسم إلى قسمین:

1ـ بعض الحوادث التی تحدث نتیجة لسلوک بعض الناس المنحرف، کالظلم و التعدی و القتل... .

2ـ الآلام التی تعقب الحوادث الطبیعیة کالسیول و الزلازل و سنی القحط و الجفاف و الأمراض... .

أما فیما یخص القسم الأول فلابد من القول: أن الله خلق الإنسان مختاراً لیکون له الاختیار بین الخیر و الشر و الحسن و القبیح، و من لوازم هذا النظام وقوع بعض الآلام و الشرور نتیجة للاختیار السیئ بالنسبة للإنسان، و من الواضح أن هذه الآلام و المزعجات لیست من قبل الله تعالى، و إنما تحدث بواسطة مخلوقات الله، و کما جاء فی القرآن الکریم: «ظهر الفساد فی البر و البحر بما کسبت أیدی الناس».[2]

و لکن إذا أخذنا یوم الحساب و القیامة بنظر الاعتبار، فإن هذه الحقوق و المظالم و ما یتبعها من آلام سوف تعوض فی ذلک الیوم و تعاد الحقوق إلى أهلها.

أما بالنسبة للمجموعة الثانیة و التی تعقب الحوادث الطبیعیة فینبغی التوجه إلى النقاط التالیة:

1ـ إن هذه الدنیا میدان للاختبار و الامتحان لأفراد البشر، و کل ما فیها من أفراح و أتراح و غنى و فقر و صحة و مرض و غیر ذلک، إنما هی تقلبات تمثل کل منها مفردة للابتلاء و الامتحان لیتمیز الخبیث من الطیب، و إذا وضعنا نصب أعیننا ما أعده الله من ثواب جزیل لعباده فإننا سوف نجد أکثر الأشیاء مرارة و ألماً لا تخرج عن دائرة الرحمة الإلهیة، بل هی عین الرحمة و اللطف الإلهی، و ذاک لأنه کلما کان الألم أشد و المعاناة أشد یکون الثواب أکبر و الجزاء أجزل، و قد وردت إشارات کثیرة فی القرآن بخصوص هذه المسألة کما فی قوله: «وَ لَنَبْلُوَنَّکُمْ بِشَیْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَ الأَنْفُسِ وَ الثَّمَرَاتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِینَ».[3]

2ـ إن المصاعب و العقبات تشکل حقلاً لتربیة الأفراد و إیقاظ الأمم و شحذ إراداتها و تقویة عزائمها،[4] و من هنا فإن وجود المصاعب یتلائم و یتطابق مع أهداف الخلق و لیس فیه أی منافاة للرحمة الإلهیة، بل ینسجم مع إرادة الله فی إیصال الموجودات إلى کمالها.

3ـ إن للکثیر من المصاعب و المزعجات أثراً کبیراً فی نضج و ارتقاء الروح و استفزاز المواهب الکامنة فی داخل الإنسان، و إن الأشخاص الذین یولدون من رحم المصائب و یعانون من الفقر و الحرمان و یقامون الظروف القاسیة یکون لهم نصیبٌ أوفر من الموفقیة و النجاح، و إن البشریة مدینة لمثل هؤلاء فی نهضتها و تقدمها.

4ـ إذا لم یوجد الجمیل إلى جنب القبیح، فلا الجمیل جمیل و لا القبیح قبیح، فإذا لم یکن فی العالم قبیح لا یوجد فیه جمیل، لأن جاذبیة الجمال تنشأ من منفریة القبیح.[5]

5ـ إن القبائح مقدمة لوجود المحاسن و خلاقه و موجدة لها، بمعنى أن السعادة و الهناء مستقر فی داخل الآلام و المصائب، کما أن المصائب و النکبات قد تکون کامنة داخل السعادة و الهناء، و هذه من خصوصیات هذا العالم.[6]

و علیه فإذا أخذنا بنظر الاعتبار ما ذکرنا فی النقاط المتقدمة، فسوف یتضح لنا أن الشرور و الآلام التی نستشعرها و نحس بها فی هذا العالم لیست إلا طریقاً و مسیراً یعبر بنا إلى الخیر الکثیر.

أما ما یخص الشق الثانی من سؤالکم حول وجود خالق للشر، فالجواب هو أن الشر لیس شیئاً وجودیاً لیکون له خالق، و إنما هو أمرٌ عدمی ینتج عن انعدام شیءٍ آخر، فمثلاً لا یوجد خلق نقص عضو معین، و إنما الحاصل عدم خلق عضوٍ من الأعضاء و بذلک تدفع شبهة «الثنویة» و وجود إلهین یدیران العالم، لأن الوجود لیس على نوعین حتى یکون له مبدأین.[7] بل إن الوجود من جهة وجوده خیر، و من جهة عدمه شر، و إن الوجود بحاجة إلى خالق، أما العدم فلا یحتاج إلى خالق، إذن للعالم خالق واحدٌ لا غیر.

اما ما ذکرتموه من الامثلة الوجودیة فقلتم حیوان جمیل و حیوان قبیح و آخر الیف و ثالث مفترس، ففی الحقیقة انه لایوجد هنا حسن و قبح، بل کل حیوان متکامل بنوعه فالعقرب متکاملة بصورتها العقربیة و الا لو فرضنا سلبنا عنها حالة اللدغ و الدفاع عن نفسها بالسم لکانت موجودا ناقصا بالنسبة الى نوعه و هکذا الاسد فلو سلب عنه المخالب و الافتراس لاصبح ناقصا و غیر متکامل فی نوعه، و هکذا سائر الموجودات؛ اما لماذا هذا الخلق ففی الواقع ان طبیعة الحیاة تقتضی ذلک و جمالیة الکون بصورته الکلیة تتطلب ذلک، نضرب لک مثلا انه و قبل عدة عقود رأی العلماء ان الاسود تفترس الغزلان فی احد الحقول ففکروا بعزل قطیع کبیر من الغزلان عن الاسود و لکن بعد فترة وجدوا ان نسبة النفوق (الموت) کثر فی وسط قطیع الغزلان و حینها اکتشفوا ان النمور و الاسود انما تستطیع افتراس الغزلان المریضة و الهیزلة و بذلک لاینتقل المرض الى الصحیحة منها و لکن بعد عزلها اصبحت تؤثر مما کان لها مردود سلبی على سائر الغزلان السالمة فانتشر فیها المرض فزادت نسبة النفوق و الموت.



[1] بدایة الحکمة، العلامة الطباطبائی، ص 269؛ «معطی الکمال غیر فاقد».

[2] الروم، 41.

[3] البقرة، 155.

[4] العدل الإلهی، الشهید مطهری، ص 156.

[5] العدل الإلهی، الشهید مطهری، ص 143.

[6] العدل الإلهی، الشهید مطهری، ص 149.

[7] العدل الإلهی، الشهید مطهری، ص135.

س ترجمات بلغات أخرى