بحث متقدم
الزيارة
4200
محدثة عن: 2013/04/15
خلاصة السؤال
نظرا الی الروایات المختلفة، هل انّ اظهار المحبة والمودة للآخرین، ومدحهم وتشجیعهم یعد امرا ایجابیا ام سلبیا من الناحیة الاخلاقیة؟
السؤال
قد جاء فی بعض الروایات النهی عن الثناء علی المؤمن ومدحه فی حضوره وفی بعضها الآخر جائت التوصیة باظهار المحبة والمودة للمؤمن وتشجیعه ومدحه اذا قام بعمل صالح. کیف یمکننا الجمع بین هذه الروایات؟
الجواب الإجمالي

یجب ان یقال فیما یتعلق بمحبة الآخرین، انّنا احیانا نحب شخصا ما بسبب خصائصه وصفاته الروحیة والاخلاقیة دون ان تکون لنا ای علاقة مباشرة به، هذه صفة ایجابیة تناولناها بالتفصیل فی موضعها. لکن الناس یحتاجون فی حیاتهم الی التواصل الثنائی ایضا. یجب علیهم ان یختاروا اصدقاء لانفسهم، ویحصلوا علی دعم فی الحیاة، ویکون لهم تعامل وشراکة مع الآخرین.

هنا یجب علینا ان نراقب کی تجری العلاقات الاجتماعیة الانسانیة فی مسیرها المتعادل والصحیح حتی لا تصبح علاقة الانسان مع الله تحت شعاعها ولا تخدش الکرامة الانسانیة وان لا یخلق فی الانسان عدم المبالات بالآخرین وسلوکهم الحسن.

انّ ائمه الدین مازالو یقدمون توصیات وارشادات لاجل حفظ هذا التعادل، نتعرض الی بعض منها فی مایلی:

بما انّ الاسلام قد اقر العلاقات الودیة والمنطقیة بین الاشخاص وبما ان ابراز المحبة تنتهی الی توثیق الصداقة، لذلک أمرنا بان نظهر محبتنا ومودّتنا القلبیة لمن احببناه.

يقول الامام الصادق(ع) لاحد اصحابه: «إِذَا أَحْبَبْتَ أَحَداً مِنْ إِخْوَانِكَ فَأَعْلِمْهُ ذَلِكَ فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ ع قَالَ‏ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى‏ قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى‏ وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي»‏.[1]

ان الامام(ع) يشير بذکر هذه القصة بشكل غير مباشرة الی نکتة هامة وهی انه یجب ان یکون لدینا اتجاه وسلوک فی بعض الاوقات یزید طمأنینة القلب وان اظهار الحب والمؤدة باللسان هو الذی یجعل قلوب الآخرین مطمئنة بوجود هذه المحبة.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) انه قَالَ: «إِذَا أَحْبَبْتَ رَجُلًا فَأَخْبِرْهُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ أَثْبَتُ لِلْمَوَدَّةِ بَيْنَكُمَا».[2]

لذلک یجب علینا ان نشکر الآخرین علی احسانهم الینا وابراز محبتهم لنا، يقول اللّه تبارك وتعالى لعبد من‏ عبيده‏ يوم‏ القيامة: أ شكرت فلانا؟ فيقول: بل شكرتك يا ربّ، فيقول: لم تشكرني إذ لم تشكره.[3]

مع جمیع ما تقدم، فان اظهار المحبة للآخرین وشکرهم والثناء علیهم کصفة اخلاقیة ایجابیة قد تتحول فی بعض الاحیان الی رذیلة اخلاقیة، ربما تخلق صفة التملق فی الانسان وکذلک توجد الغرور الکاذب فی الآخر وتقلل ایضا من اهتمام الانسان بالمبدء الحقیقی للنعم. فالانسان قد یظهر نفسه محبا للآخرین لاجل منافع مادیة دون ان تکون فی قلبه ادنی محبة لهم. فهنا تأخذ توصیات قادة الدین لونا آخر وتحذر الانسان من مثل هذا السلوک غیر الاخلاقی. لذلک نری انّ النبي(ص) قد نهی عن المدح والثناء فی غیر موضعه و قال: «احثوا فی وجوه المداحین التراب».[4]

قال الامام الهادی(ع) لبعض - وقد أكثر من إفراط الثّناء عليه-: «أقبل على شأنك‏ فإن‏ كثرة الثّناء تهجم على الظّنّة، وإذا حللت من أخيك في محلّ الثّقة فاعدل عن الملق إلى حسن النّيّة».[5]

وجاء فی روایة اخری: «إِنْ جَاءَكَ رَجُلٌ -وَ قَالَ فِيكَ مَا لَيْسَ فِيكَ مِنَ الْخَيْرِ وَ الثَّنَاءِ وَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فَلَا تَقْبَلْهُ مِنْهُ- وَ كَذِّبْهُ فَقَدْ ظَلَمَك»‏![6]

و قال امیر المؤمنین(ع): «رُبَّ مَفْتُونٍ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيه»‏.[7]

لیس المقصود من جمیع ما ذکر هو ان نمتنع عن الثناء علی الآخرین وان نحذر عن تشجیعهم لاجل اعمالهم الصالحة، بل المقصود هو ان نقیّم النتایج المترتبة علی مدحهم والثناء علیهم، ثم نقول فیهم بقدر ما یسحقونه من المدح والثناء. کما قال(ع) فی مکان آخر: «الثَّنَاءُ بِأَكْثَرَ مِنَ الِاسْتِحْقَاقِ مَلَقٌ‏ وَ التَّقْصِيرُ عَنِ الِاسْتِحْقَاقِ عِيٌّ أَوْ حَسَد»‏.[8]

فعقل کل انسان سلیم یدرک ان ثنائه واظهار مودته هل هو من الاعمال المرضیة لله تعالی لاجل توثیق العلاقات الاجتماعیه وبداعی تشجیع الآخرین علی القیام بالاعمال الصالحة، ام هو من الاعمال النفاقیة وبداعی جلب المنافع الشخصیة. فالحالة الاولی تعتبر فضیلة اخلاقیة دعی الیها الاسلام، و الثانیة بخلاف ذلک، فانّها رذیلة اخلاقیة لا یمکن ان یقرها الاسلام.

 

 

[1]. الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 2، ص 644، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1407ق.

[2]. نفس المصدر.

[3]. نفس المصدر، ج 2، ص 99.

[4]. الشیخ الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج 4، ص 11، قم، مکتب النشر الاسلامی، 1413ق.

[5]. محمد بن مکی(الشهید الاول)، الدرة الباهرة من الأصداف الطاهرة، ص 42-43، قم، نشر الزائر، 1379ش.

[6]. القمی، علی بن ابراهیم، تفسیر القمی، ج 1، ص 157، قم، دار الکتاب، 1404ق.

[7]. السید الرضی، نهج البلاغة، ص 556، قم، نشر الهجرة، 1404ق.

[8]. نفس المصدر، ص 535.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

  • هل يصح التخلص من الربا عن طريق الجعالة؟
    5659 الحقوق والاحکام 2012/05/05
    جواب مراجع التقلید العظام عن هذا السؤال کما یلي:[1] سماحة آیة الله العظمی الخامنئي (مد ظله العالي): 1-اذا کان المقرض قد اقرض بمثل هذا الشرط فان ذلک یعتبر ربا و لا یجوز ذلک. 2- ان ذلک یتبع ...
  • ارجو ان تذکروا شیئاً حول شخصیة (علی بن احمد الدقاق) و(الفضل بن سلیمان) اللذین وردا فی سلسلة اسناد روایات الشیخ الصدوق، من وجهة النظر الرجالیة.
    6882 تاريخ بزرگان 2012/01/16
    وردت الروایة المذکورة فی ثلاثة کتب من کتب الشیخ الصدوق وهی کتاب عیون الاخبار و کتاب التوحید و کتاب الامالی بنفس السند. و فی مشایخ الشیخ الصدوق هناک شخص واحد فقط ملقب بالدقاق، و العناوین الثلاثة الموجودة فی الروایات یمکن اعتبارها تعبیراً آخر عن اسمه:علی ...
  • ما هو الفرق بین البلوغ الجسمی و النفسی؟
    7800 الفقه 2010/03/09
    المراد بالبلوغ الجسمی وصول الشخص إلى مرحلة یکون فیها مؤهلا للزواج جسمیا . و لا یوجد فرق مهم بین الناس من جهة البلوغ الجسمی و عادة ما یصل الرجال إلى البلوغ بعد انقضاء خمسة عشر عاماً قمریاً و تسعة أعوام بالنسبة للنساء. و فی المصطلح العرفی و الشرعی یقال للولد ...
  • معنى السماء فی القرآن الکریم و ما هو حل التعارضات المحتملة و الظاهرة فی هذا المجال؟
    8837 علوم القرآن 2009/07/19
    وردت کلمة السماء فی القرآن الکریم فی اکثر من موضع، و تعنی العلو الذی له مصادیق متعددة؛ و من الواضح أن من بین الایات التی ذکرت فی متن السؤال نرى الایة الوحیدة التی جاءت بصیغة الجمع" السماوات" هی الایة العاشرة من سورة لقمان، و یراد بها السماء المعروفة، و اما ...
  • کیف تکون صورة الدین فی العالم (المجازی) الافتراضی؟
    6902 الکلام الجدید 2010/12/21
    لایوجد جواب الجمالی لهذا السؤال، النقر الجواب التفصیلی. ...
  • ما هی السور القرآنیة المسماة باسماء الانبیاء.
    10826 التفسیر 2012/01/31
    توجد فی القرآن ست سورة مسماة باسماء الانبیاء هی:نوح، إبراهیم، یونس، یوسف، هود و محمّد علیهم السلام.و هناک من المفسرین من یرى - انطلاقا من الروایات- ان هناک مجموعة أخرى من السورة مسماة ببعض صفات النبی الاکرم (ص) او باسمائه الاخرى، و هی: ...
  • من هنّ بنات النبي الأكرم (ص)؟
    6597 همسران و فرزندان پیامبر ص 2015/05/04
    لقد اختلفت كلمة الباحثين في هذه القضية، و قد تعرّض العلامة جعفر مرتضى العاملي في كتابه الصحيح من سيرة النبي للبحث في المسألة و أفرد لها كتاباً مستقلا يعالج زوايا هذه المسألة تحت عنوان "بنات النبي أم ربائبه" يمكن الرجوع إليه حيث ذهب إلى تبنّي الرأي الحاصر لبنات ...
  • لماذا نجعل البیت الى جانب الکتف الایسر حال الطواف؟
    5702 الحقوق والاحکام 2011/01/31
    قال الامام الخمینی (ره) فی خصوص هذه المسالة: "الطواف على الیسار بأن تکون الکعبة المعظمة حال الطواف على یساره، و لا یجب أن یکون البیت فی تمام الحالات محاذیا حقیقة للکتف، فلو انحرف قلیلا حین الوصول إلى حجر إسماعیل (ع) صح و إن تمایل البیت إلى خلفه ...
  • لماذا نهى الإمام علی (ع) الناس عن الرکض والإسراع لاستقباله عندما دخل قریة سکانها من الفرس؟
    6574 تاريخ بزرگان 2011/10/16
    نقل کلام الإمام علی (ع) فی بعض المصادر الشیعیة فی مورد استقبال دهاقین مدینة الأنبار للإمام، و قد استفاد البعض من الروایة لوضع مسألة استقبال المسؤولین تحت طائلة التساؤل، و لکن ما ذکر فی الروایة لا ینفی أصل الاستقبال الذی کان سنّة عند المسلمین. و إنما کان نهی الإمام متوجهاً ...
  • كيف تجاهد المرأة في الأسرة؟
    3425 الحدیث 2022/04/19
    للجهاد جوانب مختلفة يستطيع كل فرد - ذكر وأنثى، متزوج وعزب - القيام بجزء منها على الأقل؛ مثل الجهاد الاکبر الذي یقصد منه في الروايات محاربة أهواء النفس الامارة وشهواتها.[1] تشیر بعض الروایات الی ان بعض اعمال المراة افعالها له أجر الجهاد، منها: خدمة ...

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    282469 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    264477 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    131376 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    120870 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    91339 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    63033 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    62960 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    58520 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    54629 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    51112 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...