بحث متقدم
الزيارة
2950
محدثة عن: 2013/04/15
خلاصة السؤال
نظرا الی الروایات المختلفة، هل انّ اظهار المحبة والمودة للآخرین، ومدحهم وتشجیعهم یعد امرا ایجابیا ام سلبیا من الناحیة الاخلاقیة؟
السؤال
قد جاء فی بعض الروایات النهی عن الثناء علی المؤمن ومدحه فی حضوره وفی بعضها الآخر جائت التوصیة باظهار المحبة والمودة للمؤمن وتشجیعه ومدحه اذا قام بعمل صالح. کیف یمکننا الجمع بین هذه الروایات؟
الجواب الإجمالي

یجب ان یقال فیما یتعلق بمحبة الآخرین، انّنا احیانا نحب شخصا ما بسبب خصائصه وصفاته الروحیة والاخلاقیة دون ان تکون لنا ای علاقة مباشرة به، هذه صفة ایجابیة تناولناها بالتفصیل فی موضعها. لکن الناس یحتاجون فی حیاتهم الی التواصل الثنائی ایضا. یجب علیهم ان یختاروا اصدقاء لانفسهم، ویحصلوا علی دعم فی الحیاة، ویکون لهم تعامل وشراکة مع الآخرین.

هنا یجب علینا ان نراقب کی تجری العلاقات الاجتماعیة الانسانیة فی مسیرها المتعادل والصحیح حتی لا تصبح علاقة الانسان مع الله تحت شعاعها ولا تخدش الکرامة الانسانیة وان لا یخلق فی الانسان عدم المبالات بالآخرین وسلوکهم الحسن.

انّ ائمه الدین مازالو یقدمون توصیات وارشادات لاجل حفظ هذا التعادل، نتعرض الی بعض منها فی مایلی:

بما انّ الاسلام قد اقر العلاقات الودیة والمنطقیة بین الاشخاص وبما ان ابراز المحبة تنتهی الی توثیق الصداقة، لذلک أمرنا بان نظهر محبتنا ومودّتنا القلبیة لمن احببناه.

يقول الامام الصادق(ع) لاحد اصحابه: «إِذَا أَحْبَبْتَ أَحَداً مِنْ إِخْوَانِكَ فَأَعْلِمْهُ ذَلِكَ فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ ع قَالَ‏ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى‏ قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى‏ وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي»‏.[1]

ان الامام(ع) يشير بذکر هذه القصة بشكل غير مباشرة الی نکتة هامة وهی انه یجب ان یکون لدینا اتجاه وسلوک فی بعض الاوقات یزید طمأنینة القلب وان اظهار الحب والمؤدة باللسان هو الذی یجعل قلوب الآخرین مطمئنة بوجود هذه المحبة.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) انه قَالَ: «إِذَا أَحْبَبْتَ رَجُلًا فَأَخْبِرْهُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ أَثْبَتُ لِلْمَوَدَّةِ بَيْنَكُمَا».[2]

لذلک یجب علینا ان نشکر الآخرین علی احسانهم الینا وابراز محبتهم لنا، يقول اللّه تبارك وتعالى لعبد من‏ عبيده‏ يوم‏ القيامة: أ شكرت فلانا؟ فيقول: بل شكرتك يا ربّ، فيقول: لم تشكرني إذ لم تشكره.[3]

مع جمیع ما تقدم، فان اظهار المحبة للآخرین وشکرهم والثناء علیهم کصفة اخلاقیة ایجابیة قد تتحول فی بعض الاحیان الی رذیلة اخلاقیة، ربما تخلق صفة التملق فی الانسان وکذلک توجد الغرور الکاذب فی الآخر وتقلل ایضا من اهتمام الانسان بالمبدء الحقیقی للنعم. فالانسان قد یظهر نفسه محبا للآخرین لاجل منافع مادیة دون ان تکون فی قلبه ادنی محبة لهم. فهنا تأخذ توصیات قادة الدین لونا آخر وتحذر الانسان من مثل هذا السلوک غیر الاخلاقی. لذلک نری انّ النبي(ص) قد نهی عن المدح والثناء فی غیر موضعه و قال: «احثوا فی وجوه المداحین التراب».[4]

قال الامام الهادی(ع) لبعض - وقد أكثر من إفراط الثّناء عليه-: «أقبل على شأنك‏ فإن‏ كثرة الثّناء تهجم على الظّنّة، وإذا حللت من أخيك في محلّ الثّقة فاعدل عن الملق إلى حسن النّيّة».[5]

وجاء فی روایة اخری: «إِنْ جَاءَكَ رَجُلٌ -وَ قَالَ فِيكَ مَا لَيْسَ فِيكَ مِنَ الْخَيْرِ وَ الثَّنَاءِ وَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فَلَا تَقْبَلْهُ مِنْهُ- وَ كَذِّبْهُ فَقَدْ ظَلَمَك»‏![6]

و قال امیر المؤمنین(ع): «رُبَّ مَفْتُونٍ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيه»‏.[7]

لیس المقصود من جمیع ما ذکر هو ان نمتنع عن الثناء علی الآخرین وان نحذر عن تشجیعهم لاجل اعمالهم الصالحة، بل المقصود هو ان نقیّم النتایج المترتبة علی مدحهم والثناء علیهم، ثم نقول فیهم بقدر ما یسحقونه من المدح والثناء. کما قال(ع) فی مکان آخر: «الثَّنَاءُ بِأَكْثَرَ مِنَ الِاسْتِحْقَاقِ مَلَقٌ‏ وَ التَّقْصِيرُ عَنِ الِاسْتِحْقَاقِ عِيٌّ أَوْ حَسَد»‏.[8]

فعقل کل انسان سلیم یدرک ان ثنائه واظهار مودته هل هو من الاعمال المرضیة لله تعالی لاجل توثیق العلاقات الاجتماعیه وبداعی تشجیع الآخرین علی القیام بالاعمال الصالحة، ام هو من الاعمال النفاقیة وبداعی جلب المنافع الشخصیة. فالحالة الاولی تعتبر فضیلة اخلاقیة دعی الیها الاسلام، و الثانیة بخلاف ذلک، فانّها رذیلة اخلاقیة لا یمکن ان یقرها الاسلام.

 

 

[1]. الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 2، ص 644، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1407ق.

[2]. نفس المصدر.

[3]. نفس المصدر، ج 2، ص 99.

[4]. الشیخ الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج 4، ص 11، قم، مکتب النشر الاسلامی، 1413ق.

[5]. محمد بن مکی(الشهید الاول)، الدرة الباهرة من الأصداف الطاهرة، ص 42-43، قم، نشر الزائر، 1379ش.

[6]. القمی، علی بن ابراهیم، تفسیر القمی، ج 1، ص 157، قم، دار الکتاب، 1404ق.

[7]. السید الرضی، نهج البلاغة، ص 556، قم، نشر الهجرة، 1404ق.

[8]. نفس المصدر، ص 535.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

  • هل لا یوجد إشکال على ما یضیفه القرّاء الى قصائدهم فی کل عام؟
    5967 تاريخ بزرگان 2008/03/16
    إن واقعة عاشوراء و تاریخ کربلاء لها جنبتان: جنبة بیضاء ناصعة و نورانیة تمثل الجانب الملحمی البطولی و الذی یکون مدعاة للإفتخار، و جنبة سوداء قاتمة، تتمثل بالجرائم التی لم یکن لها نظیر او قلّ نظیرها فی تاریخ البشریة، و لذلک یجب علینا ان لا نتصور ان الحوادث و المصائب ...
  • اواجه فی حیاتی الکثیر من المحن و المشاکل فهل من وسیلة حل لمثل هذه الحالة؟
    8694 الکلام القدیم 2009/04/21
    ان الانسان یتعرض دائما و من جهات مختلفة لانواع الامتحان و الابتلاء و ان الناجحین فی هذا الاختبار هم الناس الذین یخرجون من بوتقة الاختبار مرفوعی الرأس؛ من هنا لا ینبغی الیأس من رحمة الله تعالى و علیک الاستعانة بالدعاء و طلب الرزق و دفع البلاء و حل المشکلات التی ...
  • کیف یمکن الوصول إلى الکمال؟
    7103 العملیة 2007/08/21
    1- یمکن الإجابة عن هذا السؤال من خلال أربعة أقسام:أ- تعریف الکمال و اختلافه عن التمام.ب- الکمال بالنسبة إلى الإنسان.ج- کمال الإنسان بنظر الدین الإسلامی.د – طریق الوصول إلى الکمال.2- قد یأتی (الکمال) مرادفاً (للتمام) فی بعض الأحیان، و تارة یأتی کمفهوم مغایر للتمام، و ...
  • لما لا تصدق الشیعة بما یدعیه جعفر الکذاب من عدم ولادة الامام المهدی(عج) و تصدق بقول عثمان بن سعید العمری؟!
    5643 الکلام القدیم 2009/06/21
    ان ولادة الامام الحجة (عج) لم تنحصر بقول العمری، بل هناک الکثیر من الطرق التی اثبتت ذلک، منها تصریح والده الذی هو امام معصوم، شهادة عدد کبیر من المؤمنین الصالحین( احدهم عثمان بن سعید)؛ اقرار علماء أهل السنة.اما بالنسبة الى جعفر أخ الامام ...
  • ما المبرر لتدخل الدین فی السیاسة؟
    7737 الحقوق والاحکام 2011/02/15
    نظریة فصل الدین عن السیاسة، نظریة تدعو الى عزل الدین او حذفه من مجالات الحیاة المختلفة کالسیاسة، الحکومة، الاخلاق و... انطلاقا من الاعتقاد بکون الانسان یستطیع استناداً الى التنسیق بین العقل و التجربة، رسم الخطط و وضع القوانین الثقافیة و الاجتماعیة و السیاسیة و الاقتصادیة و کذلک ...
  • لماذا لم یخصص کل العلماء لموضوع ولایة الفقیه فصلاً‌خاصاً ‌و لم یشرحوا حدود و صلاحیات هذا الولایة؟
    6972 الحقوق والاحکام 2007/09/01
    لم یخصص بعض العلماء فصلاً لولایة الفقیه، لأنهم اعتقدوا أنه أمر بدیهی و مسلم، و أنه لا حاجة لإثباته، بینما عمدوا فی الوقت ذاته فی الکثیر من أبواب الفقه، الی تبیین مسؤولیات و شؤون ولایة الفقیه.و لما کانت الإجابة عن الحاجات الشرعیه للناس من مسؤولیات الفقهاء، فقد کانوا یتصدون ...
  • هل الشمس تطهّر الثیاب و الغطاء و الفراش؟
    5350 الحقوق والاحکام 2010/01/31
    لایوجد جواب  الجمالی لهذا السوال  النقر  جواب التفصیلی. ...
  • ما معنى الصف فی قوله تعالى: "{وَجَاء رَبُّکَ وَالْمَلَکُ صَفّاً صَفّاً }؟
    6289 التفسیر 2013/01/14
    استعملت هذه المفردة و مشتقاتها فی القرآن الکریم فی اکثر من آیة[1]، و الصَّفُّ: أن تجعل الشی‏ء على خط مستو، کالناس و الأشجار و نحو ذلک.[2] و جاءت کلمة "صفا" حال لما قبلها، و اما من الناحیة التفسیریة فقد ذکرت ...
  • لماذا عرّف الله النساء بشکل عام بأنهن موجودات نشأن فی الحلیة؟
    4968 التفسیر 2011/10/20
    الآیة الواردة فی السؤال هی لبیان طریقة تفکیر کفّار الجاهلیة حیث یعتبرون البنات أولاداً لله تعالی، و لأجل شجب و إدانة هذا النوع من التفکر الخرافی استعمل الله نفس أفکارهم و المسلّمات عندهم، و ذلک لأنهم یرجّحون جنس الرجل علی المرأة، و أساساً یعتبرون البنت عاراً علیهم. القرآن هنا أشار ...

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279477 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257347 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128204 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113329 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89036 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59891 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59598 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56890 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49833 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47201 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...