بحث متقدم
الزيارة
6454
محدثة عن: 2011/04/18
خلاصة السؤال
هل یمکنکم اثبات حکمة الله تعالی؟
السؤال
اثبتوا حکمة الله، و ارجو منکم ان لا تتخذوا أی صفة لله باعتبارها مقدمة مثل کون الله غنیاً، او انه لا یفعل القبیح، الا ان تثبتوا تلک الصفة بشکل تام بالاستدلال المنطقی قبل ذلک.
الجواب الإجمالي

ذکر الحکماء و المتکلمون طرقاً لاثبات صفات الله، من جملة تلک الادلة العقلیة النظر فی الآفاق. و فی هذه الاستدلالات تثبت حکمة الله بالالتفات الی نفی العبث فی الخلقة ایضاً و الاستناد الی حرکة الکون علی اساس النظم نحو هدف غائی.

الجواب التفصيلي

من الضروری الالتفات الی هذه الملاحظة و هی ان التعرف علی صفات الله و ان کان غیر قابل للمقارنة مع ادراک المحسوسات، و لکن لیست معرفتها بالامر المحال الذی لا یمکن نیله.

و لهذا السبب فان العلماء من الحکماء و المتکلمین قد وضعوا أمامنا طرقاً و أسالیب للتعرف و إثبات صفات الله، و من المتیقن ان استعمال هذه الاسالیب سوصلنا الی النتیجة التی نتوخاها. و نحن من خلال هذا البحث سنشیر الی هذه الاسالیب. و لکن قبل التعرض لاصل الموضوع (اثبات حکمة الله)، من المستحسن طرح عدة ملاحظات تعیننا فی مزید الفهم لما سیاتی.

الملاحظة الاولی: تتعلق بغنی الله، فان الفقر  کما هو واضح من خصائص الممکنات، لان الممکنات تحتاج فی حدوثها و بقائها الی العلة (العلة المحدثة و العلة المبقیة). و لکن بعد اثبات وجوب الوجود لله و نفْ الامکان عنه، فانه ستنتفی مسألة النقص و الحاجة ایضاً بالنسبة الیه. و الملاحظة الثانیة هی ان الله لا یفعل القبیح، و لاثبات هذا الامر یمکننا الاشارة الی عدة أدلة:

الدلیل الاول: ان الله تعالی لا داعی له الی فعل القبیح، و ان کل فاعل لیس فیه داع الی فعل القبیح او الاخلال بالواجب، فمن المحال وقوع فعل القبیح منه. اذن فصدور الفعل القبیح او الاخلال بالواجب محال علی الله.

اما اثبات الصغری: فان من یفعل القبیح، فانه لا یخلو ان یکون الدافع له الی ذلک احد الدواعی التالیة:

1-      ان یکون لا ابالیاً، أی أنه لا یکترث بلوم الآخرین له، و لیس لدیه خوف من عذاب جهنم، و هو لم یلزم نفسه بان یکون شخصاً تقیاً. و هذا الداعی غیر موجود فی ذات الله لان الله لیس عابثاً یقدم علی أی فعل کان.

2-      ان یکون جاهلاً، أی انه غیر عالم بقبح العمل القبیح، و لذلک فهو یرتکبه، و هذا الداعی ایضاً لا معنی له بالنسبة الى الله تعالى لانه عالم علی الاطلاق لا یجهل شیئا مهما کان حجمه و لو بمقدار ذرة.

3-      ان یکون عالماً بقبح الفعل، و لکن حاجته تدعوه الی ارتکاب القبیح، مثل من یضطر الی شرب الخمر، و هذا الداعی غیر موجود فی ذات الله لان الله غنی مطلق و لا طریق للحاجة الی ساحة قدسه.

4-      ان یکون عالماً بقبح الفعل، و لکنه یکون مجبراً علی فعله، کأن یجبره ظالم علیه، و هذا الداعی ایضاً معدوم فی حق الله لانه لیس هناک قوة و قدرة أعلی و اعظم منه تجبره علی فعل شیء ما، بل هو فعال لما یشاء و لما یرید فی الکون. إذن فلا داعی لله تعالی الی فعل القبیح و الاخلال بالواجب.

و اما اثبات الکبری: فان الله فاعل مختار، و الفاعل المختار اذا لم یکن قادراً علی شیء، و لم یکن له داع له ایضاً، فان علته لا تکون تامة و ما لم تکن العلة تامة یستحیل صدور الفعل، و بالنسبة لفعل القبیح فان القدرة. و التی هی رکن من ارکان التأثیر، و ان کانت موجودة، و لکن الداعی _ الذی هو الرکن الآخر _لیس موجوداً، و لذا یکون صدور القبیح من الله محالاً. هذا بالنسبة الی الامور القبیحة ، و اما بالنسبة للامور التی تکون حسنة و تکون فیها مصلحة، فان الله قادر علیها و له داع الیها[1].

معانی الحکمة:

الحکمة فی اللغة تستعمل بمعنی العدل و الاتقان و... و یطلق الحکیم فی اللغة علی من یقوم باموره و افعاله علی اتم وجه و اتقان.[2]

و الحکمة اصطلاحاً تستعمل فی معنیین ایضاً:

1-      معرفة حقائق الاشیاء کما هی علیه .

2-      اداء فعل علی الوجه الاحسن و الاکمل و المطابق لمصالح الکون و الخلقة.

و الله تعالی حکیم بکلا المعنیین، لان معرفته بالاشیاء اکمل المعارف، و افعاله ایضاً هی فی غایة الاحکام و الاتقان.[3]

و اما ادلة اثبات صفة الحکمة لله فهی عدیدة:

أ‌-        الدلیل العقلی: من معانی الحکمة هی ان تکون لافعال الله غایة معقولة و منطقیة؛ .ان کل فعل لا تکون له غایة و فرض معین هو عند جمیع العقلاء عبث و باطل، و فعل العبث قبیح لدی العقلاء، و قد ثبت سابقا ًان فعل القبیح محال علی المولی الحکیم، إذن ففعل العبث محال بالاستحالة الوقوعیة علی الله.[4]

و اما ما یقال من ان لافعال الله غرضاً، فلیس معناه ان الغرض یرجع الی ذات الله لانه و کما تقدم ذکره فان ذات الله کاملة و لاتحتاج الی هذه الافعال، و الواقع ان هذه الاغراض ترجع الی المخلوقات، و توضیح ذلک ان الفاعل تارة یفعل فعلاً یعود غرضه الی نفس ذاته و آخری یفعل فعلاً لاجل ان یصل نفعه الی الآخرین. فاذا کان الغرض من النوع الاول فیکون غرضاً استکمالیاً، و هو لا یجوز علی ذات الله، و ذلک لانه علامة النقص و الفقر فی الفاعل، و الله تعالی منزه عن ذلک، و اما اذا کان من النوع الثانی فهو عین الکمال، و هو ناشئ من کمال الفاعل.

2-ان الله تعالی له اوصاف تعرف بصفات الجمال و الکمال، مثل کونه عالماً و قادراً و مریداً للخیر و...و بناء علی هذا، فلا بد ان یصدر من الوجود المتصف بهذه الصفات، النظام الحکیم و النظام الاحسن، و الا کان الله فاقداً لهذه الصفات، مع ان الامر لیس کذلک، فان الله متصف دوماً بهذه الصفات.

ب-النظر فی الآفاق والانفس: ان الله تعالی یدعو الناس دوماً الی التأمل و التدبر فی عالم الکون و فی النفس، و یعتبر ذلک من طرق المعرفة و الادراک.[5]

و ینبغی القول فی هذا المجال: ان الفعل کما یدل علی الفاعل، یدل کذلک علی صفاته ایضاً، ای اننا حینما نلاحظ صفات الشیء سوف نصل الی صفات فاعل ذلک الشیء ایضاً. و فی الواقع یمکننا ان نتوصل من الاثر الی المؤثر. ان النظر و التأمل فی عالم الکون و ظواهر هذا العالم یقودنا الی مشاهدة النظم و الاتقان و العلاقات الدقیقة بین جمیع أجزائه. ان مشاهدة الظواهر و سیرها التکاملی نحو هدف معین مع الالتفات الی الاختلاف الموجود بین مفردات المجموعة الکونیة من جهات مختلفة [6] یرشدنا الی الخالق العالم القادر والحکیم.

و التنوع فی الحیاة هو دلیل آخر علی الحکمة و العلم و قدرة الله، فمع وجود هدف کلی للحیاة و هو مقصد و مقصود الحیاة کلها، فان لکل شئ أیضاً هدفه الذی خلق من أجله، و لکنه یطوی طریق التکامل جنباً الی جنب الاشیاء الاخری، فعلى سبیل المثال نجد الارض ترتوی بماء المطر، فالماء هو الماء، والارض هی الارض، و لکن العشب الذی ینبع من الارض بواسطة هذا الماء یختلف مع باقی الاعشاب فی لونه و طعمه و فائدته، و کذلک من حیث الهدف الذی خلق من اجله. فان کل عشب خلق لهدف معین و هو یطوی مسیر التکامل مع باقی انواع الاعشاب [7].

بناء علی هذا، و مع ملاحظة ما اشرنا الیه من الادلة العقلیة و المؤیدات الآخری فانه ینبغی القول ان حکمة الله معناها ایصال الموجودات الی کمالها اللائق بها. و کذلک فان کون الله حکیماً یعنی ان لفعله غایة و لیست الغایة لذاته، و الخلاصة ان حکمة کل مخلوق هی الغایة الموجودة فی جوهر ذلک المخلوق، و حینما یقال ان الله حکیم فمعنی ذلک انه یسوق المخلوقات نحو غایاتها الطبیعیة .[8]



[1] محمدی علی، شرح کشف المراد، ص213، دار الفکر، قم، الطبعة الرابعة، 1378ش.

[2] ابن منظور، جمال الدین، لسان العرب،ج12 ،ص140 ،دار صادر، بیروت، الطبعة الاولی1410 ق.

[3] شرح کشف المراد، ص196.

[4] نفس المصدر، ص216.

[5] الانعام، 99، الجاثیة3.

[6] الروم 23.

[7] تفسیر الهدایة،ج3،ص130، دار الکتب الاسلامیة، طهران، الطبعة الاولی 1374ش.

[8] المطهری، مرتضی، مجموعة الآثار، ج1، ص194، انتشارات صدرا، طهران.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279429 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257214 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128130 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113226 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88984 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59826 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59539 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56849 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49717 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47157 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...