بحث متقدم
الزيارة
6922
محدثة عن: 2011/02/24
خلاصة السؤال
هل ان الله تعالی بهذا الحد من العجز بحیث یستعین بغیره لیقوم باعماله التی یرید تحقیقها!؟
السؤال
هل ان الله تعالی بهذا الحد من العجز بحیث یستعین بغیره لیقوم باعماله التی یرید تحقیقها!؟
الجواب الإجمالي

یظهر ان المفروض والمدعی فی هذا السؤال، هو ان الذات الالهیة اذا کانت قادرة علی فعل ما، فانها تفعله بنفسها، و اذا لم تکن قادرة علیه فانها تستعین بالاسباب. و حیث اننا نعلم بان الله قادرعلی کل شیء، فیستحیل ان یتحقق فعله عن طریق الاسباب، و ان کل من یدعی تحقق أمر عن طریق الاسباب، فان ادعاءه باطل، لانه یجعل الله عاجزاً.

و هذه الطریقة من الاستدلال لیست تامة، فان المغالطة المستعملة فیها واضحة جداً، حیث اننا نعلم بالوجدان ان کثیراً من الامور فی العالم هی علل لامور اخری، و فی نفس الوقت هی بنفسها بحاجة الی علة اخری، و انه لیس لها وجود مستقل بذاتها. و انکار هذا الاصل الوجدانی معناه السفسطة، فلیس هناک من ینکر هذه القاعدة فی حیاته الیومیة.

ان الله حین یقوم بشؤون الکون عن طریق توسیط بعض الاسباب، فان ذلک لا یعنی أبداً انه غیر قادر بذاته علی القیام بذلک، و ذلک لان الاسباب نفسها و کل ما یتعلق بها لیس لها وجود من ذاتها، بل کل وجودها هو عین تعلقها بذات الله. و بناءً علی هذا، فان الافعال الالهیة –سواءً فی الامور الدنیویة أو فی الامور الغیبیة – تتم من مجاری أسبابها الخاصة بها، و ذلک ما اقتضته الحکمة الالهیة، و لیس ذلک دلیلاً علی نقص فی ذاته تعالی.

و کما انه فی الامور الطبیعیة تتحقق متطلبات الانسان عن طریق سلسلة من الاسباب التی لیس لها أی استقلال فی السببیة، فکذلک فی الامور المعنویة أیضاً یمکن تطبیق هذه القاعدة، حیث اننا نعلم بان الکثیر من الافعال الالهیة تقوم بها الملائکة المدبرة باذن الله و لا یتنافی ذلک أبداً مع قدرة الله. و اذا تقرر عدم تحقق أی سبب فی العالم، حتی و لو کان اعتباریاً (أی عدم الاستقلال فی السببیة) فانه لم یکن ممکناً وجود أی موجود غیر الله، لان کل ما عداه فهو باطل، فاذا کان له وجود فهو وجود اعتباری و بالعرض، و وجود الاسباب هو من هذا القبیل.

الجواب التفصيلي

ان السماوات و الارضین و کل ما فیهما من شیء، هی تجلیات لقدرة الله تعالی، و ان الله قادر علی کل شیء، و لکن هذه القدرة اللانهائیة لیس معناها ان یتم الفعل الالهی بغیر مجری الاسباب، بل الله تعالی قد خلق الکون علی أساس الحکمة، فکل الافعال الغیبیة و الظاهریة و التکوینیة و الدنیویة تتحقق عن طریق الاسباب، و ذلک کالملائکة التی هی مکلفة بفعل کثیر من امور هذا الکون، و کذلک العالم المادی،حیث ان لکل شیء اسبابه الطبیعیة،و کمثال علی ذلک، اذا جاع شخص فانه یکون بحاجة الی طعام، فمع ان جمیع الامور تنتهی الی الله و ان القدرة و القوة بیده [1] ،و لکن الماء و الطعام و سیلة للاستمرار فی الحیاة الطبیعیة. و لیس معنی ذلک عجز الله عن القیام بالامور بلا واسطة، بل معناه ان الاحتیاجات المادیة للانسان تنجز عن طریق العلل و الاسباب المادیة، و استخدام هذه الاسباب لیس معناه الشرک و انکار التوحید، الا اذا اعتبرنا هذه الاسباب مستقلة فی التأثیر.

وهذا المعنی یأتی فی مورد الاسباب غیر المادیة أیضاً، کالهدایة و ایصال الفیوضات المعنویة و...

و بناءً علی هذا فان قاعدة السببیة – و هی ان کل شیء فی الکون یتحقق باسبابه الخاصة به- أوضح من ان تحتاج الی استدلال.

و مع ذلک فاننا نعلم فی العقائد الاسلامیة و مدرسة أهل البیت(ع) ان الاعتقاد بتفویض الامور الی الاسباب الطبیعیة أمر باطل، و ان کل سبب من أسباب الکون هو مجرد طریق لتحقق إرادة الله، بل حتی الافعال الارادیة للانسان أیضاً هی فی طول إرادة الله، و لیس هناک من یخرج عن قدرة الله فی أعماله، و انه لیس هناک فی الحقیقة مؤثر غیر الله، و ان کل من یقول بمثل هذا القول فی أی مرتبة من المراتب، فانه یعتبر مشرکاً بحسب المعتقدات الاسلامیة. و بناءً علی هذا فان افعال الله جمیعها تتم عن طریق الاسباب، و فی الوقت نفسه فان نفس هذه الاسباب لیست مستقلة فی السببیة بل هی واقعة تحت الارادة و القدرة الالهیة. و لا اختلاف فی هذه القاعدة الکلیة بین الاسباب المادیة – مثل تأثیر النار فی الاحراق- و الاسباب الغیبیة – مثل سببیة الملائکة فی تدبیر الکون – و کذلک بین الافعال الاختیاریة للانسان و الظواهر الخارجة عن دائرة اختیارات الانسان، و المراد بالتوحید الکامل هو هذه العقیدة، و لیس ابطال قانون السببیة و العلیة و الاختیار و...

و اما الاعتقاد بالتوسل أو توسط الامام و الانسان الکامل أو أی عنوان آخر – سواءً فی دائرة المذهب الشیعی أو باقی الفرق الاسلامیة- فان ما ینبغی التأکید علیه أولاً، و جعله الاساس فی بحث هذه المسألة هو ان الحاجة الی الامام و المرشد و الواسطة و... یستلزم الشعور الذاتی بمثل هذه الحاجة. حیث نعلم ان جمیع الناس یبحثون دوماً بفطرتهم عن الانسان الکامل الذی وصل الی مقام الکمال الانسانی و الخلافة الالهیة و ذلک لکی یعثروا فی مرآة وجوده أو عن طریق حبه و التوسل به، علی ضالتهم المنشودة. و هذا الانسان الکامل هو الذی یسمی فی المذهب الشیعی بالامام.

و فی الحقیقة فان هذه الآیة القرآنیة التی تقول: ( یا ایها الذین آمنوا اتقوا الله وابتغوا الیه الوسیلة ) [2] هی فی مقام ارشاد المؤمنین الذین یریدون التوجه الی الله بصدق و اخلاص. و بالطبع فان هذا الامر یکون حصوله باسبابه أیسر کثیراً – بناءً علی ما ذکرته الآیة الکریمة -.

و الامر الآخر هو ان المراد بالتوسل و توسیط النبی (ص) أو الامام ،لیس بمعنی ادعاء الاستقلالیة لهم. کما انه لا ینبغی ملاحظة أی سبب من أسباب الطبیعة بشکل مستقل عن الله، فان ذلک شرک بالله تعالی. و لکن بشکل عام، فان کثیراً من المسلمین الذین یصفهم القرآن بانهم لم یصلوا الی مقام الایمان [3] ، و لم یصیروا موحدین حقیقیین، ربما یکونون فی مورد الاستناد الی الاسباب المادیة مشرکین بالله تعالی. و کذلک فی مورد الاسباب المعنویة، من قبیل الاعمال الصالحة، و الاستفادة من المرشد و المربی، و التوسل و حب النبی و أولیاء الله – کما هو موضوع بحثنا الاصلی- فانه ینبغی القول أیضاً: انه اذا لوحظت هذه الامور باعتبارها اسباباً فی طریق التوحید و الاخلاص فی حب الله تعالی فانها سوف توصلنا الی الغایة المعنویة. و بناءً علی هذا فان أصل التوحید فی الاسلام أصل غیر قابل للنقاش، و لکن النکتة هنا هی ان نفس هذه الاسباب و الاعمال المعنویة الخالصة هی التی تعرفنا علی حقیقة التوحید، لا أن ندعی التوحید بشکله النظری المجرد و ان نتوسل بالاسباب فی عملنا، بالامور التی نهواها، بل نعتبرها مستقلة فی السببیة أیضاً، و لکن فی بعض الامور الاخری – و لاسباب مدخولة – نعترض بقولنا ان توسیط الامام و النبی و الولی و... یتنافی مع القدرة الالهیة و مع التوحید، و الحال ان الانسان الکامل، یعتبر فی البعد العملی رکن التوحید، لانه یکون فانیاً تماماً عن وجوده، و یکون نموذجاً للموحد، و فی الحقیقة فان دعوی التوحید اذا لوحظت بشکل عملی و فی المیزان الالهی فانها لا تنطبق الا علی الانسان الکامل، و ان المسلم ما لم یتجرد عما سوی الله، فهو مشرک بنحو من الشرک و لم یفلح فی بحثه عن الله. و بناءً علی هذا فان دعوی التوحید و البحث فی موردها أمر، و تحققها فی النفس أمر آخر.و کما یقول القرآن: ( وما یؤمن أکثرهم بالله الا وهم مشرکون ) [4] .

وللمطالعة أکثر فی هذا المجال، یمکنکم مراجعة الاجوبة التالیة أیضاً:

التوسل و الارتباط المباشر بالله ،11274 (الموقع 11096 )

دور الوسائط فی التقرب من الله، 1269 (الموقع 2577)

فلسفة التوسل باهل البیت(ع) 1321 (الموقع 1316).


[1] (لا حول ولا قوة الا بالله).

[2] المائدة :35.

[3] (قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولکن قولوا اسلمنا ولما یدخل الایمان فی قلوبکم ) الحجرات : 14

[4] یوسف :106.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279467 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257331 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128194 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113310 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89023 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59877 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59589 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56880 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49820 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47189 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...