بحث متقدم
الزيارة
5918
محدثة عن: 2011/10/19
خلاصة السؤال
لماذا لا یکون تأسیس الملهی فی المجتمعات الإسلامیة جائزا کتأسیس المسجد؟ و لماذا لا توجد حریة فی سماع بعض أنواع الموسیقی کحریة سماع القرآن و المدائح الدینیة؟
السؤال
ما المانع من توفر المسجد و الملهی فی مجتمع واحد، و کل شخص حر فی انتخابه للذهاب إلی المکان الذی یریده، و لا یسخر أحد من أحد و لا یشکل علیه؟ کذلک فیما یخص الموسیقی فما المانع من توفر الأقراص القرآنیة و المدائح و کذلک انواع العزف الموسیقی و الغناء حتی لو کان بصوت النساء نترک الاختیار بعهدة الأفراد، لا إننا نجبرهم بالقوة و العقوبة و المؤاخذة علی عدم الذهاب الی الملاهی أو عدم سماع بعض أنواع الموسیقی، ألا یعتبر هذا الأمر سلباً للحریة التی ینادی بها الإسلام؟
الجواب الإجمالي
 یجب الوقوف علی أنه لا توجد فی أی دولة من الدول حریة مطلقة، بل ان کل مجتمع یفرض علیه بعض الحدود و القوانین علی أساس الأعراف و السنن التابعة له. و فی هذا الصعید نجد المجتمعات الإسلامیة و طبقاً لثقافتنا الدینیة الحاکمة تفرض علی شعوبها بعض القوانین و الحدود التی لا تعارض الأصل المتبنی إلا و هو حریة الإنسان.
الجواب التفصيلي

 یجب الوقوف فی بدایة الجواب علی أنه لا توجد فی أی دولة من الدول حریة مطلقة، بل ان کل مجتمع یفرض علی أفراده بعض الحدود و القوانین علی أساس الدین و السنة و العرف التابع له و کمثال علی ما نقول، لا یُمکننا أن نطرح السؤال هکذا: ما المانع أن یکون القتل مسموح فی المجتمع، و أن تکون السرقة حرة بحیث یُمکن لأی شخص أن یأخذ ما یشاء و من أی مکان، و أن یبنی و یزرع ما یشاء و فی أی أرض أراد، و أن یمشی فی الشوارع بأی سرعة یهواها، و أن یزور أی وثیقة تلزمه و ... و ...؟

من الطبیعی لا توجد أی دولة تعطی لأفرادها و مواطنیها مثل هذه الحریة، بل إن هذه الحریة تعارض حریة و حقوق باقی المواطنین. لذلک، فأصل إیجاد بعض الحدود و القوانین لا یُمکن أن ینکره أو یعارضه أی عالم، أما ما هو مهم الآن هو نوع وسعة هذه الحدود التی تعتبر انعکاسا لثقافة کل مجتمع. و فی هذا الصعید، فرض الدین الإسلامی المبین بعض الحدود و القوانین و اعتبر الحریة المطلقة مخالفة للحقوق العامة للآخرین.

و کمثال علی ما نقول ألا نحتمل فی بعض موارد السؤال ان حریة الافراد فی شرب الخمر و السکّر سینجر إلی ظهور بعض الاضرار الجانبیة و المادیة و الاعتباریة للآخرین. ألا تعرض الحریة المفرطة فی الامور الجنسیة و التهییج المفرط للغریزة –بأی وسیلة کانت- أعراض الأمة الإسلامیة للخطر. ألا یعترض علی بعض هذه الحرّیات من یرید أن یحفظ نفسه و ماله و عرضه فی أمان من الأخطار.

بالتأکید، کلنا نعلم بأن من یرتکب بعض الجرائم الشخصیة کسماع الأغانی المحرّمة أو شرب الخمر و غیرها، فما دامت هذه المخالفات لها طابع شخصی و لم تنجر إلی المجتمع، فهو عندئذٍ مسؤول أمام الله سبحانه فقط و لا یتحمّل أی عقوبة و مجازاة. أما المنع و العقوبات فلا تفرض إلا إذا کان الجرم علنیا و یؤثّر علی الآخرین فی المجتمع. و کمثال علی ما نقول: فإذا استمع شخص إلی الموسیقی المحرّمة فی سیارته الشخصیة بحیث لا یصل الصوت الی الآخرین، أو شرب الخمر فی بیته، فلا یعترض أحد علیه، و إن کان مسؤولاً أمام الله سبحانه فی عصیانه لأوامره، لکن إذا رفع صوت الموسیقی أو إذا انجر شرب الخمر الی العربدة أو إنه قام بتأسیس أمکنة خاصة لهذه الاعمال المحرّمة، فهذه التصرّفات و الأعمال تعتبر مخالفة للأحکام الإسلامیة و یجب أن یُنبّه مرتکبها و قد تؤدی إلی فرض بعض العقوبات. لکن مع کل هذا لا یُمکن اعتبار هذا الاتجاه مخالفا للحریّات الفردیة، و ذلک لأن هذه التقییدات کما أشرنا سابقاً موجودة و مقبولة فی کل المجتمعات البشریة حسب ثقافتها و تقییماتها المتسالم علیها عندهم و لا ینکر ضرورتها أی فرد منصف.

و أخیراً نلفت انتباهکم إلی نکتتین مهمّتین:

1- مع قبول أصل وجوب فرض بعض الحدود و التقییدات من قبل الحکومة الإسلامیة، یجب الالتفات الی هذه النکتة و هی ان الاعتقاد القلبی بالدین لا یُمکن أن یحمل علی الآخرین بالاجبار، و ان المجازات و العقوبات لم تفرض فی الإسلام إلا لبقاء المجتمعات الإسلامیة مسالمة و لرعایة المظاهر الدینیة حتی یتمکن المؤمنون العیش فی ظلّها و یُمکنهم أداء فرائضهم الدینیة بأمان و بمزید من فراغ البال.

2- استناداً إلی رأی علماء الدین، یحرم رفع صوت القرآن و مدائح أهل البیت و ما شابه ذلک من الأذان و غیره إذا أدی إلی أیذاء الآخرین، و یجب علی المؤمنین تجنّب هذه الامور، و نحن فی هذا المجال نلفت انتباهکم إلی استفتاء وُجّه للسید القائد آیة الله العظمی السید الخامنئی و إلی جوابه:

س: هل یجوز بث آیات القرآن الکریم قبل أذان الصبح و الدعاء بعده بصوت عالٍ عن طریق مکبّرات الصوت فی المساجد و سائر المراکز العامة الأخری بحیث یُمکن سماع الصوت من بُعد عدة کیلومترات؟ علماً بأن هذا الأمر قد یطول أکثر من نصف ساعة.

ج: لا إشکال فی بث الأذان بالشکل المتعارف لأجل اعلان دخول وقت صلاة الصبح عن طریق مکبر الصوت، أما بث الآیات القرآنیة و الدعاء و غیر ذلک من مکبّر صوت المسجد، إذا أدی إلی اذیة جار المسجد فلا وجه شرعیا له بل فیه إشکال. [1]



[1]  الخامنئی، السید علی، أجوبة الاستفتاءات، ص92.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280217 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258772 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129275 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115455 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89527 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    60958 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60312 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57350 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51472 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47673 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...