Please Wait
6118
قد يقال بأن سبب كون فلان فقيراً هو أنه عمل عملاً معيناً فاختار الله له الفقر بسبب ذلك، و إذا كنّا أغنياء فلا بد أننا عملنا عملا نستحق به لطف الله سبحانه، إذن، فلا فقرهم و لا غنانا يخلو من حكمة معينة!!
مع إن أمر الله سبحانه بالأنفاق لأسباب و حكم متعددة منها: 1ـ امتحان الأغنياء 2ـ تحرير قلب الإنسان من المحبة الشديدة للدنيا. 3ـ ايجاد الرقة في قلب الإنسان المؤمن. 4ـ شكر النعم الإلهية. 5ـ زيادة النعمة. 6ـ الإطمئنان الروحي و النفسي. 7ـ رفع البلاء و ميتة السوء و ... و بالطبع هذه الآثار تترتب على الإنفاق من المال الحلال و إلا فلا يقبله الله و لا يبارك فيه.
تقول الآية المشار إليها في متن السؤال: "يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتىَِ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَ لَا خُلَّةٌ وَ لَا شَفَاعَةٌ وَ الْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُون".[1] هذه الآية تخاطب المسلمين و تشير إلى أحد تكاليفهم التي تؤدي إلى وحدة المجتمع و تقوية الحكومة الإسلامية و البنية الدفاعية و الجهادية لها.
وتشير بعد ذلك إلى الآثار الأخروية المتمثلة بنجاة الإنسان في يوم الحساب و على العكس من ذلك أي ترك الإنفاق و كنز الأموال و البخل على الآخرين يؤدي إلى التورط بعذاب ذلك اليوم.[2] أما عن السؤال المطروح فلا بد من القول بأن ما ذكره القرآن يحكي عن لسان الكافرين، حيث أكد على أحدى موارد عنادهم و إعراضهم في قوله تعالى: "و إذا قيل لهم أنفقوا ممّا رزقكم الله قال الذين كفروا للّذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلّا في ضلالٍ مبين".[3]
فمنطق الأفراد العوام ضيقي الأفق لتبرير بخلهم و جمع أموالهم الكثيرة هو زعمهم: بأن فقر فلان لا يكون إلا لسبب عمل عمله فاختار الله له على أثره البقاء على الفقر، و أن غنانا هو بسبب عمل عملناه فاستحققنا بسببه لطف الله و رحمة، إذن، لا فقرهم و لا غنانا يخلو من حكمة معينة!!
إذا كان الرزّاق هو الله سبحانه فلماذا تطلبون منا إطعام الفقراء؟ و إذا كان الله قد أختار لهم الحرمان فلماذا نطعم من حرمة الله؟ هذا كلّه لغفلة منهم عن كون الأمر الالهي بالإنفاق لا يخلو من أسباب و حكم متعددة منها:
1ـ إمتحان الأغنياء: الدنيا دار بلاء و إمتحان، فقد يمتحن الله فرداً بالفقر و آخر بالغنى و الثروة، و قد يمتحن ثالثاً بالأمرين في زمانين مختلفين، ليراه هل هو أيام الفقر من الأمناء المترفعين الشكورين؟ أم أنه يضرب كل شيء عرض الحائط؟ و ليرى هل هو من المنفقين أيام الغنى أم لا؟
2ـ تحرير قلب الإنسان من المحبة الشديدة للدنيا: يعد حبّ الدنيا في أحاديث الأئمة المعصومين (ع) أصل و رأس كل خطيئة و معصية.[4] و فائدة الإنفاق أنه يزيل هذه المحبّة المذمومة.
3ـ إيجاد رقة القلب في الإنسان. رقة القلب في مقابل قساوة القلب. و قساوة القلب تخرج الإنسان عن إنسانيته، و لطالما سهل عليه الذنب و الجريمة بهذه الحالة. لكنه عندما يهتم برفع حوائج الفقراء المحرومين و يرى نفسه مسؤولاً عن تأمين معاشهم يتحول الى انسان ذي قلب رؤوف رحيم.
4ـ الإنفاق هو شكر النعم الإلهية. يتحقق الشكر على النعم الإلهية بطرق متعددة أفضلها، الشكر العملي.
5ـ زيادة النعمة. فقد ضمن الله سبحانه للمنفقين المؤمنين المتقين بأن يضاعف لهم مواهبهم المادية و المعنوية أضعافاً كثيرة تصل إلى 1000 ضعف، أقلها عشرة أضعاف،[5] و هكذا عندما ينزل الشخص المنفق الميدان بهذه الروحية و بهذه العقيدة سيكون أكثر كرماً، و لا يفكر عندها بالفقر و القلّة و لا يخطر على باله الخشية من الفقر و الاملاق بحال من الاحوال، بل يشكر الله دائماً على أن وفق لهذه التجارة المربحة.
فالإنسان المؤمن، لا يفكر و لا يخاف من نقصان ماله و لا من الفقر و أمثاله فحسب، بل يعتقد بأن هذا العمل أشبه ما يكون بمعاملة و صفقة تجارية مربحة تبعث على زيادة أمواله فضلا عن حفظ أصل رأس ماله.
6ـ الإنفاق دليل الصدق في الإيمان. قيمة الإيمان بصدقة و إلا فلا قيمة للإيمان الذي لا يتعدى اللسان و ليس له ظهور في مقام العمل. يقول الله تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَ أَنفُسِهِمْ فىِ سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئكَ هُمُ الصَّدِقُون".[6]
7ـ الإطمئنان الروحي و النفسي: من آثار الأعمال الحسنة و الصالحة بصورة عامّة و الإنفاق بصورة خاصّة، هو الوصول إلى الإطمئنان الروحي و النفسي الذي يشمل الفرد، و هذا ما يمكن استلهامه من الآية الكريمة التي تبين دور الإنفاق في إيجاد الطمأنينة: "الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّيْلِ وَ النَّهَارِ سِرًّا وَ عَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لَا هُمْ يَحْزَنُون".[7]
8ـ رفع البلاء و اتقاء ميتة السوء: رفع البلاء و اتقاء ميتة السوء من آثار الإنفاق التي أشارت إليهما الروايات. فعن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إبن أبي عمير عن عبد الله بن سفان قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: الصدقة باليد تقي ميتة السوء و تدفع سبعين نوعاً من البلاء و ...".[8]
و على هذا فحتى لو إقتضى نظام التكوين أن يجعل الله سبحانه الأرض بكل مواهبها تحت إختيار البشر و يجعلهم أحراراً في أعمالهم لطي مسير التكامل، و قد خلق لهم غرائز كل منها يسوقه إلى جهة معينة. لكن الله قد جعل لهم في المقابل قوانين ـ في نظام التشريع ـ لأجل التحكم في غرائزهم و تهذيب نفوسهم و تربيتهم عن طريق الإيثار و التضحية و العفو و الإنفاق حتى يصل من له القابلية و الإستعداد إلى مقام الخلافة الإلهية المنيع عن هذا الطريق، فتطهر النفوس بالزكاة، و يزول البخل عن النفوس بالإنفاق، و ترتفع الفوارق الطبقية التي هي مصدر لآلاف المفاسد في الحياة البشرية و ...
و بعبارة أخرى، لقد أراد الله سبحانه أن يعطي للإنسان دوراً مهماً في إصلاح أمور العالم حتى يصل العالم من خلال هذا الطريق إلى التكامل و كذلك الامر بالنسبة الى تكامل الإنسان. و الملاحظة المهمة هنا هي أن كل هذه الآثار تترتب على الإنفاق فيما اذا كان الانفاق من المال الحلال و إلا فلا يقبله الله و لا يبارك فيه.
[1] البقرة 254.
[2] تفسير الأمثل، ج 2، ص 258.
[3] یس، 47.
[4] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي ج 2، ص 131، "... حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئةٍ..." دار الكتب الإسلامية، 1365 ه ش، طهران، 8 أجزاء.
[5] الحديد، 18، إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَ الْمُصَّدِّقَاتِ وَ أَقْرَضُواْ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَ لَهُمْ أَجْرٌ كَرِيم".
[6] الحجرات، 15.
[7] البقرة، 274.
[8] الكافي، ج 4، ص 3.