بحث متقدم
الزيارة
7384
محدثة عن: 2012/08/02
خلاصة السؤال
الکتاب المقدس یحتوى على نظام جید غیر متوفر فی القرآن الکریم، فکیف ینسجم ذلک مع القول بافضلیة القرآن؟
السؤال
أنا على معرفة بالتوراة و الانجیل و أعرف مدى الخواء الموجود فیهما، الا ان المیزة المتوفرة فیهما النظم الحاکم علیهما بصورة غیر متوفرة فی القرآن الکریم، حیث یأتی الکلام احیانا عن أمور لا علاقة لها بسیاق الآیات التی ورد فی ضمنها و الانتقال من موضوع الى آخر، مما یؤدی الى فقدان القرآن لحالة النظم کآیات سورة النصر التی لا علاقة لبعضها بالبعض الآخر؟ و کذلک نجد ذلک فی سورة الماعون الآیات 1 الى 3 و 4 الى 7 و....و کذلک ما جاء فی سورة البقرة و قصص بنی اسرائیل مقطعة قطعا متناثرة. فکیف ینسجم ذلک مع القول بافضلیة القرآن؟
الجواب الإجمالي

یوجد فی العهدین القدیم و الجدید نوعان من الترتیب و الکتابة، فان بعض الکتب الموجودة ضمن الکتاب المقدس رکزت اهتمامها على الجانب التأریخی و مسایرة الاحداث حسب الواقع التأریخی؛ من هنا نراها تقترب مع أی کتاب تأریخی ینتقل بالاحداث بصورة متسلسلة. و من بین أهم الکتب التی اعتمدت هذا المنهج: سفر الظهور، سفر الخروج و...

و فی نفس الکتاب المقدس توجد کتب أخرى لم تخضع للمنهج السابق و لم تتوفر على النظم الموجود فی سابقتها، من قبیل سفر اللاویین، امثال سلیمان و...فی العهد القدیم، و رسائل بولس و غیره من الکتب من العهد الجدید. فلا یصح تعمیم القول و وصف جمیع الکتاب المقدس بأنه مصنف بطریقة منظمة تتابع الاحداث و تربط بینها ربطاً منطقیاً.

کذلک الامر بالنسبة للقرآن الکریم حیث یوجد نوعان من الترتیب أیضاً، النوع الاول، الترتیب المعتمد على اساس النزول بمعنى ترتیب الآیات حسب تاریخ نزولها؛ و الآخر هو النظام المعتمد على اساس ترتیب السور و هو النظام الذی قام به النبی الاکرم (ص) و المتوفر بین ایدی المسلمین عبر الاجیال المتعاقبة.

وقد یتراءَى منها لأول وهلة عدم النظم و الانسجام الحاکم علیها حیث ینتقل الکلام من موضوع الى موضوع آخر، الا أن التأمل فیها یکشف عن أهمیة هذا الاسلوب فی التدوین حتى نرى بعض الکتب المعاصرة و بعض سیناریو الافلام و الروایات تعتمد هذه الطریقة فی التدوین للقضاء على حالة الملل و التعب التی قد تواجه القارئ مع ایصال اکثر من معلومة فی آن واحد من دون الاخلال باصل الموضوع المبحوث عنه. و أما الآیات التی اشیر الیها فی متن السؤال فقد اخضعناها للبحث و الدراسة و لم نجد فیها ذلک الخلل المنهجی و التنافر فی المعنى الذی اشیر الیه فی متن السؤال.

الجواب التفصيلي

لمعرفة النظم الحاکم على کتاب ما لابد من تسلیط الاضواء على الاسلوب الذی اعتمد فی تدوینه. من هنا نحاول تسلیط الاضواء على النظم الحاکم على الکتاب المقدس و الکتب الاخرى المنضویة تحته.

الملاحظ ان بعض الکتب الموجودة ضمن الکتاب المقدس رکزت اهتمامها على الجانب التأریخی و مسایرة الاحداث حسب الواقع التأریخی؛ من هنا نراها تقترب مع أی کتاب تأریخی ینتقل بالاحداث بصورة متسلسلة حیث یذکر الواقعة و بیان السیر التأریخی للاحداث و القضایا التی حصلت اثنائها، و لعل من بین أهم الکتب التی اعتمدت هذا المنهج: سفر الظهور، سفر الخروج و... فی العهد القدیم و بعض الاناجیل فی العهد الجدید حیث رکزت على متابعة حیاة السید المسیح (ع) تأریخیاً. و لا شک أن هذه الکتب تتوفر على نظم خاص یحکمه العامل الزمنی (نظم زمانی) حیث تنطلق بالاحداث اعتماداً على الترتیب الزمانی. علماً ان البعض منها صنفت من قبل شخص واحد و الاخرى اشترک فی تصنیفها أکثر من شخص و فی فترات مختلفة.

و لکن فی نفس هذا الکتاب المقدس توجد کتب أخرى لم تخضع للمنهج السابق و لم تتوفر على النظم الموجود فی سابقتها، من قبیل سفر اللاویین، امثال سلیمان و...فی العهد القدیم، و رسائل بولس و غیره من الکتب من العهد الجدید؛ و ذلک لانها لم تکن بصدد المتابعة التأریخیة للاحداث و کانت تهدف الى تحقیق غایة أخرى. و بهذا لم تتوفر على ذلک النظم الذی توفرت علیه الکتب التی اعتمدت المنهج و الاسلوب التأریخی فی التدوین.

من هنا لا یصح تعمیم القول و وصف جمیع الکتاب المقدس بأنه مصنف بطریقة منظمة تتابع الاحداث تسلسلیاً و تربط بینها ربطاً منطقیاً، بل القضیة تابعة لنوع التنصف و الغایة التی یروم المصنف ( مصنفو تلک الاناجیل) الوصول الیها، بالاضافة الى تعدد المصنفین و المؤلفین.

و قبل البحث فی الجانب الآخر من السؤال ( المتعلق بالقرآن الکریم) نرى من الضروری الاشارة الى قضیة مهمة و هی: أن القرآن المتداول فی أوساط المسلمین هو عین القرآن الذی نزل به جبرائیل على النبی الاکرم (ص) بلا أدنى تحریف أو تلاعب.

أما فی خصوص نظم الآیات و ترتیبها فیمکن القول بانه یوجد نوعان من الترتیب؛ النوع الاول – و هذا النوع غیر متوفر بین المسلمین- الترتیب المعتمد على اساس النزول بمعنى ترتیب الآیات حسب تاریخ نزولها؛ و الآخر هو النظام المعتمد على اساس ترتیب السور، و هو النظام الذی قام به النبی الاکرم (ص) و الذی وصل الینا عبر الاجیال المتعاقبة، و هو الحجة و المعتمد عند المسلمین.

ترتیب القرآن وفقا للنزول

نزل القرآن الکریم خلال فترة استمرت ثلاثة و عشرین عاماً لیعالج مشاکل معینة و یضع الحلول لمعالجات ظهرت فی حینها و یرسم الخطوط الاساسیة للدین الاسلامی بصورة تدریجیة حسب ما یراه الباری تعالى إنطلاقا من المصالح التی تقتضی نزول الآیات، حیث نزل القرآن فی الحرب و السلم و لتأیید البعض و تکذیب البعض الآخر و اعلان تشریع و تأخیر تشریع آخر و.... من هنا نرى من بین المناهج التفسیریة المعتمدة فی بیان الآیات و معرفة المراد الحقیقی منها اعتماد ما یسمى "باسباب النزول" و هذا ما یمیز القرآن عن سائر الکتب السماویة.

فمن غیر المنطقی ان نطلب من کتاب اعتمد فی ترتیبه هذا الاسلوب ان یحافظ على النظام المنطقی و التصنیف المنسق بین موضوعاته، و من غیر المعقول أن ننظر الیه کمصنف تأریخی یعتمد التسلسل الزمنی للحوادث، مع ما لتریب الآیات حسب النزل من فوائد کثیرة؛ من قبیل اختصار الطریق على الباحثین فی معرفة مراد الآیات المبارکة و تقلیل نسبة الخطأ فی التفسیر و...

و تجدر الاشارة هنا الى أمرین: الاوّل، أنه لا یوجد فی اوساط المسلمین الیوم قرآن مرتب حسب نزول الآیات. و ثانیا: ان ترتیب القرآن حسب النزول لا یعنی اختلافه مع القرآن الموجود تحت متناول ید المسلمین کما و کیفاً، بل هو من هذه الناحیة یتطابق تمام التطابق مع القرآن المصنف حسب السور.

القرآن المرتب حسب السور

لم یرتب القرآن المتوفر بین ایدی المسلمین وفقا لتاریخ نزول الآیات و ترتیبها الزمانی، و انما تم ترتیبه بطریقة أخرى تعتمد نظاما خاصاً، کذلک لم یرتب القرآن بطریق عشوائیة و منفلتة[1]. فیلاحظ على سبیل المثال اعتماد الاسلوب التأریخی و ذکر القصص فی اثنائها للاتعاظ و الاعتبار بما حل باصحابها من مصیر، و هذا ما نشاهده فی قصة النبی یوسف (ع) وغیره من الانبیاء، و هو من الامور التی لا تحتاج الى مزید ایضاح و بیان فقد أدرکه الجمیع و ارتضاه الکل.

و هناک ترتیب آخر لبعض آیات الذکر الحکیم قد یتراءَى منها لأول وهلة عدم النظم و الانسجام الحاکم علیها حیث ینتقل الکلام من موضوع الى موضوع آخر، الا أن التأمل فیها یکشف عن أهمیة هذا الاسلوب فی التدوین حتى نرى بعض الکتب المعاصرة و بعض سیناریو الافلام و الروایات تعتمد هذه الطریقة فی التدوین للقضاء على حالة الملل و التعب التی قد تواجه القارئ مع ایصال اکثر من معلومة فی آن واحد من دون الاخلال باصل الموضوع المبحوث عنه. حیث یراعى فی کتابة الافلام مستوى المخاطبین و تعددهم و الحالة النفسیة التی یعیشها المشاهد و... فهذه الطریقة لیست بالطریقة المذمومة بل من الطرق المحبذة فی التدوین الیوم.

و أما الآیات التی اشیر الیها فی متن السؤال فقد اخضعناها للبحث و الدراسة و لم نجد فیها ذلک الخلل المنهجی و التنافر فی المعنى الذی اشیر الیه فی متن السؤال، بل کانت خاضعة لنظام و ترتیب رائع و خاصة آیات سورة النصر التی انصب البحث فیها على موضوع واحد. و هکذا الکلام فی قصة بنی اسرائیل فان القرآن الکریم اعتمد فی کل مناسبة ان یذکر من تلک القصة ما یناسبها من تاریخ و وقائع هؤلاء الناس، و لم یکن الکتاب الکریم بصدد استعراض تاریخ بنی اسرائیل بکل جزئیاته و تشعباته حتى یعترض علیه بعدم الترانسق بین الوقائع و الاحداث، بل کان فی مقام اعطاء الامثلة و الوقائع التی تحقق الغایة النهایة و الهدف المنشود من وراء نزوله لاعداد البشریة و تکاملها الروحی و المعنوی.

 


[1] اختلف کلمة الباحثین فی تاریخ جمع القرآن بهذه الطریقة و الشخص الذی قام به، حیث ذهب السواد الاعظم من الباحثین الى القول بانه ذلک تم حیاة النبی الاکرم (ص) نفسه. (انظر فی هذه المجال: السؤال رقم: 1625

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279471 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257336 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128200 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113313 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89028 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59880 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59590 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56883 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49822 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47191 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...